الإرث السبارطي لنتنياهو

شنت القوات الإسرائيلية هجوماً بريّاً نحو مدينة غزة يوم الثلاثاء، في إطار عملية عسكرية متجددة تستهدف منطقة أعلن عن وقوع مجاعة فيها الشهر الماضي. وتجاهل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيل الانتقادات المحلية والدولية المتصاعدة، مؤكداً أن استعادة السيطرة على المدينة ضرورية لمنع حماس من إعادة بناء قدراتها العسكرية.

سبق العملية أيام من الغارات الجوية المدمرة على مدينة غزة، التي سوت بأرض المساكن بأكملها. ورغم أوامر الجيش الإسرائيلي بإخلاء جميع السكان من المدينة، يؤكد السكان ومنظمات الإغاثة أنه لا مكان آمن يلجأون إليه.

«لا يمر يوم دون قصف وفيات في الجنوب، حتى في ما يُسمّى بالمناطق الإنسانية»، قالت فاطمة الزهراء الصهویل، باحثة إعلامية مقيمة في مدينة غزة. «فهل سأكون إذن في حالة هروب من موت إلى موت؟»

الحرب الإسرائيلية على غزة، التي اندلعت ردّاً على هجمات حماس العنيفة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تقترب من إكمال عامين مع تلاشي آفاق التوصل إلى وقف لإطلاق النار. وتفاقمت الكارثة الإنسانية في القطاع إلى حد أن تقارير وصلت إلى توصيفات بالإبادة الجماعية — وآخرها هذا الأسبوع من مفووضية الأمم المتحدة للتحقيق — فيما تواصل حكومة نتنياهو ضم مساحات واسعة في الضفة الغربية المحتلة. كل ذلك ألحق أذىً كبيراً بمكانة إسرائيل الدولية، حتى في دول غربية كانت تميل تاريخياً إلى دعمها بلا شروط.

لدى الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، كانت الإشارة الأحدث: أعلنت المفوضية الأوروبية أنها ستقترح تعليق بنود من اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل رداً على الحرب الجارية وانتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية.

يتطلب هذا الإجراء موافقة «أغلبية مؤهلة» داخل الاتحاد، تشمل دولاً تمثل ما لا يقل عن 65 بالمئة من سكانه، وهو أمر يبدو بعيد المنال حالياً لأن ألمانيا وإيطاليا — اللتان تشكلان معاً نحو ثلث السكان — تُعتبران معارضتين على نطاق واسع.

يقرأ  مفاجأة في ساحل العاج: الموافقة على ترشح السيدة الأولى السابقة للرئاسة

ومع ذلك، فإن مجرد مناقشة هذا الخيار يُعد إنذاراً حادّاً لإسرائيل، لا سيما وأن نحو 29 بالمئة من صادراتها تتوجه إلى الاتحاد الأوروبي. وألمحت مسؤولة السياسة الخارجية في التكتل، كايا كالاس، إلى أنه حتى إذا توقفت بروكسل عن إعادة فرض الرسوم بالكامل، فقد تُطبّق تدابير بديلة. وقد فرضت دول أوروبية كبرى — منها إيطاليا وألمانيا — حظوراً كاملاً أو جزئياً على تصدير الأسلحة لإسرائيل.

أقرّ نتنياهو بالعزلة المتصاعدة التي تواجه بلاده، لكنه بدا متحدياً لذلك. ففي كلمة ألقاها خلال مؤتمر يوم الإثنين، حذّر من أن اقتصاد إسرائيل سيحتاج إلى أن يصبح أكثر اكتفاءً ذاتياً، مشبّهاً ذلك بدولة «سبرتا فائقة» — في إشارة إلى نسخة تقنية عالية من المدينة-الدولة اليونانية القديمة ذات الطابع العسكري.

أثارت تلك التصريحات موجة بيع في بورصة تل أبيب ودفعت القطاع الخاص إلى إدانة واسعة. وقال منتدى الأعمال الإسرائيلي، الذي يجمع أكبر 200 شركة في البلاد، إن إسرائيل ليست سبرتا، وإن مثل هذه الرؤية ستصعّب بقاءها في عالم يتغير بسرعة. وأضاف المنتدى أن على الحكومة العمل بشكل عاجل لإنهاء أطول حرب في تاريخ البلاد، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وتحديد موعد للانتخابات.

وليس زعماء الأعمال وحدهم من يطالبون بوقف إطلاق النار؛ فقد تصاعدت المظاهرات الحاشدة في داخل إسرائيل خلال الأسابيع الأخيرة، مع مخاوف من أن العمليات العسكرية المتجددة في شمال غزة ستقضي على أي أمل متبقٍّ في استعادة الرهائن الإسرائيليين المعتقد احتجازهم هناك. وخرج مئات الآلاف في يوم واحد الشهر الماضي، في واحدة من أكبر التظاهرات منذ اندلاع الحرب.

يبدو أن نتنياهو مستعد لتحمل حالة عدائية وعزلة اقتصادية طويلة الأمد، والسؤال الآن ما مدى استعداد المجتمع الإسرائيلي لتحمل التكاليف المترتِّبة على ذلك — ولأي مدة.

يقرأ  هولندا تستعد للانضمام إلى مقاطعة يوروفيجن احتجاجًا على إسرائيل

إليوت والدمان، رئيس تحرير World Politics Review، هو كاتب المادة.

نشر المقال بعنوان «إرث نتنياهو السبرطي» أولاً على موقع World Politics Review.

أضف تعليق