يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة في أنكوراج بولاية ألاسكا سعياً لإيجاد أرضية مشتركة قد تمهّد لاتفاق وقف إطلاق نار دائم في حرب روسيا المستمرة على أوكرانيا منذ ثلاث سنوات.
المشهد العام
هذا اللقاء المرتقب هو أحدث محاولات ترامب العديدة — والتي لم تُكلّل بالنجاح حتى الآن — لإنهاء الحرب والوفاء بالوعود التي طرحها في حملته الانتخابية العام الماضي حين ادّعى أنه سيُنهي الصراع في غضون 24 ساعة لو فاز. كما يمثل الزيارة الأولى لبوتين إلى الولايات المتحدة منذ نحو عقد، والأولى على الإطلاق لزعيم روسي لألاسكا. رغم محاولات ترامب خفض سقف التوقعات، حذّر يوم الخميس من أن روسيا قد تواجه “عواقب وخيمة” إذا لم يوافق بوتين على وقف إطلاق النار.
متى وأين؟
يلتقي الزعيمان في القاعدة المشتركة للجيش الأمريكي “إلمندور-ريتشاردسون” في أنكوراج. الموعد المقرر تقنياً نحو الساعة 11:30 صباحاً بتوقيت ألاسكا (19:30 بتوقيت غرينتش)، مع احتمال تغيّر التوقيت. يرافق الوفد الروسي وزير الخارجية سيرغي لافروف، ووزير الدفاع أندريه بيلوسوف، ووزير المالية أنطون سيلوآنوف، والمستشار الرئاسي يوري أوشاكوف، والمبعوث الرئاسي الخاص للاستثمارات والتعاون الاقتصادي كيريل دميترييف. لم يُكشف بعد عن تشكيلة الوفد الأمريكي المرافقة.
هل سيحضر زيلينسكي أو قادة أوروبيون؟
لا، رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي والقادة الأوروبيون لن يحضروا إلى طاولة القمة في ألاسكا. وخلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض في 11 أغسطس، لام ترامب زيلينسكي قائلاً إن الأخير حكم لثلاث سنوات ولم يحدث تقدم في إنهاء الحرب. محلّل بمؤسسة RUSI قال إن أوروبا أصبحت إلى حد كبير طرفاً مُراقباً في مسألة قد تحدد مصيرها لأنها تفتقر إلى أوراق ضغط: “القادة الأوروبيون تراجعت مكانتهم إلى هامش العملية، والإدارة الأوروبية تُعتبر إلى حدّ كبير غير ذات صلة لدى ترامب وبوتين”، بحسبه.
في خطوة تمهيدية، عقد ترامب نائباً مع نائب الرئيس الأمريكي جيه. دي. فانس اجتماعاً افتراضياً مع زيلينسكي وقادة أوروبيين ساعياً لأن تميل المفاوضات لصالح أوكرانيا؛ شارك زيلينسكي من برلين، وحضر ممثلون من ألمانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا وفنلندا وبولندا، كما كانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس وزراء هولندا مارك روتِه حاضرين.
أهمية ألاسكا كمكان للاجتماع
تقع ألاسكا أقرب نقطة بين الولايات المتحدة وروسيا؛ فهي أقرب إلى روسيا من كونها جزءاً من القارة الأمريكية نفسها، وتجاور منطقة تشوكوتكا الروسية. سكنتها شعوبٌ أصلية قبل أن تستعمرها الإمبراطورية الروسية في القرن الثامن عشر، ثم بيعت لأمريكا عام 1867 مقابل 7.2 ملايين دولار (ما يعادل نحو 162 مليون دولار بقيم اليوم). ما يزال الأثر الروسي واضحاً في الكنائس الأرثوذكسية وبعض الأسماء العائلية في الولاية.
قاعدة إلمندور-ريتشاردسون التي ستستضيف اللقاء لها تاريخ عسكري طويل: أُنشئت كقاعدة للقوات الجوية في 1940 خلال الحرب العالمية الثانية وتوسّعت أهميتها في زمن الحرب الباردة عندما خشي الأميركيون هجمات سوفييتية محتمَلة على ألاسكا؛ ولا تزال بعض أسراب الطائرات المتمركزة هناك جاهزة لاعتراض أي طائرات روسية تحاول اختراق الأجواء الأمريكية.
جدول الأعمال
سرّ اللقاء أن يبحث الزعيمان شروط وقف إطلاق النار الممكنة، بما في ذلك شكل أي تنازلات إقليمية قد تُطلب من الطرفين. تسيطر القوات الروسية حالياً على نحو 19% من الأراضي الأوكرانية، تشمل القرم ولوهانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون، إضافة إلى أجزاء صغيرة من خاركيف وسومي وميكولايف ودنيبروبتروفسك. تجدر الإشارة إلى أن كييف سيطرت لأجزاء من عام 2024 على أجزاء من منطقة كورسك الروسية لكنها خسرت معظم تلك المكاسب لاحقاً.
ما الذي قد يتفاوض بشأنه ترامب وبوتين من تبادلات أراضٍ؟
في مؤتمر صحافي يوم الاثنين اقترح ترامب إمكانية تبادل أراضٍ بين روسيا وأوكرانيا كطريق إلى اتفاق، لكنه تراجع جزئياً عن هذا الطرح لاحقاً بعد ردود فعل أوروبية متباينة، مع وعوده بالعمل على استعادة أجزاء من الأراضي الأوكرانية. يتوقع محلّلون أن يضغط بوتين من جانبه لجعل أوكرانيا تتراجع عن أجزاء من دونيتسك التي لا تزال القوات الأوكرانية تسيطر عليها، ما يمنح روسيا سيطرة كاملة على منطقة الدونباس (دونيتسك ولوهانسك) إضافة إلى القرم وأجزاء من الجنوب الأوكراني. كما سيطالب روسيا بتسليم الجزء الصغير من كورسك الروسي الذي احتلته قوات كييف. بالمقابل قد تقبل موسكو التنازل عن مناطق ضئيلة في مقاطعتي سومي وخاركيف.
خلفية موجزة
احتلت روسيا وضمّت شبه جزيرة القرم في مارس 2014. وفي أبريل من العام نفسه استولت ميليشيات موالية لروسيا على أجزاء من منطقة الدونباس، ما أشعل نزاعاً مستمراً مع القوات الأوكرانية التي قاومت تلك السياسات. تمت السيطرة على مساحات واسعة من المنطقة لاحقاً على يد قوات روسية غازية عقب غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022.
ما هي توقعات ترامب للقمة؟
الرئيس ترامب قال الاثنين إنه يتوقع أن تكون المحادثة مع بوتين «ذات طابع إحساسي» تتيح له استيعاب ما يريده الزعيم الروسي. وأشار إلى أن لقاءً ثانياً قد يَنبثق سريعاً عن هذا الحوار ويشمل زيلينسكي وبوتين، مع احتمال أن يستضيفه هو نفسه. لكن نبرة ترامب تشدّدت يوم الأربعاء، حين حذّر من أن اختتام اجتماع الجمعة من دون موافقة روسيا على سلام في أوكرانيا سيترتب عليه «عواقب شديدة جداً».
ترامب لم يحدد إجراءات أمريكية بعينها؛ سبق أن هدد بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا «خلال 50 يوماً» إذا لم تُنهِ موسكو الحرب. مع حلول مهلة الثامن من أغسطس لم تُسجَّل خطوات أمريكية كبيرة قبل الإعلان عن موعد اجتماع الآلاسكا.
الضغوط والعقوبات الغربية على روسيا باقية وقوية حالياً، بما في ذلك حظر على بنوكها وقيود على نفطها الخام. في أواخر يوليو فرضت واشنطن رسوماً على واردات الهند من النفط الروسي، هذا الأسبوع حذّر مسؤولون أمريكيون من احتمال فرض عقوبات ثانوية على نيودلهي إذا فشلت محادثات الجمعة.
ماذا طلبت روسيا من اللقاء؟
قدمت موسكو مقترحاً إلى الولايات المتحدة في السادس من أغسطس، وفق تقارير وول ستريت جورنال، تضمن مطالبها التي لم تختلف جوهرياً عن أهدافها المعلنة في يونيو 2024. روسيا تقول إنها ستوقف الحرب إذا:
– تخلّت كييف عن طموحها الانضمامي إلى الناتو وخضعت لتفكيك عسكري كبير.
– تراجعت كييف وتنازلت عن كامل منطقة دونباس مقابل توقف روسيا عن التقدم في منطقتي خيرسون وزابوروجيه، وإعادة أجزاء محدودة محتلة من سومي وخاركيف.
– خففت العقوبات الغربية كجزء من صفقة سلام.
كما ألمح مسؤولون روس إلى أن أي تحرُّك نحو السلام ينبغي أن يشكّل منصة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، وفد بوتين إلى القمة في الولايات المتحدة اقترح أن تتضمّن العروض الروسية حوافز اقتصادية، بما في ذلك وعود بالاستثمار في السوق الأمريكية لصالح ترامب.
جنود أوكرانيون متطوعون يتلقون تدريباً عسكرياً في موقع غير معلن بمنطقة زابوروجيه، جنوب شرق أوكرانيا، 11 أغسطس 2025، في خضم الغزو الروسي.
ما الذي تسعى إليه أوكرانيا وأوروبا من المحادثات؟
زيلينسكي كرّر مراراً أن أوكرانيا لن تتنازل عن أراضيها. وأكد ذلك مجدداً في 9 أغسطس رداً على مقترح بوتين لترامب: لن «نهدي الأرض للمحتل» وأن ذلك مستحيل بموجب القانون الأوكراني.
أوروبا تُتابع بقلق ما قد يوافق عليه ترامب. بعد الاتصال الثلاثي بين ترامب وزيلينسكي وقادة أوروبيين يوم الأربعاء، حدد المستشار الألماني فريدريك ميرز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس وزراء المملكة المتحدة كير ستارمر مطالب التحالف الأوروبي:
– ألا توافق الولايات المتحدة على أي ترتيبات إقليمية من دون مشاركة أوكرانيا.
– أن تتضمن أي صفقة سلام ضمانات أمنية موثوقة، أي ضمان عدم غزو من قبل روسيا.
زيلينسكي كرّر هذه المطالب وأضاف أن أوكرانيا يجب أن يبقى في إمكانها الانضمام إلى الناتو إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق نار، وأن تُشدد العقوبات إذا أخفقت روسيا في الاتفاق يوم الجمعة.
ما هي النتائج المحتملة؟
يرى بعض المحللين احتمال بروز ملامح لصفقة سلام من القمة، لكن السؤال الجوهري هو ما إذا كانت كييف ستقبل أي اتفاق يُبرم بين الزعيمين في الآلاسكا إذا كانت بنوده غير مقبولة وطنياً.
آخرون، مثل ميلفن من معهد RUSI، يعتبرون أن الهدف الروسي هو في الأساس كسب الوقت وتعطيل قدرة الولايات المتحدة على تنفيذ تهديداتها بالعقوبات، بينما تواصل موسكو تحقيق مكاسب عسكرية في أوكرانيا. بكلمات ميلفن: «بوتين يعتقد أنه قادر على الانتصار ويسعى إلى إبطاء الولايات المتحدة وأي ضغوط إضافية قد تُفرض عليها». والنتيجة الأرجح وفق رأيه أن نسمع عن خطوات وتصريحات تقدمية، بينما تستمر الحرب فعلياً.