الأربعاء 17 سبتمبر، اعتُقل على الأقل أربعة ناشطين أمام مجمّع “بروكلين نيفي يارد” في مدينة نيويورك أثناء محاولتهم إقامة حاجز احتجاجي ضد شركتين يصفهنّ المحتجّون بأنّهما يجنّيان أرباحاً من العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
في داخل مجمّع المباني المملوكة للمدينة، حيث يعفى المستأجرون من ضرائب عقارية، تُدرَج شركة تصنيع الطائرات المسيرة للمراقبة Easy Aerial تحت تصنيف «فنون جميلة/تصوير»، بينما تُدرَج شركة تصنيع المنسوجات Crye Precision تحت تصنيف «أزياء/إكسسوارات». تُنسب إلى Easy Aerial صلات بالجيش الإسرائيلي وبوزارة الأمن الداخلي الأميركية، وتتهمها المجموعات الحقوقية بتصنيع طائرات مسيرة استُخدمت في سياقات عسكرية. وتنفِر Crye Precision من اتهامات التورّط بعقود مع القوات الإسرائيلية، رغم وجود إشارة في وثائق قضائية فدرالية إلى تبنّي تصميم تمويه على نحو مستخدم من قبل قوات مسلّحة في دولٍ من بينها إسرائيل والولايات المتحدة.
خلال اجتماع لمجلس إدارة مؤسسة التنمية غير الربحية المشرفة على المجمّع، اقترب عشرات المتظاهرين من باحة المبنى رقم 77 حاملين لافتات تُحمّل الشركتين مسؤولية «الإبادة» في غزة، وهو مصطلح استخدمتْه لجنة أممية في توصيفها للأحداث الأخيرة. قاد منظّمون مؤتمراً صحفياً بينما أشكالا من الحشد شكلت حاجزاً عند مدخل المبنى، وفي مشاهد وثّقها مراسلون أُغلقت يد أربعة منهم بأشرطة بلاستيكية ونُقلوا إلى شاحنة تابعة لشرطة نيويورك، حيث وقفت مجموعات من المتظاهرين وجهاً لوجه مع عناصر الأمن.
نشر ناشطون لاحقاً فيديو يظهر تصدي عناصر الشرطة لمحتج آخر وزُعم أيضاً أنّ مصوراً صحفياً تعرّض لاعتداء شديد على أيدي شخص مرتبط بالمجمّع. من جهتها، أفادت شرطة نيويورك بأن عشرة أشخاص ربطوا أنفسهم بسياج، ونفت في الوقت ذاته إصدار لوائح اتهام حتى الآن ضد المشتبه به في حادث الاعتداء الذي زعمت الجهة المنظمة وقوعه؛ بينما قال متحدث باسم المجمّع إنّ الشخص المسؤول عن الحادث اعتُقل وتمّ سحب تصريحه بالدخول إلى الموقع.
توضّح إدارة المجمّع على موقعها الإلكتروني أنّها تُصنّف المستأجرين بشكلٍ عام تبعاً لطبيعة ما ينتجونه؛ وأنّ Easy Aerial تصنّف كشركة تُنتج «كاميرات محمولة على طائرات مسيّرة»، في حين تقدّم Crye ملابس متعدّدة الاستخدامات، بينها أردية جراحية. كما شدّد المتحدث أنّ عقود الإيجار هي اتفاقات قانونية ملزمة، وأنّ إجراءات الإخلاء تتم فقط عند خرق شروط العقد وبموجب أمر قضائي ساري المفعول، وأنّ شروط الإيجار ترتكز غالباً على الالتزامات المالية والامتثال للقوانين وصيانة المبنى ولا تنظّم بالضرورة نوعية أعمال الشركات أو اختيار زبائنهم.
انتقادات محلية شدّدت على تناقض تصنيف Easy Aerial كـ«فنون جميلة» مع نشاطها التقني والعسكري المزعوم. معشيا موراليس، ناشطة مجتمعية من حي فورت غرين بروكلين، اعتبرت أن تصنيف الشركة بهذا الشكل «إهانة لذكائنا»، وأشارت إلى أنّ وجود شركات من هذا النوع داخل المجمّع الذي يُفترض أن يوفّر فرصاً لطبقة العمال يتعارض مع رسالة المؤسسة، لا سيما أن المنطقة مؤهّلة كمنطقة فرصة استثمارية قد تؤمّن إعفاءات ضريبية على مكاسب رأس المال حتى عام 2026.
لمدة أسابيع تصدرت مجموعة «نزع عسكرة بروكلين نيفي يارد» الاحتجاجات المطالبة بإخلاء الشركتين؛ تنظم المجموعة تظاهرات دورية على شارع فلاشينغ أثناء أوقات الذروة، مستخدمة أبواقاً ومكبرات صوت لمطالبة الإدارة باتخاذ إجراء.
تتهم المجموعات Easy Aerial بتصنيع طائرات مسيرة «قادرة على القتل» أو «إنذارية» استُخدمت بحسب مواد دعائية للشركة وفي فيديوهات ترويجية عام 2021، ليتفاخر ضابط من فرقة غزة الإسرائيلية باستخدام طائرة الشركة للتنسيق مع قناصة أرضيين. كذلك تعاونت Easy Aerial مع شركة Elbit Systems الإسرائيلية، وورد أنّ وزارة الأمن الداخلي الأميركية مولت مشاريع للشركة ضمن برامج تعاون مع إسرائيل، مع توقّعات بعقدٍ محتمل بين مصلحة حرس الحدود الأميركية والشركة بقيمة تُقدّر بمليون إلى مليوني دولار لمهام متعلقة «بمنع تهريب التهديدات».
تردّ Easy Aerial بأنها تقدّم منتجات دفاعية وأنّ المطالبين ضدّها على خطأ، لكنّ ناشطين يروْن أنّ مشاركتها في تمكين قدرات مراقبة أو قتالية للاحتلال لا يمكن تجاهلها.
من جانبها، تأسّست Crye Precision في عام 2000 على يد خرّيجي Cooper Union، ونفت الشركة عبر متحدث لها وجود عقود مع جهات تصنيع إسرائيلية أو مع الجيش الإسرائيلي، ووصفت ادعاءات الناشطين بأنّها «مضلّلة وخاطئة». مع ذلك تضمّنت مستندات قضائية إفادة تبيّن أن نمط التمويه المحمي بحقوقها استُخدم من قبل قوات مسلّحة في دول عدّة، وهو ما نفته الشركة وادّعت عدم درايتها عن سبب وجود العبارة في نصّ الملف.
شارك في المؤتمر الصحفي صباح اليوم السيناتور عن الولاية جاباري بريسبورت الذي يمثّل الدائرة الخامسة والعشرين حيث يقع المجمّع. قال إنه شعر بوجود «انفتاح» لدى إدارة المجمّع لمراجعة تصنيفات «الفنون الجميلة» و«الأزياء»، لكن هدفه النهائي هو إخلاء الشركات المتهمة بالتواطؤ في ما وصفه بإبادة جماعية. وقد أعرب عن اعتقاده بأنّ العمل المحلي يمكن أن يشكل قناة فعّالة للتعبير السياسي، خصوصاً في وقت يشعر فيه البعض بأنّ قادتهم على المستوى الوطني لا يستمعون لمخاوفهم بشأن الأزمة الإسرائيلية-الفلسطينية.
أبلغت إدارة المجمّع الناشطين عبر رسالة إلكترونية أنه لن يُسمح بالتعليق العام في اجتماع المجلس، وعند وصول المراسلين والمنظمين اليوم مُنع الصحفيون الحاصلون على تصاريح من دخول ساحة المبنى رقم 92 حيث عُقد اللقاء، مع ذِكر أن الساحة أُغلقت لأسباب أمنية. أمام البوابات رفع متظاهر طفلاً رضيعاً قائلاً إن هناك أطفالاً في غزة في نفس حجم رضيعهم يتعرّضون للقتل، وأنّ المسؤولين المحليين لا يحمِلون أنفسهم مسؤولية تجاه أطفال غزة ولا تجاه العائلات السوداء والبنية في نيويورك.
أفادت الشرطة أن عدد المتظاهرين وصل إلى نحو 70 شخصاً في موقع التظاهرة، بينما كرّرت Crye Precision نفي أي عقود مع الجيش الإسرائيلي أو مصنّعين إسرائيليين. المتظاهرون وقفوا أمام المبنى 77 حيث مقر Easy Aerial، وبعضهم رسموا رسائل بالطباشير على واجهة المبنى وجابت أبواق الاحتجاج الهواء متواصلة طوال المواجهات.
المشهد خلّف توقُّعات بتواصل الاحتجاجات والضغط على إدارة المجمّع لاتخاذ موقف واضح بشأن تواجد شركات تُتهم بالمساهمة في منظومات قوة تُستخدم في أذى مدنيين، فيما تستمرّ النقاشات القانونية والإدارية حول حدود صلاحيات المالك العام في فرض معايير أخلاقية على مستأجريه. محاضر القبض وإجراءات الإخلاء المحتملة رهينة للقرارات القضائية والإثباتات القانونية، بينما يواصل الناشطون الضغط الشعبي وعلى السطح السياسي المحلي لفرض المساءلة. متظاهرون مناهضون يوكدون أن الرسالة ستستمر حتى تتحقق مطالبهم. المحجّونن يعتزمون مواصلة الاعتصامات حتى تحرير الضمير المحلي من أي مشاركة مفترضة في العنف.