أسوأ جفاف تشهده سوريا منذ عقود — الملايين على شفير الانهيار

ترتعش أقدام الغنم فوق قاع نهر العاصي الجاف في جسر الشغور شمال سوريا، ومعها مشهد الحقول التي كان يفترض أن تكون ذهبية مكللة بالحبوب حول سقالبية قرب مدينة حماة — لكنها اليوم جرداء وقاحلة.

أراضي المزارع ماهر حدّاد، التي تبلغ أربعون دونمًا (نحو 10 أفدنة)، لم تعد سوى بقع يابسة تعطي ثلث محصولها الاعتيادي فقط. يقول المزارع البالغ من العمر 46 عامًا: «كان هذا العام كارثيًا بسبب الجفاف»، ويعكس كلامه خسارة استثمار كلفته زراعة الأرض أكثر مما جنت له. لم تتجاوز إنتاجيته 190 كغ من القمح للدونم الواحد، بينما كان يعتمد في السنوات العادية على 400–500 كغ.

«لم نعد نعوض ما أنفقناه على الزراعه؛ خسرنا مالًا. لا أستطيع تمويل العام المقبل ولا تغطية ثمن الطعام والشراب»، يخبرنا حدّاد، وهو الآن مضطر لاقتراض المال من الأقارب لإطعام ابنتيه المراهقتين.

تعكس معاناة حدّاد واقعًا أوسع في سوريا، حيث أوقع أقسى جفاف منذ 36 عامًا ضربات قاسية أدت إلى تراجع محاصيل القمح بنسبة نحو 40%، ومهدت الطريق لأزمة غذائية أوسع في بلد يعيش فيه نحو 90% من السكان تحت خط الفقر. وتقدّر منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) عجزًا متوقعًا في القمح يبلغ 2.73 مليون طن هذا العام — ما يكفي الاحتياجات الغذائية السنوية لحوالي 16.25 مليون شخص.

وحذّر بيرو توماسو بيري، كبير مسئولي البرامج في الفاو لسوريا، من أن الأزمة ستتفاقم إذا لم تتوفر مساعدات غذائية إضافية أو القدرة على استيراد القمح. «قد يصل انعدام الأمن الغذائي إلى مستويات غير مسبوقة في أواخر 2025 وحتى منتصف 2026»، مشيرًا إلى أن أكثر من 14 مليون سوري — ستة من كل عشرة أشخاص — يكافحون بالفعل لتأمين طعامهم. من بينهم 9.1 مليون يواجهون انعدامًا حادًا للأمن الغذائي، بما في ذلك 1.3 مليون في حالات شديدة، بينما يواجه 5.5 مليون خطر الانزلاق إلى أزمة دون تدخل عاجل.

يقرأ  قمة ترامب وبوتين في ألاسكاماذا يتضمن جدول الأعمال وما الذي على المحك؟ — أخبار حرب روسيا وأوكرانيا

تشير بيانات الفاو إلى انخفاض معدلات الأمطار بنحو 70%، مما شل نحو 75% من الأراضي المعتمدة على المطر. ويقول بيري: «هذا الفارق بين بقاء العائلات في مجتمعاتها أو اضطرارها للنزوح. وللأسر الحضرية يعني ارتفاع أسعار الخبز، وللعائلات الريفية يعني انهيار سبل الكسب».

تتجه العائلات الفلاحية بالفعل إلى بيع المواشي لتعويض خسائر محصول القمح، وتقلص وجباتها اليومية، وسجلت معدلات سوء تغذية متزايدة بين الأطفال والحوامل. لكن تداعيات الجفاف تتجاوز آلاف الكيلومترات من الأراضي الجرداء؛ فالقمح يعتبر محصولًا استراتيجيًا في سوريا، وهو المكون الرئيسي للخبز والمعكرونة — غذاءان أساسيان يفترض أن يبقيا في متناول الأسر. ومع تقلص المعروض يرتفع السعر.

تروي الأرملة سناء محاميد (39 عامًا) معاناة يومية: مع ستة أبناء تتراوح أعمارهم بين 9 و20 سنة، تعتمد على أجري ولديها، لكن رواتبهما لا تكفي. «أحيانًا نستلف المال فقط لشراء الخبز»، تقول. قبل عام كان ثمن ربطة الخبز 500 ليرة سورية، والآن صارت 4,500 ليرة. لتأمين قوت أسرتها تحتاج إلى ربطتين يوميًا — نفقة تبلغ 9,000 ليرة قبل باقي الاحتياجات. «هذا كثير جدًا، هذا مجرد خبز ولا زلنا بحاجة لأشياء أخرى. إذا ارتفع الخبز أكثر فستكون مشكلة كبيرة. الخبز هو الأهم».

تمثل الأزمة تحديًا لإدارة الرئيس المؤقت أحمد الشّراع، بينما تعمل حكومته على إعادة إعمار سوريا بعد أربعة عشر عامًا من الصراع وإزاحة الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر 2024. تتدخل وكالات دولية، وعلى رأسها برنامج الأغذية العالمي، إلى جانب الحكومة لتقديم دعم خبز للمجموعات الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي. لكن المسؤولين عن المساعدات يحذرون من أن الدعم مؤقت، وأن الاستقرار طويل الأمد يعتمد على بقاء المزارعين في أراضيهم واستمرار الإنتاج.

تقول ماريان وارد، مديرة برنامج الأغذية العالمي في سوريا، إنهم يحاولون «إبقاء الناس في اللعبة الزراعية»، وقد عملت على تحويل نحو 8 ملايين دولار كدفعات مباشرة لصغار المزارعين — حوالى 150 ألف شخص — ممن فقدوا محاصيلهم بالكامل. «إذا لم يكسب الفلاح مالًا فسوف يترك الأرض، وعندها يختفي العاملون في قطاع الزراعة الضروري للاقتصاد».

يقرأ  وثائق مسرّبة تكشف استغلال حماس لمستشفيات غزة

وعلى الرغم من ذلك، فإن القطاع الزراعي كان متأثرًا قبل الجفاف بعقود من التدهور الاقتصادي، وتدمير شبكات الري، وحقول مزروعة بالألغام. يوضح الدكتور علي العُش، مدير الزراعة في منطقة دير الزور — سلة خبز سوريا — أن حقول القمح تحتاج إلى ري 4–6 مرات في الموسم، لكن نقص الأمطار منع معظم المزارعين من الإيفاء بذلك. «همّ الفلاح أولًا تأمين المياه، والماء يحتاج وقودًا. سعر الوقود ارتفع جنونيًا ووصل إلى 11,000–12,000 ليرة سورية للتر»، قال الدكتور العُش.

ارتفاع أسعار الوقود وانقطاع الكهرباء جعلا مضخات المياه بعيدة عن متناول الكثيرين، وكثير من المزارعين باتوا مثقلين بالديون. ويعتبر العُش أن أولوية إدارته والحكومة الانتقالية في دمشق هي ضخ أموال في مشاريع الري — مثل أنظمة التنقيط العاملة بالطاقة الشمسية — لجعل المياه أكثر توفرًا للفلاحين. لكن مثل هذه المشروعات تحتاج إلى وقت وموارد — رفاهية لا يمتلكها مزارعو القمح الآن.

لذلك، لملايين السوريين في الأشهر المقبلة حل واحد فقط: الدعاء بمطر ينعش الأرض والحصاد.

تقرير إضافي من لانا عنتقي في دمشق.

أضف تعليق