مدن شرق ألمانيا الفارغة تسعى لجذب السكان عبر «السكن التجريبي»

بلدات تخلّت عنها السكّان في شرق ألمانيا السابق الحديق بالأحزاب الشيوعية طوّرت خطة مبتكرة لإعادة الحياة إليها: تقديم سكن رخيص للغاية لمدد قصيرة كي تتسنّى للوافدين المحتملين تذوّق العيش في المكان.

تهدف مبادره «السكن التجريبي» إلى إنعاش مجتمعات شبه مهجورة، فيما تقترب ألمانيا من احتفالها بالذكرى الخامسة والثلاثين لإعادة التوحيد في الثالث من أكتوبر.

إحدى المشاركات في التجربة هي ويسلاوا غويلر (50 عاماً)، معلمة روضة وابنة تبلغ عامين تتعرّف الآن إلى بلدة غوبن الصغيرة على الحدود مع بولندا. قادمة من مدينة ماينتس الغربية الأكبر، اعترفت أنها شعرت في البداية بغرابة الشوارع الهادئة: «منذ قدومي، أشعر أنني لا أرى أحداً أبداً».

لكنّها أضافت مبتسمة أن المكان «أخضر وهادئ»، ولاحظت بفخر مزايا البلدة الهادئة، ومن بينها رعاية مجانية لطفلتها الرضيعة. جلست في مقها خارجي وأخبرت وكالة فرانس برس: «أستطيع أن أعمل هنا بسهولة كمعلمة».

غويلر كانت من بين 16 شخصاً قدموا الصيف الماضي لاكتشاف البلدة وخدماتها ضمن مبادرة تشترك في إدارةها السلطات المحلية ووكالة سياحية وشركات عقارية. دفع المشاركون نحو 100 يورو في الأسبوع للإيجار لمدة أقصاها أربعة أسابيع، على أمل الانتقال والاستقرار لاحقاً.

فيما أصبح العثور على شقة بسعر معقول في برلين أمراً بالغ الصعوبة، يمكن استئجار كثير من المساكن في غوبن بمعدلات تتراوح بين خمسة إلى سبعة يورو للمتر المربّع.

وقالت غويلر مستعملة صورة متداولة: «الأشجار القديمة مثلِي يصعب اقتلاعها»، وأضافت: «لكن قد أقرر الانتقال إلى هنا».

مثل كثير من مناطق الشرق، مرّت غوبن بسنوات عصيبة عقب سقوط جدار برلين عام 1989؛ إذ أدت انهيارات النظام المدعوم من موسكو وإغلاق مؤسسات اقتصادية بالية إلى موجات بطالة، وهجرة سكان، وتشظٍّ اجتماعي. آثار تلك الحقبة العنيفة والفجوة المستمرة في الثروة بين الشرق والغرب تُعدّ من العوامل التي فسرت صعود حزب «البديل من أجل ألمانيا» (AfD) في الشرق.

يقرأ  هل ترغب في أن يركض الطلاب ميلاً؟الرئيس ترامب يعيد إحياء اختبار اللياقة الرئاسي

وبينما تنمو مدن كدريسدن ولايبزيغ، تستمر بلدات شرق ألمانيا الصغيرة في فقدان شبابها وكثير من النساء، كما يقول تيم ليبرِرت، باحث في معهد لايبنيتز للجغرافيا، محذّراً من أن هذا الاتجاه قد يتحوّل إلى «قنبلة للاقتصاد الألماني». وتوقّع معهد الإحصاء «ديستاتيس» أن يفقد شرق ألمانيا بين ثمانية وستة عشر في المئة من سكانه خلال عشرين عاماً قادمة.

انخفض عدد سكان غوبن أيضاً من نحو 31 ألف نسمة عام 1990 إلى حوالي 16 ألفاً اليوم. وشعار البلدة «مدينة يبقى فيها الناس» يتنافَض بحدة مع الشوارع الفارغة واللوحات الإعلانية الشاغرة.

بعض القادمين يفضلون الهدوء: من بينهم أنيا فرانزه (38 عاماً)، موظفة اجتماعية سابقة تخلّت عن «مشهد الحفلات في برلين» وانتقلت العام الماضي لتستقر هناك. تعمل اليوم في مبادرة السكن التجريبي وتعمل على إقناع آخرين بالقدوم إلى بلدتها الجديدة. بالنسبة إليها، كان من الضروري اختبار الحياة في غوبن لأسابيع قبل اتخاذ قرار نهائي: «ألا تضطر إلى الحسم على الفور فكرة حديثة جداً، تشبه إلى حدّ ما حقّ الإرجاع خلال ثلاثين يوماً».

كريستين جايليش (61 عاماً)، مديرة مشروع إعادة التجمع السكّاني في غوبن، تتذكّر صدمة تسعينيات القرن الماضي حين انهار اقتصاد شرق ألمانيا. ولفتت إلى أن الوضع تحسّن منذ ذلك الحين مع إعادة فتح بعض المصانع وظهور وظائف في قطاعات أخرى مثل الرعاية الصحية. غير أن الأحكام المسبقة ما زالت تصعب المهمّة؛ «من الصعب أن تجعل الناس يفهمون أنه يمكن العثور اليوم على وظيفة جيدة هنا»، كما تقول.

على بُعد ثلاثين كيلومتراً شمال غوبن، أطلقت بلدة إيزنهوتينشتات برنامَجاً مشابهاً هذا العام لمحاولة تلافي ما يسميه العمدة فرانك بالزر «مأساة التسعينيات». بُنيت هذه البلدة من الأساس في خمسينيات القرن الماضي كمركز لصناعة الصلب في ألمانيا الشرقية الشيوعية، وكانت تُعرف آنذاك باسم ستالينشتات. فقدت البلدة نصف سكانها منذ إعادة التوحيد، والمداخن التاريخية لعمليات الصهر التي استحوذت عليها شركة أرسيلور ميتال تعمل اليوم بربع طاقتها عما كانت عليه من قبل.

يقرأ  ألمانيا في الصدارة بتوسيع قدرات طاقة الرياح الجديدة بينما بقية أوروبا متأخرة عن الجدول الزمني

من بين من يفكّرون في الانتقال إلى إيزنهوتينشتات مستشارة تكنولوجيا معلومات اسمها ميلاني هيننغر، قادمة من الشرق لكنها تعيش حالياً في بريمن بغرب ألمانيا. خلال زيارة أخيرة قالت إنها «ترغب في الإسهام في المجتمع هنا، مثلاً بتدريب كبار السن على التكنولوجيا الرقمية»، وأكدت أنها تحاول ألا تتحلّى بأحكام مسبقة حيال قوة اليمين المتطرف في المنطقة، وأنها تريد أن تمنح هذا المكان فرصة.

أضف تعليق