ليلة هارييت توبمان: حين صنعت التاريخ

تحت ضوء قمر مكتمل، فجر يوم ثلاثاء قبل 162 عاماً، استعدت هاريت توبمن، وهي تتصبّب عرقاً من رطوبة أواخر الربيع في كارولاينا الجنوبية، لقيادة عمليّة عسكريّة ضد الكونفدرالية. بأمر من العقيد الاتحادي جيمس مونتغومري، قادت مجموعة من الجواسيس والكشّافة والمرشدين البحريين، إلى جانب فوج متطوع من 300 جندي أسود وبطارية مدفعية من رود آيلاند، صعوداً على مجرى نهر كومبيه الأدنى، مستفيدة من معرفتها الدقيقة بالنجوم والنباتات الطبية والبر والأنهار. ستصبح بذلك أوّل امرأة في التاريخ الأميركي تقود عملية عسكرية كبرى، وزعيمة أوسع وأنجح تمرّد نفّذه عبيد محرومون في تاريخ الولايات المتحدة.

المعرض «تصوير الحرّية: هاريت توبمن وغارة نهر كومبيه» في متحف جيبز للفنون يقدم حكاية هذه المناضلة من دون تفخيم أسطوري مبالغ فيه. نظّمته القيّمة الضيفة فانيسا ثاكسون-وارد والمؤرخة الحائزة على جائزة بوليتزر إيدا فيلدز-بلاك ليرافق الكتاب الصادر حديثاً COMBEE: Harriet Tubman, the Combahee River Raid, and Black Freedom during the Civil War (2024). يُوسّع هذا العرض السرد الكامل الأوّل لخدمة توبمن في الحرب الأهلية وغارة نهر كومبيه، ويعيد سرد حياة العائلات المستعبدة ونضالها من أجل الحرية بالاستناد إلى أكثر من 175 ملف معاشات مُقدَّم من جنود فوج فرسان كارولاينا الجنوبية الثاني، إضافةً إلى مقابلات وتقارير إخبارية وغيرها من المواد التاريخية.

يتواصل المعرض مع ذلك النص عبر قطع تاريخية وفنية، من بينها إفادة توبمن للمطالبة بالمعاش وصور ستيريوسكوبية مبكرة لأشخاص أحرار ومستعبدين — تذكير مؤلم بأن أدوات التصوير السينمائي المبكرة والأُسس الاقتصادية للعبارة الأميركية متشابكة. تتجادل هذه القطع مع صور ومقاطع فيديو لالتقطها المصوّر البيئي ج. هنري فير عن تضاريس «لوكانتري» في كارولاينا الجنوبية، صورٌ تخطيطية تُعلَّق إلى جانب لوحات ومخدّات وتركيبات لفنانين مثل جاكوب لورنس وفيث رينغغولد وويليام هـ. جونسون وستيفن تاونز وكيفن بولين وآرون دوغلاس.

يقرأ  السياسة الاستشرافيةفي أعمال نانسي بوكانان

عند مدخل القاعة، يستقبلنا بورتريه فيث رينغغولد لـهاريت: «القدوم إلى طريق جونز تانكا #1، هاريت توبمن» (2010). العمل، الذي أنجزته رينغغولد بمساعدة والدتها المصمّمة ويلي بوزي جونز على طريقة الثانكا التبتية، يشتغل كدليل روحي وأداة تأمل. تبدو توبمن جالسةً وسط خضرة وارفّة فوق ساتان أحمر عميق. يحمل العمل اقتباساً لتوبمن: «لو لم أحصل على شيء فليكن إما الحرية أو الموت؛ إن لم تتح لي إحداهما فسآخذ الأخرى؛ فلا ينبغي لأحد أن يأخذني حية.»

يصور عمل ستيفن تاونز «وسأضربك» (2018) توبمن شابة تستريح بعد هجوم الظالمين. يستخدم تاونز تاريخيات مادّة مماثلة لتلك التي وظّفتها رينغغولد ليحكي سيرة المناضلة؛ هذه المرّة من خلال قطعة نسيج مخيط، نراها على ضفة نهر، وعلى يسارها طائر رافعة — مؤشر لبيئة رطبة صحية ورمز للشجاعة والروحانيّة وطول الأمد والحدس في ثقافات أفريقية متعددة — جالساً بين الأشجار، ربما ليدلّ على توبمن كمحاربة تقودها حياة روحيّة صارمة في سعيها لتحرير المستعبدين. مقابل ذلك، يقطع شعاع ضوء عين التمساح الحمراء المرصّعة بالخرز، تذكير بأن العنف البيئي والبشري يتعايش مع التدّين في تصورٍ يجمع بين عنصرين كبيرين في حياة توبمن.

يعرّفنا الجناح الثاني على معاصريين لنا من خلال بورتريهات للمصوّر ج. هنري فير، الذي انطلق أسلافه من الحريّة خلال الغارة، پروژه يربط ذاك الصباح الباكر عام 1863 بالحاضر. من بين المصوّرين المصوّرين هنا آثر ويليامز، التي هربت جدته الكبرى، ريبيكا سيمونز، في تلك الليلة. تُقرَن البورتريهات بمقابلات يمكن الاستماع إليها عبر سماعات ورموز QR، وتعلّق عموديةً بجانب صور فير التي توثّق الأرض أو الأدوات بتفاصيل مقربة. صورة لأشجار السرو الناهضة من المستنقع، على سبيل المثال، تقرنها لوحة نصية تذكّرنا بأن حقول الأرز في كارولاينا كانت في يومٍ من الأيام مستنقعات سرو خطيرة جُهِّدت بأيدي العبيد.

يقرأ  كروفورد يسعى لصنع التاريخ في مواجهة على اللقب أمام ألفاريزأخبار الملاكمة

في نهاية المعرض، تستقبلنا ثلاث أعمال: «هل تستطيع تكسير هاريت؟» (2024) لكيفن بولين، «طلوع القمر فوق نهر كومبيه» (2022) لج. هنري فير، و«هاريت توبمن» (1931) لآرون دوغلاس على الجدار الخلفي للقاعة. تشكّل هذه الأعمال حفلاً لونياً؛ أخضرٌ وأصفر ووردي ولايلك في لوحة بولين تقابلها النيليّة العميقة في لقطة فير «طلوع القمر»، وتُكملها خُضْر فثالويّة وفيريديان في لوحة دوغلاس. تتكوّن لوحة بولين من علامات انطباعية وتعبيرية ونشيطة تشكّل تمثيلاً لتوبمن كشخصية على ورقة عشرين دولاراً أميركياً، تذكيرٌ بالمكانة التي لم تُمنح لها في حياتها. فير، بالمقابل، يوثّق نهر كومبيه في لحظة الكآبة بين ذهاب النهار واستيقاظ الكائنات الليلية، بينما استخدم دوغلاس لوحته ذات النغمات الترابية الناعمة والرماديّة الفضية لعرض توبمن تحت ضوء كاشف تكسر فيه قيود العبودية بين أشكالٍ كثيرة في منظرٍ غابوي معتم.

أبرز ما في هذا المعرض هو مدى قربه من محاولة تصور الغارة في حوارٍ مباشر مع نص فيلدز-بلاك. يقدم كتاب COMBEE بيانات عن الناس والأماكن والاقتصاد والسياسة في عام 1863 بتفصيل مؤلم لكنه أبداً ليس مملّاً — مُصوراً بشراً بكامل إنسانيتهم حتى نشعر بالدهشة والرهبة. ويتبع المعرض هذا النهج التصميمي. أن يُعرض في تشارلستون — وبالتحديد في متحف جيبز، الذي تأسّس عام 1888 بعد أن دمرته الحرب الأهلية — يزيده حزناً ووضوحاً. في وقت تُمحى فيه حقيقة أن اقتصاد أمتنا بنى واستمرّ على عمل العبيد، وفي وقت تستجيب فيه متاحف عبر البلد للضغوط السياسية، يبدو من الثوري والكاشف الاحتفال بتلك المرأة السوداء التي حرّرت قرابة 800 إنسانٍ في ليلة واحدة.

تجعل هذه الأعمال، كما العرض بأسره، الشخصية التاريخية بشريةً قابلة للتأمل. ماذا كانت ستفكر توبمن في نفسها على ورقة نقد أميركية، كما يقترح عمل بولين، بعد سنوات من النضال للحصول على معاشٍ لم تتقاضَهْه؟ ماذا دار في ذهنها في تلك الليلة المصيرية من 31 مايو 1863، حين كانت تقترب مع رجالها من المستنقعات وتعدّ الكتيبة للدخول؟ هل كانت تدرك أنها تصنع التاريخ، أم أنها كانت منشغلة بحروق الشمس على كتفيها، أو بالبثور على كعبيها، أو بألم في ظهرها؟ أملي أن يكون لديها صديق يلفّ لها قدميها المتعبتين، ولحظات قليلة لتسبح وتضحك في ضوء القمر.

يقرأ  تجار يعيشون كجامعين — السياحة في مصر والمزيد: روابط الصباح

أضف تعليق