افتتاح بينالي غزة في نيويورك بروح التحدّي

افتتاح «جناح نيويورك» من بينالي غزة في ريسس بروكلين

الفيلم القصير الذي يقارب العشر دقائق بعنوان «البث المباشر» للمخرج الفلسطيني عماد بدوان يفتتح بصوت رجل يعلو فوق مشاهد للناس وهم يسيرون داخل مخيم للاجئين. يقول الراوي بصوت يبدو أنه يخاطب آخر، أو ربما المشاهد نفسه: «لم نكن نتخيّل أن كل الكاميرات ستصبح عديمة الفائدة. أن كلّ التصوير سيصبح بلا معنى إن لم تستطع إيصال الصورة. إن لم يرَ أحد صورتك.»

بين همهمة طائرة دون طيار تتصاعد تدريجياً وبين لقطات مقرّبة لحياة الخيام، يتضح أن الراوي واحد من مراسلين اثنين يحاولان العثور على إشارة بثّ موثوقة. مستوحى من تجربة بدوان كصحفي مصوّر في وسط قطاع غزة، يعكس الفيلم العقبات العملية والوقائع القاتمة للتغطية الميدانية في زمن تُحاصر فيه وسائل التواصل وتستمرّ عمليات قتل الصحفيين.

هذا الفيلم جزء من مجموعة أعمال عُرضت في افتتاح «جناح نيويورك» لبينالي غزة 2025، الذي افتتح في 11 سبتمبر في ريسس بروكلين، وهو أول موقع استضافة للبينالي في أمريكا الشمالية. سيظل المعرض معروضا حتى 14 سبتمبر، يلي ذلك نسخة مختصرة تُعرض في النصف الأمامي من قاعات ريسس لمدة ثلاثة أشهر حتى 20 ديسمبر.

حمل المعرض المحلي عنوان «من غزة إلى العالم» وجمَع 25 من أكثر من خمسين فناناً مشاركاً في العرض العالمي، كثيرون منهم ما زالوا مقيمين في غزة أو نزحوا حديثاً. تمتد الأعمال عبر وسائط وأساليب متنوّعة — من الرسم إلى الفيديو إلى التركيبات — وكلها تقريباً اضطرّت لأن تُنقل رقمياً للعرض، لكن ليس كـ«نسخ» بسيطة، بل كـ«أشياء مهجّرة… إشارات لرسالة عبرت الحدود والحصار.»

سبق أن نُظمت عروض للجناح في مدن متعددة منها لندن وأثينا وإسطنبول وفالنسيا، وقد أُطلق على كلّ عرض اسم «جناح» تيمّناً بنموذج معرض البندقية. ومع أن فنانين فلسطينيين شاركوا في فعاليات مصاحبة في بينالي البندقية الستين عام 2024، فإن المهرجان لم يخصّص جناحاً فلسطينياً رسمياً. أما الجناح الإسرائيلي فواجه إداناتٍ واسعة واحتجاجات من فنانين ونشطاء حملوا شعارات مثل «لا موت في البندقية».

يقرأ  سيناتور يطالب بفتح تحقيق في علاقات عضو مجلس أمناء متحف مومَا، ليون بلاك، بجيفري إبستين

بدلاً من أن يكون عرضاً متنقلاً موحّداً، تُصاغ كلّ نسخة محلياً بواسطة شركاء تنسيقيين محليين، نهج لا مركزي يتيح تكييف البرامج مع السياقات المحلية. كما قال متحدث باسم «متحف المحظور جبل الريسان»، الذي أُسّس في الضفة الغربية المحتلة وأطلق البينالي في 2024: «نحن نردّ على حالة النزوح التي صارت واقعاً عالميّاً. منذ زمن ونحن نطالب عالم الفنّ بالانخراط مع هذه الحالة المعاصرة. ما القيمة التي سيمنحها لعُنصر مهجَّر وُلد تحت كل أنواع القيود؟»

شاشات عرض فيديو حميمة لأعمال 15 فناناً عند مدخل قاعة ريسس تُظهر جانباً من تلك القيود وظروف الإبداع المتأرجحة تحت تهديد دائم: استوديوهات مدمرة، انقطاعات متواصلة، ندرة في المواد، وإرهاق فردي شديد يجعل الممارسة الفنية قريبة من المستحيل، فضلاً عن العقبات اللوجستية والمالية لشحن الأعمال الأصلية إلى الخارج.

غير أن الفنانين يروون كذلك كيف تكيفوا، وكيف حوّلوا ألمهم إلى عمل مستمر. «الفن ليس رفاهية بالنسبة إلينا، بل وسيلة للبقاء»، قالت الفنانة البصرية علاء الشوا في رسالة إلى هايبرااليريك. لتخلق لوحتها، لجأت الرسّامة فاطمة أبو عودة إلى أصباغ صنعتها من توابل وقهوة، وصنعت فراشي من خصال شعرها، واستخدمت جدران خيمتها كقماش مع الفحم حين تعذّر العثور على ورق. جمع أحمد عدنان الأسّار رماد البيوت المحترقة ليبني منها بانوراماته السريالية التي عُرضت على جدارين في القاعة. اضطرّ أسامة نقّع إلى استخدام هاتفه للرسم أثناء التضرّع في الملجأ، مستعملاً أصابعه كأقلام، وخطوطه تظهر بوضوح عند الاقتراب.

تطرح عشرات الأعمال معاً تساؤلاً قاسياً: في وجه أكثر من سبعمئة يوم من الدمار الكارثي، ما الذي يبقى وما الذي يقدر على الصمود؟ أو كما قالت أبو عودة: «لا نموت صامتين؛ نقاوم بالصوت واللون والكلمات، وبكل نبضة متبقية من قلوبنا.»

يقرأ  قوات الأمن تعتقل مشتبهًا به في حادث إطلاق نار بالضفة الغربية شمال شرق رام الله يوم الخميس

أضف تعليق