أعلنت عدة دول أوروبية أنها قد تمتنع عن المشاركة في مسابقة يوروفيجن القادمة إذا سُمح لاسرائيل بالاستمرار في المنافسة، في تصعيد جديد يعكس التداعيات السياسية للصراع الإقليمي.
انضمت إسبانيا يوم الثلاثاء إلى كل من هولندا وإيرلندا وسلوفينيا في إدانة الحرب في غزة، التي أدت إلى مقتل ما يقرب من 65 ألف شخص منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، مع الآلاف الآخرين المفقودين تحت الأنقاض ومفترض وفاتهم. وأعلنت هذه الدول أنها لن تشارك في المسابقة إذا واصلت إسرائيل المشاركة.
ما هو يوروفيجن؟
يوروفيجن مسابقة غنائية دولية تُبث تلفزيونياً سنوياً بمعظمها في دول أوروبية، وقد انطلقت عام 1956 لتصبح من أقدم وأشهر الفعاليات التلفزيونية غير الرياضية على مستوى العالم. كل دولة تقدم أغنية أصلية، ويتم تحديد الفائز عن طريق تصويت الجماهير واللجان. تُنظّم المسابقة من قبل الاتحاد الأوروبي للبث (EBU)، وهو تجمع عام للمؤسسات الإذاعية العامة في أكثر من 35 دولة.
أي دولة تمتلك هيئة بث عضواً في الاتحد الأوروبي للبث ضمن نطاق أوروبا يمكنها المشاركة؛ ومن أمثلة الدول غير الأوروبية جغرافياً التي انضمت: أستراليا (2015)، أرمينيا (2006)، وأذربيجان (2011). الفائز بالمسابقة يستضيف الدورة التالية، والمقرر أن تُعقد نسخة مايو 2026 في فيينا.
إسرائيل ويوروفيجن: لمحة تاريخية
شاركت إسرائيل لأول مرة عام 1973 بفضل عضوية مؤسستها الإذاعية في الاتحاد الأوروبي للبث. كانت الهيئة الوطنية آنذاك هي “هيئة البث الإسرائيلية”، أما اليوم فالمسؤولية لدى مؤسسة البث العامة الإسرائيلية (كان)، ولا تزال عضواً في EBU. نادراً ما شاركت دول ناطقة بالعربية؛ فالمغرب شارك مرة واحدة فقط عام 1980 وكانت تلك المرة الوحيدة التي ظهرت أغنية عربية في المسابقة. أما تونس ولبنان فانسحبتا في 1977 و2005 على التوالي بعد رفضهما بث محتوى إسرائيلي.
لطالما واجهت مشاركة إسرائيل احتجاجات، وتفاقمت الاعتراضات منذ اندلاع الحرب على غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023 بعد هجوم حماس على جنوب إسرائيل. في مسابقة 2024 التي أقيمت في مالمو، رفضت EBU مشاركة إسرائيلية لاعتبارها سياسية للغاية — كانت الأغنية بعنوان “مطر أكتوبر” وأشارت إلى ضحايا هجوم 7 أكتوبر الذي أسفر عن مقتل 1,139 شخصاً. وبعد تردّد أولي، غيّرت “كان” أغنية إسرائيل إلى بلادة رومانسية، وحلّت إسرائيل في المركز الخامس. كما شاركت في 2025 في بازل بسويسرا وحلت في المركز الثاني.
أي البلدان تقاطع يوروفيجن بسبب إسرائيل؟
حتى الآن، أعلنت خمس دول أوروبية أنها قد لا تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل:
– آيسلندا: قالت هيئة البث RÚV في تقرير نُشر في 9 سبتمبر إن احتمال انسحاب آيسلندا وارد إذا شاركت إسرائيل.
– أيرلندا: في 11 سبتمبر أصدر المذيع الوطني RTE بياناً أعلن أنه لن يشارك في 2026 إذا شاركت إسرائيل، وبيّن أن “مشاركة أيرلندا ستكون أمراً لا يمكن قبوله بالنظر إلى الخسائر البشرية المروعة والمستمرة في غزة”.
– هولندا: في 12 سبتمبر أعلنت الهيئة الهولندية AVROTROS، إحدى الجهات العامة المموِّلة والمنظمة ليوروفيجن، أنها لن تشارك في فيينا إذا شاركت إسرائيل، مشيرة إلى “المعاناة الإنسانية الشديدة والمستمرة في غزة” ومبدية قلقها من “تآكل حرية الصحافة، واستبعاد التغطية الدولية المستقلة والضحايا العديدين من بين الصحفيين”.
– سلوفينيا: في 12 سبتمبر كذلك أعلنت RTV Slovenia أنها لن تشارك إذا شاركت إسرائيل.
– إسبانيا: صوت مجلس إدارة الهيئة الإسبانية RTVE هذا الأسبوع على الانسحاب إذا شاركت إسرائيل؛ وتُعد إسبانيا أول دولة من بين “الخمس الكبار” التي تصدر مثل هذا القرار. الخمس الكبار (بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، وفرنسا) تتأهل تلقائياً إلى الجولة النهائية بغض النظر عن نتائجها في التصفيات. جاء القرار بعد تصريح لوزير الثقافة الإسباني إرنست أورتاسون بأنه ستُتخذ “إجراءات” إذا لم تُطرد إسرائيل من المسابقة، وأن إسبانيا قدمت طلباً رسمياً لاستبعادها.
كيف ردّ يوروفيجن؟
تتبنّى يوروفيجن موقف الحياد السياسي عادةً. قال مارتن غرين، مدير المسابقة، في بيان إن المنظمة “تجري مشاورات مستمرة” مع شركائها بشأن كيفية التعامل مع مسألة المشاركة والتوترات الجيوسياسية المحيطة بمسابقة الأغنية. وأضاف غرين: “نحن نفهم المخاوف والآراء العميقة المتعلقة بالنزاع الجاري في الشرق الأوسط”، مشيراً إلى أن الاتحاد يسعى لتحقيق توازن بين قواعده التي تحظر المضامين السياسية وضغوط الدول الأعضاء ومخاوف السلامة والحقوق الإعلامية — وهو قرار معقد يتطلب مزيداً من التشاور قبل الإعلان عن موقف نهائي. قرار المشاركة يظل لكل عضو على حدة، وسنحترم أي خيار يتخذه المطالعون أو الجهات الناقلة.
هل سيقسّم هذا يوروفجن؟
يرى الخبراء أنه من الصعب الجزم بأن المقاطعة ستؤدي إلى انقسام في يوروفجن، لكن من المحتمل أن تُبقي مستوى الوعي بالحرب في غزة مرتفعاً، إذ تُبثّ المسابقة عبر شاشات أوروبا وخارجها وتستحوذ على مساحة إعلامية واسعة.
كريستينا أوبرغ، أستاذة بقسم التسويق ودراسات السياحة في جامعة لينيوس بالسويد، قالت لـ”الجزيرة” إن الهدف الأصلي ليوروفيجن كان تعزيز التعاون والسلام في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي مقال نشرته في يونيو 2025 عن تسييس المسابقة، أشارت أوبرغ إلى أن يوروفيجن نجح لعقود في الحفاظ على “رؤيته الأوروبية الشاملة” رغم الخلافات الإقليمية المتواصلة، إلى أن حدث التحول الحقيقي الأول تمثل في قرار اتحاد البث الأوروبي (EBU) بمنع روسيا بعد غزو أوكرانيا عام 2022.
قال الاتحاد آنذاك: «مسابقة الأغنية الأوروبية حدث ثقافي غير سياسي. ومع ذلك، يشعر الاتحاد بالقلق إزاء الأحداث الجارية في أوكرانيا وسيتابع الوضع عن كثب.»
ترى أوبرغ أن هذا القرار وضع الـEBU في موقع لاعب سياسي، وأضافت: «بناءً على حرب غزة، تظهر تساؤلات لماذا لا يتصرّف الاتحاد بالمثل. لا أريد أن أحكم ما هو صواب وما هو خطأ هنا، لكن ثمة قضايا تتعلّق بعدم التناسق.»
وتوقّعت أن يمارس ضغط الأقران تأثيره على دول أخرى لإصدار بيانات مماثلة لتلك التي صدرت عن إسبانيا ودول أوروبية أخرى مؤخراً.
وأوضحت أنها لا تعتبر ما يحدث انقساماً بالمعنى الحاد، بل قرارات تتخذها الدول على مستوى وطني أكثر منها انقساماً بين معسكرات مؤيدة ومعارضة.
كما لفتت إلى أن إعلانات الانسحاب من المسابقة تبقى في معظمها رمزية، لكنها تسلّط الضوء على القضية: «لا ينبغي التقليل من أهمية المساحة الإعلامية التي تحتلها يوروفيجن — ومن ثم فالمقاطعات تجلب الانتباه وتسائل الجمهور الأوسع.»