تسرّ مؤسسة FLAG Art Foundation أن تقدم معرض “الشُعْلة الأبدية” الذي يجمع أعمالاً جديدة وحديثة للفنانة آنا بناروايا. يضمّ المعرض تشكيلة واسعة من اللوحات والأعمال على الورق والمونوطيبات، مقدِّماً طيفاً كاملاً من إعادة تصور بناروايا لأجساد المراه بوصفها فضاءً تتعايش فيه الأنوثة والذّكورة وتتداخلان وتتبدّلان. عبر استدعاء رموز تاريخ الفن واستلهام عناصر من الثقافة المعاصرة — من الموسيقى إلى القصص المصوّرة والأفلام — تضع بناروايا مواضيعها داخل خطاب متغيّر دائماً حول كيف تُرى النساء وتُفهم وتُشتهى.
منذ البداية، بقي بحث بناروايا عن سبل تصوير أجساد النساء — كأشكالٍ وأفكار — المحور الأوحد لممارستها الفنية. مدفوعةً ليس فقط بانشغالها بتاريخ التمثيل الطويل للنساء، بل أيضاً بمحاولة اختبار إمكانية رؤية أجسادهنّ من دون تحويلها إلى موضوع جنسي، تبتكر بناروايا شخصياتَ فائقةَ الطابع الإنساني؛ ذات نسبٍ جسديةٍ متطرفة وسماتٍ مبالغ فيها تعقّد أي تصور نمطي للأنوثة أو شكلها المفترض. فرغم إبرازها لقمم عضلية وأجسامٍ مموجة وبارزة، تتحلّى هذه الشخصيات ـ بأبعادها المشدّدة نحو الذكورة ـ بصفات نمطية للأنوثة أيضاً، مثل تسريحات الشعر المصففة والشفاه المطلية، ووضعيات إغوائية وتعبيرات رقيقة. ومن خلال تصفية هذه التركيبات الدراماتيكية عبر عدسة الرغبة السحاقية التي تشكّل بنية عملها، تتمكن بناروايا من فحص الكيفية التي تُؤسَّس بها عروض الجندر في كثير من الأحيان على قواعد جامدة ونسقية ترتكز على الافتراضات المغايرة.
يكشف معرض “الشُعْلة الأبدية” عن تنوّع ممارسة بناروايا وعن تطوّر أسلوبها المستمر جنباً إلى جنب مع أشكالٍ موضوعيةٍ جديدة. في كل سلسلةٍ ومن خلال الوسائط المتعددة التي تعمل بها، تصوّر بناروايا مواضيعها والمساحات التي تحتلّها بأسلوبٍ جريءٍ ومصوّرٍ ومشحونٍ بالألوان، أسلوبٌ يستعير بقدرٍ كبير من عالم الإيضاح كما يستعير من تقاليد الرسم. وغالباً ما تستحضِر أسلوب الكتب المصوّرة — وثنائيتها الواضحة بين الأبطال والأعداء — لتقدّم نساءً مترفعاتِ القدرة وخالياتٍ من العار.
يضمّ المعرض أعمالاً من عدة سلاسل، كلُّ منها يدور حول إعادة تفسير نوعٍ تاريخي أو رمزٍ ظلّ طويلاً مرتبطاً بتصوير النساء بصورة سطحية ومختزلة. في سلسلة “نساء في الماء” تنقّب بناروايا في حمّامات الانطباعيين التي صوّرها بيار بونار وبيير-أوغست رينوار في القرن التاسع عشر، معيدةً صياغة مواضيعهم كنساءٍ ممتلئاتٍ وقوياتٍ، يفيضن بالثقة والحضور. وتسجل سلسلة “نساء في سيارات” إشاراتٍ إلى أفلام هوليوود الكلاسيكية والإعلانات الأميركية، حيث تُصاغ النساء بأسلوب مبالغٍ ليصبحن رمزاً لاستقلالية السيارة المستقبلية بينما تُستغل أجسادهنّ لترويج السلع التجارية. في يدي بناروايا، تستعمل النساء السيارة من دون أن يُمنحهنَّ الماكين أو الآلة موضوعيتهنّ أو مظهرهنّ. أما أعمال “نساء مع الزهور” فتتناول الزهرة كاستعارة رومانسية مرتبطة بمفاهيم تقليدية للأنوثة؛ وكما في أعمالها الأخرى، لم تعد الزهرة بوابةً للإغراء، بل تُترك لتكون جميلةً بذاتها مثل النساء اللواتي تحيط بهنّ.
بجمع أعمالٍ مصنوعة بوسائط وأحجام متباينة، يبرز “الشُعْلة الأبدية” الرقة والتفاوت الكامنين في قلب ممارسة بناروايا. في كل وسطٍ تمثّل بناروايا أجساد النساء بانتصارٍ وبدون كبح، فتظهر شخصياتها منغمسةً تماماً في تجربتها الداخيلة بدل أن تكون مجمدةً تحت وعي بنظرةٍ خارجيةٍ تصورهنّ كأشياء. وفي الوقت نفسه، تحتوي أعمالها على لحظات حميمة من الرقة تتجاوز الكاريكاتير البسيط. عبر إضفاء باطنية وعمق على مواضيعها، تقترح بناروايا أنه حتى عندما يُعبّر عن الجندر بقوة وثقة، تظلّ إمكانيات الاتّساع والتجريب متاحة.