الحكم على بولسونارو يُظهر صمود الديمقراطية البرازيلية

يوم الخميس، قضت هيئة من المحكمة العليا البرازيلية بإدانة الرئيس السابق جايير بولسونارو بتهم متعددة، من بينها قيادة جماعة إجرامية والمحاولة العنيفة للإطاحة بالنظام الديمقراطي، وحُكم عليه بالسجن لمدة سبع وعشرين سنة وثلاثة أشهر.

وبحسب النيابة، سعى بولسونارو وعضوا حكومته وبعض قادة الجيش إلى تنظيم انقلاب بعد هزيمته الانتخابية في نوفمبر 2022 ومحاولة اغتيال الرئيس الحالي ومنافسه السياسي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. وربط القضاء البرازيلي بين أفعال الرئيس السابق والأحداث التي أدت إلى اقتحام القصر الرئاسي والبرلمان والمحكمة العليا في العاصمة برازيليا على يد أنصاره في يناير 2023.

رحب قادة إقليميون آخرون بالحكم، على رأسهم الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو والرئيس التشيلي غابرييل بوريتش، بينما أدانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب القرار بسرعة، إذ صعّدت واشنطن الضغوط على حكومة برازيليا قبل أيام من صدور حكم الهيئة القضائية بفرضها رسماً تعريفيّاً بنسبة خمسين في المئة على بضائع برازيلية وبتوجيه عقوبات شخصية ضد قاضٍ بالمحكمة العليا، ألكسندر دي مورايس، بموجب قانون ماجنِتسكي بداعي انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان.

لكن الحكومة والمؤسسات البرازيلية ظلت ثابتة المعالم. وصف لولا القرار بأنه «تاريخي» ورفض محاولات الولايات المتحدة التدخل في الشؤون الداخلية للبرازيل.

الحكم بالفعل ذو دلالة تاريخية، لا لأنه أول مرة تُدان فيها رأس دولة برازيلية بتلك الاتهامات فحسب، بل لأنه يبيّن أن الديمقراطية البرازيلية، رغم ماضٍ ملطّخ بالتقلبات، نظام مرن وحيوي وقادر على التكيف والعمل.

قد يفاجئ هذا بعض المراقبين. فالماضي القريب للبلاد يعكس صراعات مع السلطوية والقمع: من سبعة عقود من الملكية الإمبراطورية في القرن التاسع عشر بعد الاستقلال عن البرتغال، مروراً بفترة الجمهوريات، وثورة 1930، والنظام البرلماني المضطرب، والدكتاتورية العسكرية خلال الحرب الباردة، ثم عزل رئيسين في العهد الديمقراطي؛ كل ذلك جعل من السهل وسم البرازيل كدولة غير مستقرة أو متقلبة.

يقرأ  إسرائيل وتركيا على مسار تصادمي بعد أن قطعت أنقرة علاقاتها

إقليمياً، لم تَخلُ المنطقة من انقلابات وأنظمة استبدادية شتى، كثير منها حظي بدعمٍ أو توجيهٍ أمريكي.

الدكتاتورية العسكرية البرازيلية حصلت على دعمٍ مؤكد من واشنطن؛ فقد شجّعت الولايات المتحدة وحسّنت من إمكانيات الانقلاب العسكري عام 1964، الذي أفضى إلى حقبة من القمع الدموي انتهت بعد عقدين. ومع ذلك، برهنت التجربة اللاحقة على قدرة النظام الديمقراطي على الصمود حتى في وجه تجاوزات قادة سياسيين.

في عام 1979، وقع الرئيس جوآو بابتيستا فيغيريدو قانون العفو الذي شمل عناصر الجيش ومعارضي النظام على حد سواء، في محاولة تمهيدية لعملية التحول الديمقراطي، لكنه أيضاً شكّل درعاً لإخفاء جرائم النظام العسكري وحماية المتورطين.

وفي 2021، تحوّل بولسونارو عن سياسة العفو تلك بتوقيعه تشريعاً جرّم محاولات الانقلاب والاعتداء على المؤسسات الديمقراطية، وهي الفقرة القانونية ذاتها التي استندت إليها المحكمة العليا في حكمها ضده.

وليس هذا سابقةً فريدة في التاريخ القضائي البرازيلي: ففي 2005، خلال الولاية الأولى للَولا، هزّت البلاد فضيحة شراء الأصوات في الكونغرس. وفي مسعى لردع السخط الشعبي، أصدر الرئيس عام 2010 «قانون السجل النظيف» (Lei da Ficha Limpa) الذي يمنع أي مرشح مدان من قِبَل هيئة قضائية جماعية من تولّي مناصب عامة لمدة ثماني سنوات. وفي 2018 مُنع لولا نفسه من الترشح بموجب نصوص القانون التي سنّها.

هذه الأمثلة وغيرها تبين كيف استطاعت الديمقراطية البرازيلية أن تتجاوز عواصف سياسية تعلّقها بقادتها. فقد اجتازت البلاد عمليتي عزل رئاسيتين دون انهيار مؤسساتي حاد: الرئيس اليميني فرناندو كولور (1990–1992) خرج من منصبه على خلفية فساد يتعلق بأمين صندوق حملته، والرئيسة اليسارية ديلما روسيف (2011–2016) أُقصيت بسبب تلاعب في الموازنة الفدرالية.

لم تفضِ إزاحة هذين الرئيسين إلى زعزعة مؤسساتية عميقة، بل مهّدت الطريق لإصلاحات مهمة، من بينها خطة الريال الاقتصادية عام 1994 التي كبحَت التضخم أخيراً، والإصلاح العمالي لعام 2017 الذي أعطى الأساس لاتفاقات مباشرة بين صاحب العمل والموظف أسبقية على بعض أحكام التشريع العمالي القائمة.

يقرأ  هاي-فروكتوز ٧٥ — العدد الخاص بالذكرى العشرين قادم: اطلع على لمحات حصرية

مجتمعة، تؤشر هذه الوقائع إلى أن النظام السياسي في البرازيل يستمد قوته المؤسسية من تطبيق حكم القانون عبر الطيف الأيديولوجي بأسره.

تجربة البرازيل تدعو إلى إعادة نظر في النظرة القديمة وغير الدقيقة التي تصف أمريكا اللاتينية أرضاً خصبة للدول غير المستقرة وغير المتنبّأة؛ فهي تُظهر مؤسساتٍ تعمل وتتحلى بالحداثة والقدرة على التكيّف.

وبذلك تصبح البرازيل نقطة مرجعية يمكن أن تستنير بها ديمقراطيات أخرى في المنطقة وخارجها.

الآراء المعبر عنها هنا تخص كاتبها ولا تعكس بالضرورة التوجه التحريري ل«الجزيرة».

أضف تعليق