الفن يبادلك الحب حينما لا يبادلكك الناس

الهوس غالباً ما ينفع الفنان. الفكرة التي تشغل باله بلا توقف، المشروع الناقص الذي يبقيه ساهراً — تلك التعلقات تدفعه للإبداع، تركّز جهوده، وتعيده مجدداً إلى المقهى، ورشة العمل، المسرح. لكن ليس كل هوس يولّد فنا بالمقدار نفسه.

في روايتها الافتتاحية اللافتة “حشود وحيدة” (2025)، تضع ستيفاني وامبوغو محور السرد على روث، رسامه، وماريا، مخرجه. تلتصق المرأتان ببعضهما منذ الطفولة وتفشلان، أو تامتنعان، عن الانفصال. تقول روث في منتصف العمر متذكرة: «عندما التقيت ماريا، اكتشفت أن الحياة بلا هوس تكاد تكون مستحيلة.» ومع ذلك يعود هوس روث بماريا ليقودها إلى التخلي عن حياتها الخاصة، يقنعها بأنها شخصية هامشية في قصتها لا كاتبتها، حتى وقد حملها الطريق المهني إلى ما يُفترض أنه قمة عالم الفن.

انجذاب روث لماريا كان فورياً: في التاسعة من عمرها رأتها معطية لشراء الزي المدرسي — هما الفتاتان السوداوان الوحيدتان في صفهما — فشرعت تحلم بحياة مشتركة. الواقع أعقد. روث، الابنة الخجولة المتواضعة لمهاجرين كينيين، وماريا، اليتيمة المتمردة التي تعيش مع عمتها المتهورة، تنشئين علاقة سريعة لكنها غير متوازنة. افتتان روث بماريا، الذي يقفز بين الحميمي والبراغماتي، يبقى غير مُقابل؛ إيماءاتها بالرعاية غالباً ما لا تُجاب بالمثل.

يتحوّل الهوس لاحقاً إلى مصدر إبداع لروث المراهقة؛ تصبح ماريا ملهمتها. عندما أهدى والدها لها أقلام رصاص ودفتر رسم — هدية تروي أنها «فتحت فتحة لم تُغلق بعد» — بدأت ترسم «نُصُب نصفية انطباعية، خافتة» لماريا: «فتاة رأيت وجهها مراراً من زوايا عدة، ومع ذلك كانت تبدو جديدة ومرعبة أحياناً بحسب ضوء الساعة.» تصف روث عملها بأنه «غير طموح» لكنه مخلص للنموذج أمامها.

هكذا أيضاً تتبلور رؤيتها لحياتها: تكتب وامبوغو راوِيتها كمن لا تولي لنفسها حق القرار، راضية بأن «تتبع ظل ماريا» من المدرسة التحضيرية في رود آيلاند إلى كلية بارد وما بعدها. حين يفرغان غرفة طفولة روث، تطلب ماريا منها رمي رسوماتها الثمينة لماريا؛ أكثر ولاءً للنموذج منه لعملها، تطيع روث. سلبيتها تُرسم بنبرة قد تبدو باهتة أو بعيدة موحية، وإن تخللتها لحظات تعابير لامعة.

يقرأ  غرينبيس تُعلّق عمل أنيش كابور الأحمر القاني على منصة غاز في بحر الشمال

يستمر النمط بعد الجامعة حين تتبع روث ماريا إلى نيويورك. هناك تموّل صديقة ماريا الثرية أفلامها وتحوّلها إلى فتاة الموسم في عالم الفن، لكن من غير الواضح كم من نجاحها مرده الموهبة وكمه نتيجة لسحرها الاجتماعي ووسادة ماليتها. «كان من المربك ألا يتحدث أحد عن المال أو كيف يُجنى»، تلاحظ روث بعد حضور افتتاح معرض مع رئيسها جامع الأعمال الفنية — أول تعرفٍ لها على المشهد الفني في نيويورك — حيث شعرت بالغربة. في نهاية المطاف تعمل روث في وظيفة خدمية وتتزوجه من رجل ميسور ليسد لها عجز العمل ويحمي ممارسة الرسم لديها. وبحلول خاتمة الرواية، تجعلها عزيمتها على العيش في ظل ماريا غير قادرة على الاعتراف بنجاحها الفني، فكيف تستمتع به؟

تقدّم “حشود وحيدة” نقداً لاذعاً لعالم الفن — كيف يصبح رعاته أحياناً شركاء الفنانين الرومانسيون، أو كيف تحوّل الفنانين السود إلى رموز عابرة للموضة. لكن ما يبرع فيه أسلوب وامبوغو حقاً هو تصويرها لجاذبية الصعود الاجتماعي: وعد النهوض من بيئات صعبة هو ما يجذب الشخصيات إلى الفن في الأساس، وهو ما تؤكّد ماريا عليه بأن الفن يمكن أن يكون مربحاً جداً «إن كنت جيداً». تبدو الفتاتان في شبابهما أكثر تعلقاً بفكرة أن تكونا فنانتين منها بصناعة الفن نفسه.

ومع ذلك، تلمع في الرواية لحظات صادقة من حب روث للرسم؛ وهي أقوى ما فيها. حين تهرب ماريا مراهقة، تقرر روث عمل منشور بحث عن مفقودة، فتصوّر صديقتها بيدها كوسيلة «لتحويل الألم إلى صورة مرضية».

«حين رسمت، لم يمر الزمن ولم أكن أنا»، تقول؛ «كان رائعاً أن أختفي بهذا الشكل.» الفن، كما علاقتها بماريا، هو شكل آخر من محو الذات، لكنه محو مولّد. وحتى عندما لا يحبك الناس، فإن الفن يحبك أحياناً بالمقابل.

يقرأ  كيني نغوين ـ العين الإلهية

رواية “حشود وحيدة” (2025) لستيفاني وامبوغو صدرت عن دار ليتل براون وشركاه ومتاحة عبر الإنترنت ومن خلال المكتبات المستقلة.

أضف تعليق