استكشاف إرث السيدة الكبرى في سينما الفاشية

امرأة تتجوّل على منحدر جبلي وتغمر وجهها بمائه من جدول لا يُرى. شعرها يتقطر نحو موشور بلوري تتوهّج به يدها الثابتة؛ الضباب يملأ الفضاء حولها، وظلّها محاط بهالة من النور.

في مشهد من فيلم صدر عام 1932 بعنوان “الضوء الأزرق”، تبرز بطلة جريئة من قلب جبال الألب. حسب ملخّص أحد قواعد البيانات السينمائية، «بما أن المرأة هي الوحيدة القادرة على صعود جبل خطير، اعتبرها القرويون ساحرة». من منظور اليوم يحفل المقطع بنبرة نسوية تذكّر بإعلانات التجهيزات الخارجية، وقد يثير شعوراً بالخشوع بينما تتسلق — حرفياً — مأثرةً بجلال المنظر. ومن الصعب التصديق أن هذه المرأة — التي أخرجت الفيلم أيضاً — ستصبح لاحقاً السيدة الكبرى في سينما حركة سياسية أجرمت بحقّ الإنسانية.

هل كان باستطاعتك أن تتوقعي ذلك؟ يسأل الوثائقي الجديد صراحةً.

فيلم أندريس فييل يقدم حجة هادئة لكنها مقلقة حول القدرة الخبيثة للصورة المتحركة: قوة الإغراء التي تحملها الصورة يمكن تسخيرها بسهولة لأهداف سياسية شائنة. وأن تأتي الدعاية باسم ليني ريفنشتال، امرأة وظفت موهبتها الفريدة ليس فقط لتمجيد بل ولابتكار الشكل البصري للنظام النازي، يبرُز لنا كم هو ساذج أن نربط طموح المرأة أو إنجازها الفني تلقائياً بمسار تقدمي.

من خلال استخراج أرشيفات تُهدى مؤخراً إلى متحف التصوير في برلين، يضع فييل مادّة الفيلم بصرياً في المقدمة، ليكشف عن الطابع المادي للسينما والطبيعة الملتبسة بين فن ليني وإيديولوجيتها. شريط سيلولويد يدور أمامنا، يتوقف لعرض ثلاث شخصيات في حقل ريفي — مشهد بديع حتى يدرك المرء انعكاس صورة ثلاثي من ضباط الـSS. يقطع الوثائقي إلى لقطات أيقونية لمسيرة نورنبرغ عام 1934: جماهير ألمانية تحتشد بحماسة غاضبة لتحيّة زعيمها، أجساد متلاصقة حتى يندمج الواحد بالآخر. تروي ليني بعد خمسين عاماً كيف اجتاحها شعور غريب، «جسدي كله… ارتجف. وكأنني امسكت بقوة مغناطيسية».

يقرأ  بلدة في كولورادو تتوصل إلى تسويةمع فنان من السكان الأصليين رفع دعوى بشأن حرية التعبير

إذا ما فتنت ليني بحضور هتلر، فقد عملت بأفلامها على استحضار تلك الأسطورة لدى مواطنيها. حين تشرح شغفها بمونتاج مشهد من «انتصار الإرادة» تشرح بحماس كيف أن الكاميرا تبتعد عن جانب ثم تعود، وتلفت إلى أن هذين المشهدين معاً يشكلان دائرة وابتعاثها قوي — تعليق تُصاحب حركات يدها المرتعشة على إيقاع موسيقى هربرت ونت. هنا يظهر أيضاً محررها الرئيسي، ستيفان كرومبيغل، الذي يدرك أثر التراكيب البصرية الماكرة في فضح هوس ليني بالسلطة وهوس شعب بكامله.

بعد تتابع لقطات مسيرة نورنبرغ المزعجة، يتوقف الفيلم عند لقطة مقربة لفتاة تتطلّع من خلف صف من الجنود؛ شعرها القصير يؤطر ابتسامة مشاغبة، وتجزئة شعرها توازي وجود الصليب المعقوف خلفها. تبدو الفتاة، مثل ليني، في ثوب «قوة الفتاة»؛ طموح أنثوي يبدو متعارضاً مع الذكورية الفاشية — وفي سياقات أخرى كانت لتصبح مصدر إلهام لا مردود للاشمئزاز.

وهنا يكمن المقصد. لا يتنصّل فييل من سحر ليني المتمرد، لكنه يعرّي إرثها المرعب. سواء في علاقاتها العاطفية مع شريك يصغرها بأربعة عقود أو في مغامرتها مع شعب النوبا في السودان، لم تُبِلْ لينة بأعراف التأدّب الأنثوي السائدة. ولم تجد حرجاً في بناء مسيرتها على أكتاف نظام يمشي على وقع المسيرة العسكرية الدموية. «ما المسؤولية التي يتعيّن عليّ أن أتحمّلها؟» ترد على صحفي بعد عقود بصراحة متعجرفة: «آنذاك كان 90% من الناس مسحورين بهتلر. هل كنتم تتوقعون مني أن أكون مقاتلة مقاومة؟»

بعكس أعمال سينمائية تصوّر النازيين كوحوش لا بشر، يختار هذا الوثائقي أن يُبقي ليني وبشريتها في المقدمة، ليفترض أن قوتنا نحن أيضاً في التعرض لإغراءات اللا-إنسانية. فالوحوش لا تبدو دائماً وحوشاً؛ قد تكون فتيات بشعر قصير ونساء في الستين من عمرهنّ بمشاعر جياشة.

يقرأ  أسعار الكاكاو تعود للانخفاض بعد الارتفاع الأخير إثر الطقس الجاف في غرب أفريقيا

«ما عكس السياسة؟» سألها صحفي ألماني في 1980، فأجابت ببساطة: «الفن». عاشت حتى بلغت مئة وواحد سنة، وإن ندمت يوماً فبالقليل من التصريحات؛ طوال حياتها التلفزيونية وفي مذكراتها وثقافيّاتها المتعددة لم تُبدِ توبة حقيقية، بل عرضت ذاتها كصانعة طموحة في عالم متحيز جنسياً لا تدرك إلا عظمة ألمانيا والقدرة الرياضية. وكلما تراكمت الأدلة على علمها واطلاعها على جرائم النظام، ازدادت إصراراً على براءتها التامة.

لا يتهم فييل اسم المستند إليه مباشرة بقتل ستة ملايين يهودي وملايين من الضحايا الآخرين؛ ليني ليست ساحرة حُرقت. بل يقترح احتمالاً أشد إزعاجاً: ليني مذنبة بقدر ما كانت أفلامها مذنبة. الجماليات والسياسة مرتبطتان ربطاً لا ينفصم؛ لا صورة بريئة حين تُستعمل بأيدي الدولة، ولا فنان بريء حين يمجّد نظاماً فاشياً.

أثناء مشاهدتنا ليني تقود طاقماً رجولياً في مواقع التصوير، يُشير الوثائقي إلى إمكانية اعتبارها رائدة في صناعة السينما وفي الوقت نفسه معارضة عملها كمساهمة في تجميل البربرية. بهذه المسافة المترددة يدعونا الفيلم لأن نعترف بالموهبة وأن نُدين الإجرام. تؤكد صوفي لويس في كتابها «النسويات المعادية» أن التقصّي في دور النسوية داخل منظومات الفاشية قد يمدّنا بفهم أعمق ليس للفاشية المعاصرة فحسب، بل ولذواتنا أيضاً؛ فنحن ورثةٌ لإرثٍ نسوي ليبرالي–ديمقراطي ساهمت في توريثه نساءٌ فاشيات بدرجات متفاوتة.

يُعرض حالياً فيلم «ريفنشتال» في مركز لينكولن (165 و144 شارع ويست 65، لينكولن سكوير، مناhten) وفي دور عرضٍ مختارة على امتداد البلاد، وسيصبح متاحاً على منصاتٍ مختارة للبث اعتباراً من شهر أكتوبر.

أضف تعليق