أوكودا: فوضى الألوان الزاهية — مجلة هاي فروكتوز

في عام 2014 تعرّف أوكودا إلى كنيسة سانتا باربارا في منطقة أستورياس الإسبانية. بُنيت هذه المنشأة أصلاً عام 1912 كمكان عبادة لعمال مصنع متفجرات في بلدة يانيرا شمال إسبانيا، ثم تُركت مهجورة عقب الحرب الأهلية الإسبانية.

بعد نحو قرن، اشترت مجموعة محلية لعشّاق التزلج على الألواح تُعرف بـ«لواء الكنيسة» المكان وأعادت تجديده، ورأت في ساحاته الداخلية العالية المقوّسة ومساحاته الواسعة منتزهاً مثالياً للتزلج داخلياً. دعوا أوكودا ليغطّي الحوائط والسقوف بالأعمال الفنية بعد إعادة الإعمار، وفي غضون أسبوع واحد ملأ الفنان الفراغ بصور تحمل صلة بما سماه من «صور مستوحاة من الديانات الهندية بسبب الحيوانات المقدسة والألوان» التي استخدمها. رسم وجوهاً بنجمات في العيون ومشاهد لِشخصيات مرسومة، إضافة إلى نجمة كاوس المميزة لديه—وردَّ ذلك لاحقاً التسمية الجديدة للمكان: معبد كاوس. يعدّ هذا المشروع من أبرز إنجازاته.

يقول أوكودا: «كان نقطة مفصلية في مسيرتي، أول مشروع فني داخلي كبير لي. قررت أن أضمّ كل أيقونات عالمي وشخصياتي داخل الكنيسه، كمتحف متحرك.»

حين افتُتح المبنى بعد الترميم في ديسمبر 2015 ظهرت تساؤلات حول تحويل مكان مخصّص للعبادة الدينية إلى فضاء عبادة لعشّاق اللوح، إلا أن غالبية سكان يانيرا، بمن فيهم رجال مسنون كانوا قد عملوا في الكنيسة، رحّبوا بعودة الحياة إلى المبنى. وبات المعبد مفتوحاً للجمهور، يجذب الآن محبي البوب آرت والمؤرخين والمتزلجين من شتّى الجهات.

لاقى تصور أوكودا بكنيسة أستورياس صدى كبيراً، فدُعي لاحقاً إلى المغرب في مايو 2016 ليحوّل مبنى آخر—ضمن عشرة فنّانين دوليين شاركوا في «قافلة فن الشارع» التي نظّمها المجلس الثقافي البريطاني في المغرب في يوسُفية. تحت عنوان «11 سراباً نحو الحرية» رسم أوكودا كل جانب من جوانب مصلى مكتنز بصور أشخاص أو حيوانات، مع وجوه دبّ وأسد وطيور على واجهة المبنى.

يقرأ  مجلة جوكستابوزدينغ شي تشينغ — ثمن الحياةمتحف موسكيغون للفنون، موسكيغون، ميشيغان

كان عام 2016 أكثر أعوامه انشغالاً؛ ففي مارس وخلال مهرجان HKWalls للفن الشارعي في هونغ كونغ، أحيى واجهة مبنى مكوّن من عشرة طوابق في حيّ شام شوي بو الشعبي بأسلوبه، حيث استخدم منظور الزاوية ليجعل أنف الحيوان يبدو كأنه يبرز من الحائط. العمل المعنون «سارق قوس قزح» كان من أكبر أعمال المهرجان، وواجهته ذات رأس الذئب بروزت كلونٍ وحيد بين بحر من الأبراج السكنية الرمادية والبيضاء، مع مبنى أصفر خردلي واحد جواره.

في أبريل انضمّ إلى مشروع «الفن في الشوارع» بإيطاليا، وغطّى جدران روضة أطفال في بلدة أركونّانو؛ حيث وُصف المجلس المحلي بأنهم ناس طيبون واستثنائيون، وحين كان الفنانون يعملون كان سكان الحي يأتون ليقدّموا لهم القهوة والطعام، وكل يوم كانت عائلة مختلفة تدعوهم للعشاء في بيتها. راقب الأطفال وهم يحييّون طيوراً ودببةً وأسوداً ذات أجنحة بمساعدة الفنان والمساعد أنطونيو مارست، ليبتكروا خمسة جداريات تحمل رسالة إيجابية عن الحب والطبيعة.

يقول أوكودا: «عندما وصلنا أول مرة، استقبلنا الأطفال استقبالاً رائعاً؛ لقد رسموا كثيراً مستوحى من أعمالي. كان لحظة خاصة جداً. وكان أمراً مذهلاً أن يُطلق مجلس أركونّانو اسمي على هذا الميدان.»

في يونيو شارك أوكودا ضمن معرض Project M/9 Colors الذي نظّمته مؤسسة Urban Nation الألمانية للفن الحضري المعاصر، مساهمًا بعمل يُبرز الاستخدام المبتكر للألوان في عالمٍ تهيمن عليه التكنولوجيا: نصّب تمثالاً مُضخماً لصدر كلب تخرج منه بالونات من شقٍ في رأسه، وقد وضع في المقدمة شخصية ماسكة متظلمة مُلتفتة عن المشاهد.

في أغسطس غطّى أوكودا قطاراً مكوّناً من خمس عربات في كييف بألوانه الزاهية ونقوشه المميزة، متنقلاً عبر ريف أوكرانيا. العام الذي سبق كان قد زيّن وسائل نقل في إسبانيا أيضاً، بما في ذلك مشروع Truck Art الذي يضع أعمالاً جميلة لفنّانين معاصرين على شاحنات شركة Pallibex؛ فحوّل جانب شاحنة بيضاء عادية إلى ثلاث وجوه فضولية تحدّق للمارة، وأصبحت تلك الشاحنة الآن واحدة من أسطول متنقّل يهدف المشروع لأن يصل إلى مئة مركبة.

يقرأ  مجلة "جوكستابوز"القطط والدموع والسجائرمعرض فردي للفنانة كاميلا ميهكلسوصالون V1 · كوبنهاغن

سافر أيضاً إلى أركنساس لحضور مهرجان Unexpected Art في سبتمبر، حيث حوّل منزلاً مهجوراً عند زاوية شارع روجرز وغاريسون إلى «مصلى عالمي» ملون يحتفل بالطبيعة والإنسان معاً.

لم يهدأ أوكودا في 2017؛ يعمل حالياً على أعمال جديدة للعرض الفردي في معرض كوري هلفورد في لوس أنجلس، وعلى مشاركات في معارض فنية مختلفة، وجدوله لمدّة العام ممتلئ بمشروعات دولية عبر آسيا وأفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك يشرف على تطوير ورشته الفنية التي تبلغ مساحتها خمسمائة متر مربع في مدريد، حيث يعمل ضمن فريق من الفنانين.

تنبض أعمال أوكودا بغموض فطري؛ فمع نهجه المعاصر تحمل لوحاته روح الفلكلور، كأنها إعادة رواية عصريّة لحكاية قديمة. حين يرسم، نصغي. كأنما تواصل مع شيء عتيق يستدعي بوادر رؤى — في هيئة وجوه ذات تعابير واعية، وحيوانات متأملة، وطبيعة تندمج في نسق كوني — ويجدر بنا أن نأخذها بعين الاعتبار.

«أحب العمارة الكلاسيكية والمبانى الضخمة، وأحب العمل على أسطح وبيئات مختلفة»، يقول أوكودا. «عادةً ما تتشكل الأمكنة أمامي عبر مشاريع متنوعة، وأستلهم من مكان محدد ومن الناس ومن ثقافة البلد أو دينه، أو من أيقوناته الأجدية.»

ربما لذلك السبب يختار أوكودا ألا يصنع الفن على نطاقٍ ضيق أو يختزنه حصريًا في صالات عرض خاصة أو في منازل. بل يُطلق أعماله إلى العالم، محولًا الأماكن العامة المهجورة للعمل أو للصلاة. الواقع عند أوكودا صراع تتجسّد معالمه في رماديّات، لكنه يقابله بصورٍ نابضةٍ بالألوان. وفي الخارج، تحت ضوء الشمس، تتلائلأ ألوان أوكودا.

ظهرت هذه المقالة لأول مرة في العدد 43 من مجلة هاي-فركتوز، الذي نفدت نسخه. اشترك اليوم لتحصل على أحدث أعداد هاي-فركتوز مع اشتراكك الجديد هنا.

يقرأ  الْقِرَاءَةُ الْمَطْلُوبَةُ

أضف تعليق