الروح الإبداعية وراء صعود زوهران مامداني

وعد التغيير هو المحفّز وراء الإبداع في كل مكان. من يرضى بالعالم كما هو وبالوضع القائم لا يجتهد في تجديد الأشياء لأنه قانع بما هو موجود. امس في مدينة نيويورك فعلنا ما بدا لعقود أمراً لا يُتصوَّر: انتخاب عمدة ديمقراطي اشتراكي مسلم أميركي، مهاجر رفض أن ينصاع للهجمات التقليدية التي تهدف إلى شقّ صفوفنا.

زهران ممداني تجاهل اللاعبين ذوي النوايا السيئة الذين أرادوا جرّه إلى الوحل حيث تتجمع أسوأ نزعاتنا مثل المجاري، واختار بدلاً من ذلك أن يؤمن انه ممكن أن يولد جديد، وأن الجمهور جدير بالثقة في اتخاذ قرارات مصيرية، وأن جوهرنا الإنساني رغبة متأصلة في مساعدة بعضنا بعضاً.

هذه المشاعر ليست غريبة على أي روح مبدعة. ليس بمستغرب أن معظم الأحياء التي يعيش فيها الفنانون والمجتمع الإبداعي في نيويورك صوتت بأغلبية ساحقة لمرشحنا المنتخَب. يعرف الفنانون أنك قد تفعل شيئاً مرة واحدة فحسب لتثبت للآخرين أن المستحيل قابل للتحقّق. كما قال بليني الأكبر: «كم من أشياء تُعدّ مستحيلة حتى يُنجزها الإنسان فعلاً؟»

نفس الطاقة قادت موقع Hyperallergic منذ اليوم الأول؛ إذ رفضنا منذ تأسيسنا أن يقيّد الواقع الحالي حدود الممكن. وجدنا حلفاء في مجتمعاتنا وما وراءها، واليوم نرى قرابة في إدارة بلدية جديدة تثبت أن نيويورك ما زالت تحلم أحلاماً كبيرة — كبيرة للغاية — ونحن نشعر بفرح لا ندّ له.

لا أعتقد أن ولادة ممداني لوالدة بارزة في الفن والسينما، ميرا ناير، هي محض صدفة. ولا أن زواجه من الرسّامة وصانعة الخزف راما دواجي أمر عابر. الفن غالباً ما يكون نظرية المستحيل؛ أرض يهاجر إليها من يحلمون بحريتنا الجماعية ليعيشوا ويتنفّسوا خارج عبء ما سبق، ونحن نعرف هذا المكان لأننا نعيشه يومياً.

يقرأ  بألمنيومٍ وأكريليكٍ، تستحضر ماريكو موري ما وراءَ الطبيعةِ والعوالمَ الغريبةَ في «إشعاع»

في ملفها عن والديه، أوضحت صحيفة تايمز أوف إنديا بجلاء الصلة بين الفن والمثل السياسية: في زمن تصبح فيه التمثيل والهوية محوريين في السياسة والثقافة، كان صعود زهران ممداني ليصبح أول عمدة مسلم لنيويورك شبه حتمي، جذوره في طفولة غنية بالهجرة العابرة للقارات والسرد الفني والسعي إلى العدالة الاجتماعية. في قلب هذه الحكاية والدته المخرجة الهندية‑الأميركية التي خلّق عملها في السينما والنشاط بيئة منزلية غذّت الضمير والإبداع.

هذه السطور ستبدو مألوفة لكل من يحوِّل بيوته ومكاتبه واستوديوهاته إلى مختبرات خاصة به. لكلّ منا الذين يرفضون خفض سقف التوقعات إزاء المستقبل، حتى وإن شعرنا أحياناً أننا غارقون في الحاضر أو مثقلون بذكريات الماضي.

في لقاء أجرِي عام 1983 قال جوزيف بيوز: «الفن، بالنسبة إليّ، هو علم الحرية.» ونحن، جميعنا الذين نحلم ونحتفل اليوم، نواصل تقليد ربط الفن بالتحرّر عبر مجتمعات الفن التي نراها ونرعاها، متجاهلين ضجيج تسليع الرفاهية ومن يصطفون خلفه لإبعادنا عن ملاعبهم المغلّفة بالبلاستيك الباهظ.

اليوم استيقظنا لندرك أن الأحلام قابلة للتحقّق، حتى وإن كانت الكوابيس لا تزال تندلع في زوايا أخرى من العالم.

اليوم استيقظنا لنشهد أن غالبية نيويوركيّين ليسوا قساة القلوب، بل يقدّرون هويات جيرانهم التي نراها ليست حدوداً بل قوىً دافعة تدفعنا نحو آفاق لم نكن نتخيلها.

اليوم استيقظنا لنؤكد أن العيش في زمن التغيير هو من أعظم ما قد نخوضه، ولا نعتذر عن فرحنا أو أملنا.

اليوم نعيد التأكيد على حقّ الفنانين في الحلم، لأن غداً قد تكون الإبداعات التي نُنتجها في بيوتنا واستوديوهاتنا وأماكن عملنا الشرارة التي تدفع شخصاً ما لتلقّف العصا والركض في اتجاهات لم تخطر في بالنا من قبل.

أضف تعليق