المشهد الفني الخليجي يبرز قوته على الساحة العالمية

«التنافس مفهوم غربي»، هكذا قالت الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني خلال حلقة نقاش في آرت بازل الصيف الماضي. بصفتهـا رئيسة متاحف قطر، وإحدى أكبر الجهات المقتنية للفن المعاصر عالمياً، أجابت الشيخة عن سؤال يتعلق بإطلاق آرت بازل قطر المرتقب في 2026 وتقليـم أجندة الفنون في الخليج التي باتت مزدحمة. في أشهر الهدوء من نوفمبر إلى مارس تتعاقب الفعاليات الثقافية الكبرى شبه أسبوعياً: أبوظبي آرت، بينالي الفن المعاصر بالدرعية (أو، في سنواته البديلة، بينالي الفنون الإسلامية)، نور الرياض، ديزرت إكس العلا، أسبوع ميـسك للفن، آرت بازل قطر، أسبوع الفن في الرياض، آرت دبي، قمة الثقافة بأبوظبي، أسبوع دبي للتصميم، والبينالي في الشارقة. ومع استمرار دول الخليج في بناء مشاهدها الفنية المعاصرة، صار الوقت—أكثر من المال—موردًا محدوداً.

مقالات ذات صلة

يتصاعد عدد الجامعين كذلك. فيما يسمّيه السكان المحليون «ارتداد كوفيد»، هاجر منذ 2021 العديد من أصحاب الثروات العالية من أوروبا والهند، مبدلين تضخّم البيروقراطية بسواحل دبي والدوحه ذات المناخ الضريبي الملائم. في عام 2024 وحده، وفق تقارير متفرّقة، انتقل نحو 6,700 مليونير إلى الإمارات العربية المتحدة. أصبح الخليج أيضاً بوابة متاحة للفنانين والمنسقين الباحثين عن منطقة ما يسمى «الجنوب العالمي»، وقد شهدت أيام البروفات لبينالي الشارقة هذا العام ازدحامًا من زوار جدداً وعائدين على حد سواء.

كما ترتفع وتيرة الشراء المؤسسي، مما يجعل هذه اللحظة واحدة من الفرص الحقيقية إذ تُبنى مجموعات دائمة في الزمن الحقيقي. تستعد أبوظبي لافتتاح غوغنهايم الذي طال انتظاره (ولا تزال تشتري، بحسب مصادر)، وتقتني متاحف قطر أعمالاً لمتحفها المعاصر المProgramم «آرت ميل»، وتشتري السعودية لأغراض متعدّدة لمتاحف مخططة في أرجاء المملكة. ومع ظهور أحياء فنية جديدة، ومناطق حرة، وبرامج إقامة، ومبادرات تعليمية، تبرز مؤسسات التصميم المعماري الضخمة كأكثر الأصول بروزاً ضمن استثمارات الدولة الكبيرة في قطاع الفن.

«هناك اهتمام متزايد بتطوير الثقافة كوسيلة لتنويع الاقتصاد»، قال رجل الأعمال اللبناني-الفرنسي إيلي خوري، أحد أبرز الجامعين في دبي. «كان التركيز سابقاً منصباً أساساً على العقار. الآن تُنظر الثقافة كآلية لدفع النمو الاقتصادي، وجذب السياحة، وتحسين جودة الحياة عموماً».

الاقتناء طويل الأمد

مع أن كثيراً من المتاحف والبيينالات والمعارض في الخليج وصلت على شكل امتيازات—مثل اللوفر أبوظبي، غوغنهايم أبوظبي، ديزرت إكس العلا، وآرت بازل قطر—إلا أن دول الخليج تحافظ على سوق مستقل صغير لكن ذو جذور عميقة. جمع الشيخ حسن بن محمد آل ثاني، من الأسرة القطرية الحاكمة، مجموعة متميزة من فن الحداثة العربية تبرّع بها لمتحف «متحف»: متحف الفن العربي الحديث (متحف) في 2004. في جدة، شكّلت 12 عائلة مؤثرة، بقيادة الأميرة جواهر بنت ماجد آل سعود، المجلس السعودي للفن غير الربحي في 2013، داعمة للمهرجان السنوي المؤثر 21,39 جدة آرتس، وكلٌ منها كوّن مجموعات كبرى من الفن السعودي والدولي. في دبي—ذات السوق الأكثر نشاطاً—كان من بين الرعاة القدامى عرب وإيرانيون أقاموا في المدينة لعقود، مثل فرهاد فرجام ومحمد أفخام وخوري. ويشتري إماراتيون أيضاً ليس الفن المعاصر فحسب بل القطع الإسلامية التقليدية والمخطوطات، من أمثال الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، الشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان، سلطان سعود القاسمي، الراحل سلطان بن علي العويس، وزكي نسيبة الفلسطيني الإماراتي. لسنوات كانت هذه الشخصيات وقلة قليلة أخرى (مع مؤسسات مثل آرت جميل ومؤسسة الشارقة للفنون) المشترين الرئيسيين، وهو عدد ظل ثابتاً نادراً ما نما، كما كان يتذمر بعض أصحاب المعارض، رغم الثروة الهائلة في الخليج.

دانا عوارتاني، الفنانة التي جمعتها أندريينا بيريز-سيسنيروس، ابتكرت النحت المستوحى من علم الآثار «حيث ينتهي ساكنو الأرض» (2022) لإصدار ذلك العام من ديزرت إكس العلا في السعودية.
صورة: لانس جيربر / ©دانا عوارتاني / بإذن ديزرت إكس العلا

تغيّر المشهد بفعل تدفق المستثمرين إلى دبي. كثير من المقيمين الجدد، مثل أندريينا بيريز-سيسنيروس، كانوا قد جمعوا أعمالاً في أماكن أخرى، فيما بدأ آخرون الشراء في المنطقة العربية كوسيلة لترسيخ جذورهم. مجموعة الجامعين الجدد، كدبي نفسها، دولية للغاية—من المقيمين القدامى ليندسي ومايكل فورني اللذين أصلهما من الولايات المتحدة، إلى مشترين صينيين مثل سنو لي—ويشترون أعمالاً على الصعيدين العالمي والعربي.

«هناك فهم تقليدي أن الجامعين الهنود يجمعون الفن الهندي، وهذا صحيح إلى حد ما»، قالت بينيديتّا جيوني، المديرة التنفيذية لمجموعة آرت دبي. «لكن بعض أكبر الجامعين الهنود ينتقلون إلى هنا، ومعهم تأتي مجموعات دولية. هؤلاء الجامعون الجدد، ومن يأتون من أوروبا، يدعمون أيضاً المواهب المحلية.»

تؤكد عدة معارض أن التغيير الكبير لا يكمن فقط في العدد بل في النبرة، إذ أصبح حتى المشترون العابرون يفكرون بجدية أكبر في نطاق ما يمكن أن تكون عليه مجموعة فنية. بيريز-سيسنيروس، حفيدة الجامعة الكوبية-الفنزويلية إيلا فونتانالز-سيسنيروس، انتقلت إلى دبي قبل اثني عشر عاماً وبدأت اقتناء فن من الشرق الأوسط لفنانات مثل الشيخة ألمزروّع من دبي ودانا عوارتاني من جدة—كلاهما يعملان في أنماط هندسية. بالنسبة لبيريز-سيسنيروس، كان هناك رابط واضح مع تواريخ أمريكا اللاتينية في الهندسة التجريدية التي كانت جزءاً من مجموعتها أصلاً.

يقرأ  كيم جونغ أون يعرّف العالم بابنته، المرشحة لخلافته، على الساحة الدولية

«هناك الكثير من القواسم المشتركة بين أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، رغم بُعدهما الظاهري دينياً وثقافياً»، قالت بيريز-سيسنيروس من فيلتها الفسيحة في دبي. «لكن تاريخياً، تركت الحضارة العربية أثراً واسعاً على البرتغال وإسبانيا. وعندما عبر الغزاة إلى أمريكا اللاتينية وجلبوا معها أجزاًًًءً من هذه التأثيرات، يمكن رؤية ذلك في البناء وزخارف الكاتدرائيات والكنائس الإسبانية في المكسيك.»

في نهاية المطاف، قالت بيريز-سيزنييروس إنها تسعى لدعم برامج فنية أو ربما تأسيس مؤسسة تتولى التوسّع في دراسة هذه الروابط. هذه خطوة نمطية لدبي، حيث سبق أن كانت المبادرات الخاصة تتفوق على القطاع العام، وفي دولة لم تؤسس متحفاً فنياً حكومياً خاصاً بها. بخلاف الغرب، حيث تتحرك مؤسسات مثل موما أو تيت مودرن بهدوء لتشجيع المقتنين على التبرع، يميل كبار المقتنين في الامارات إلى إنشاء مؤسساتهم الخاصة. خوري الآن في محادثات مع قيادات في كل من ابو ظبي ودبي حول إمكانية إيجاد مقر مصمم خصيصاً لأعماله. من جهة أخرى، يبحث أحد أبرز الفاعلين الثقافيين في البلاد، السلطان سعود القاسمي، عن مساحة دائمة في الشارقة لمؤسسة برجيل للفنون. وتُفيد التقارير أن حكومة دبي تسعى لإنشاء منطقة حرة تمنح المجموعات الكبيرة وضعاً معفى من الضرائب، لتحفيز قدوم مجموعات فنية كبرى إلى الدولة.

«الناس ينتقلون أكثر فأكثر إلى الشرق الأوسط قادمين من أوروبا، ويحضرون مجموعاتهم،» قال خوري. «عندما يصل المقتنون الكبار يشترون منازل، يزورون متاحف، يشترون أعمالاً فنية. المزيد يصبح أكثر.»

صالة آثار قطر في المتحف الوطني لقطر.
الصورة: دانيتسا كوس / بإذن متاحف قطر

بحسب مصادر تحدثت إليها، كانت حكومة أبو ظبي أيضاً في محادثات مع عدد من المقتنين البارزين لإنشاء مؤسسات في أرجاء العاصمة، مع عروض مزعومة بتوفير مدارس سابقة كمساحات عرض. لو نُفّذت هذه الخطوة، فستكون مفاجئة في الإمارة التي قاد الاستثمار فيها دائماً القطاع الحكومي، كما حدث مع المتاحف الخمسة في حي السعديات الثقافي، وهو مشروع تابع لدائرة الثقافة والسياحة في العاصمة. مع ذلك، لدى أبو ظبي عدد من المقتنين الخاصين بحيازات واسعة قد يُقنعون بالإفصاح العام عن مجموعاتهم، ومحمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة، أكد لي أنهم يريدون تشجيع قطاع أكثر انفتاحاً، وتحفيز المبدعين الجدد على الإقامة والعمل في العاصمة. بالفعل، تمتلك مؤسسة بسام فريحة للفن، التي أسسها مقتنٍ لبناني مقيم طويل الأمد في الدولة، مساحة داخل حي السعديات الثقافي.

لطالما شكّل غياب إطار قانوني واضح عقبة؛ فالقوانين والأنظمة في الخليج لا تدعم المؤسسات أو الجمعيات الخيرية بسهولة. لدى الإمارات تشريعات صارمة بشأن العطاء الخيري لتقليص أي احتمال لتوريد أموال إلى جماعات إسلامية متطرفة. وبما أن دول الخليج ظلت لفترة طويلة معفية من الضرائب، لم تُبلَر قواعد حول الإعفاءات الضريبية وحقوق الشركات الفرعية والوصايا بشكل مُنظم. تجري الآن مناقشات حول تعديلات تشريعية، ونظام تأشيرات يُسهل عمل الفنانين والقيّمين كمستقلين، وفق ما أفادتني مصادر حكومية. في السعودية، قدّم مجلس الفنون البصرية مؤخراً نظام ترخيص منظم للمعارض والاستوديوهات الإبداعية، بينما تفاوض دبي لإنشاء ميناء حرّ لتخزين الأعمال الفنية. وفي مايو الماضي افتتحت صالة “أثر” السعودية مستودع تخزين فني عالي المواصفات بالشراكة مع شركة الخدمات اللوجستية الألمانية هايزنكامب؛ خطوة صغيرة لكنها مهمة في مناخ الخليج الرطب، لا سيما مع وصول قطع فنية مهمة تحضيراً للمتاحف المرتقبة (منها «سالفاتور مندي» لليوناردو، التي لا يزال مكانها الرسمي مجهولاً).

منظور السعودية

المشهد في السعودية يختلف اختلافاً ملموساً عن دبي. البلاد — التي تكاد توازي مساحة فرنسا وألمانيا وإسبانيا والمملكة المتحدة مجتمعة — تنهض الآن بعد ثلاثة عقود من العزلة الثقافية، وهي أكثر فوضوية وودّية مما يوحي به صورتها الدولية. الفعاليات الفنية الكبرى، التي ظهرت كجزء من رؤية ولي العهد محمد بن سلمان 2030، مثلت تغييراً مرحباً به بعد القيود الصارمة على الترفيه في حقبة ما قبل الإصلاح. والعديد من فعالياتها الفنية تحظى بالفعل بحضور ضخم يماثل قطر والإمارات، رغم أن هذين البلدين أصغرا قد بدآ في تطوير منصاتهما أبكر. شهدت أول «أسبوع فنون الرياض» — نسخة غير تجارية من أسابيع الفن العالمية — أكثر من 17,000 زائر خلال سبعة أيام في أبريل، بينما سجلت الدورة الافتتاحية لبيينالي الفنون الإسلامية 2023 نحو 600,000 زائر خلال أربعة أشهر.

«لفترة طويلة كانت السعودية عملاقاً نامٍ في المنطقة،» قال إدوارد جيبس، رئيس قسم الشرق الأوسط والهند في سوثبيز وزائر قديم للخليج. «لقد استيقظت أخيراً، ويمكنك رؤية أثرها في تأثير الموجة عبر المنطقة. لقد حفزت رؤية 2030 توسعاً استثنائياً في البرامج الثقافية، بدعم مادي وبشري وموارد ملموسة.»

جهات السوق تتحرّك بسرعة. سوثبيز، التي أمنت مؤخراً خط إنقاذ بقيمة مليار جنيه إسترليني من صندوق ADQ، أحد أحدث صناديق أبوظبي السيادية، أطلقت مزاداً بارزاً في الرياض في فبراير. كان البيع مثالياً لانستغرام: أقيم في الهواء الطلق أمام مدرج طيني مضاء في الدرعية، الحي التاريخي للرياض. حقق المزاد الصغير الذي شمل 117 بنداً من الفن والقطع الفاخرة 17.28 مليون دولار، وباع ثلاث قطع بأكثر من مليون دولار لكل منها. «شهدنا مشاركة عميقة، محلياً وعالمياً،» قال جيبس. «شملت المشاركة 45 دولة. ثُلث القطع بيعت لمشترين ومتقدمين من السعودية أو ممن يعكسون الملف الديموغرافي للسعودية. نحو 30 بالمئة من المشاركين كانوا تحت سن الأربعين، وحوالي ثُلثهم كانوا جدداً تماماً على سوثبيز.»

يقرأ  أبرز الأجنِحة في معرض فرايز سيول ٢٠٢٥

كان هذا البيع جزئياً بمثابة تجربة لاختبار ميول هؤلاء المشترين الجدد. تتصاعد شعبية المقتنيات كفئة في دول الخليج، غير أن عروض السلع الفاخرة في المزاد لم تكن بنفس قوة قسم الفن — ربما لأن السعوديين، كما أخبرني مصدر، لا يهوون شراء المجوهرات المستعملة. أما في مجال الفن فبدت دار سوتبيز أكثر حذراً في موازنة رهاناتها، فخلطت بين أسماء دولية لامعة (بابلو بيكاسو ورينيه ماغريت) وفنانين سعوديين بارزين مثل احمد مادِر وعبد الحليم رضوي. وذكرت سوتبيز أيضاً، في إطار سعيها لبناء قطاع، الاهتمام غير التجاري خلال فعاليات امتدت ثمانية أيام: زار المعرض ألف شخص، وشارك سبعمائة منهم في برنامج المحاضرات المصاحب الذي قدّم مداخلات حول ثقافة الجمع والتعريف بفنانين عرب حديثين محوريين.

تطلعت كريستيز، المنافسة الرئيسية على الحصة السوقية في الشرق الأوسط، بخطوات ملموسة لمجاراة سوتبيز. ففي سبتمبر الماضي افتتحت دارها مكتباً مكرّساً في الرياض بقيادة مستشارة فنية كمديرة إدارية، ونظمت في يناير برامج عامة لبينالي الفنون الإسلامية. وتكثر التقارير عن تدفق سماسرة وتجار قادمون إلى المملكة لتهيئة علاقات ومبيعات محتملة. ومع ترحيب البعض بالاهتمام، يشعر كثيرون بأن في الأمر مسحة من السلوك غير اللائق؛ إحساس مألوف في الخليج بأن الغرب يطلب أموالهم ولا يبدي احتراماً كافياً لثقافتهم. ومن نقاط النقد المتكررة ما يُسمّى «ثقافة الاستشارات»، حيث تدفع جهات خليجية مبالغ طائلة لشركات استشارية أجنبية مثل ماكينزي وBCG للحصول على نصائح مستوردة، فيما لا يقتنع بعض العاملين في المشهد الفني بصحة التوجيهات الغربية حول أفضل الممارسات.

«بصراحة، أشعر بالإرهاق من ممر أصحاب المعارض الوافدين من لندن أو نيويورك، يصرون كأن عليّ شراء بايكن أو بيكاسو — كما لو أن مؤسساتنا تفتقد لتلك الأسماء»، قال لي أحد الجامعين في المنطقة. «المفارقة أن العديد من متاحفهم قائمة أساساً على مجموعات من الشرق الأوسط — لكنها ليست الحديثة. نُبجّل على أساس عراقة الآثار وما قبل القرن التاسع عشر، لكننا نُنسى بسهولة عندما يتعلق الأمر بصوتنا الحديث. كأن الحضارة توقفت مع بداية الاستعمار».

وفي الوقت الراهن، السوق ليس الملك في المملكة. فهو لا يزال محدود الحجم مقارنةً بدول ذات ثروة وحجم مماثلين، بل وحتى مقارنةً بقطر والإمارات. لا تعرض على مدار الدورة الدولية سوى معرضان سعوديان هما ATHR وHafez Gallery، وكلاهما سبق إصلاحات «رؤية 2030». الرأي السائد أن على الدولة أن تؤسس عناصر منظومة متكاملة قبل أن يحتمل السوق المحلي الاستقلالية؛ والآن تُعطى الأولوية للمتاحف والبرامج غير التجارية.

في 2022 أسس ATHR مؤسسة لدعم المنح والإقامات والبرامج طويلة الأمد مثل برنامج «الشاب السعودي الفنان». قال محمد حفيظ، أحد مؤسسي ATHR، إن المؤسسة جزء لا يتجزأ من عملهم تماماً كما ذراعهم التجاري. فنانو المعرض مشغولون أساساً بعمولات ومشروعات واسعة النطاق من وزارة الثقافة، مثل «أصحاب اللَّل»، ومشروع «آلة السراب» المخطط له لواحة الفن في العلا الذي يقوده الفنان مادِر، والعمولات المتعددة لفنانين في بيناليات دولية من أعمال مهند شونو. في المعارض التجارية، بدت أجنحة ATHR أقرب إلى معارض فنية منها إلى أماكن عرض للبيع المحض: شارك الفنان الإماراتي رامي فاروق بتنسيق جناحين مؤخراً في «فريز» و«آرت دبي» كمشروعات فنية، مع قطع معروضة بأسعار معقولة. لم تتخل ATHR عن دورها كمحور لمشهد فني قاعدي، ولم تُجبر بعدُ من الناحية المالية على التخلي عن ذلك.

وزارة الثقافة، التي تقود التحول الفني في السعودية، تبدو أيضاً حذرة في تعاملها مع السوق. كان «اسبوع الفن بالرياض» الأخير بمثابة «نموذج جديد» للجنة الفنون البصرية — حدث يهدف أقل إلى البيع وأكثر إلى التعليم وإشراك الجمهور، كما أخبرتني المديرة التنفيذية للجنة. دُعيَت صالات دولية لعرض أعمالها في معرض منسق، أُعدَّت فيه طاولات وكراسٍ للتعامل بدلاً من هيكل المعرض التجاري التقليدي. جرت بعض المبيعات، لكن القانون اشترط أن تدخل الأعمال وتخرج من البلاد بتأشيرات دخول مؤقتة، بدلاً من مغادرتها بمالكين جدد — ما أثار تساؤلات عن ما إذا كان المهرجان قد صُمم أصلاً كسوق ثم تغيّر اتجاهه خلال سلسلة موافقات داخل الوزارة.

قد يتبدل هذا التوازن إذا ضعفت موازنات الدولة. فجزء من تمويل مشاريع رؤية 2030 حوِّل بالفعل بسبب فوز السعودية بعقود تنظيم معرض إكسبو 2030 وكأس العالم 2034، ومن صعوبات النمو الناتجة عن سرعة التحول. ومع ذلك، فإن الخطط الثقافية واسعة النطاق وشباب السعودية منخرطون بشدة في هذه التغيرات، ما يجعل السوق السعودي أمراً لا يمكن تجاهله، خاصةً في ظل التراجع الملحوظ في أوروبا والولايات المتحدة.

يقرأ  معارض هاوزر وزويرنر في المملكة المتحدة تسجّل تراجعًا يقارب ٩٠٪ في الأرباح

المحطة التالية: قطر. كانت قطر السبّاقة بين اللاعبين الثلاثة الحاليين في الاستثمار في مشهدها الفني، وتضم بعض أرقى العروض والمنح والمتاحف — بما في ذلك «بيت بن جلمود» الوحيد في الخليج المكرس لتاريخ تجارة الرقيق في المنطقة. ومع ذلك، لم تُسفر استثمارات الدولة في بناء قاعدة شعبية للفن من خلال مبادرات تطور الفنانين أو الجامعين أو جمهوراً فنياً عن تقدم يذكر.

ومع ذلك، لم تكد «مؤسسة المتاحف القطرية» تقف ساكنة: فأعلنت شبكة من ثمانية متاحف ومساحات فنية في فبراير الماضي عن خطط لبناء أول جناح جديد في بينالي البندقية منذ ثلاثين عاماً. تستعد البلاد أيضاً لإطلاق مشروعين إضافيين: متحف لوسيل، الذي سيضم مجموعة استشراقية استثنائية جَمَعَها جامِعو آل ثاني، والمقرَّر افتتاحه عام 2029؛ ومصنع الفن (Art Mill) المكرَّس للفن الحديث والمعاصر، المقرر افتتاحه في 2030.

كانت تصاميم هرتسوغ & دي مهرون لمتحف لوسيل، المقرر افتتاحه عام 2029، معروضة ضمن معرض تمهيدي للمؤسسة المرتقبة بعنوان «حكايات عالم متصله»، 2022–23.
الصورة: علي الأنصاري/إهداء متاحف قطر

الخبر الأبرز طبعاً هو انعقاد آرت بازل قطر المرتقب، الذي قد يشير إلى تجدد طموحات الدولة، ولآرت بازل فرصة لاقتلاع موطئ قدم في الخليج. «أظن أن في ذلك علامة جيدة لأن آرت بازل ينظر إلى المنطقة»، قالت دونيا غوتفايز، الموظفة السابقة في آرت بازل والمديرة الحالية لآرت دبي. «الناس تتجه حيث المال.»

يبدو أن المؤسسة السويسرية تتبع خطة جديدة. النسخة الأولى، المقررة في فبراير، «ستنحرف عن نموذج الجناح التقليدي»، بحسب طلب المشاركة، وسيتولى الفنان المصري الراسخ والناقد وائل شوقي منصب المدير الفني. الحدث سيُحافظ على صِغره نسبياً بمشاركة 50 صالة فقط، وستتحمل آرت بازل جزءاً من تكاليف العارضين في النسخة الأولى، بما في ذلك الإقامة والنقل للفنانين. يلاحظ المراقبون بسخرية أن آرت بازل قطر تحتاج إلى جذب صالات عرض لأن الدوحة تفتقر إلى كثير من المشترين خارج الشيخة المياسة ومتاحف قطر، وبناء بنية تحتية للمبيعات سيكون أولوية للمشروع.

«نعلم أن هناك كثيراً من العمل المطلوب لتطوير السوق»، قال فينتشنزو دي بيليس، المدير العالمي للمعارض في آرت بازل. «لكن هذا بالضبط ما نريد القيام به، وهذا ما رأينا أن آرت بازل أثبت قدرته على تحقيقه على مدار 55 عاماً، في كل الأماكن التي عملنا بها. هدفنا أن نعمل كعملية مستمرة على مدار 365 يوماً مع تطوير السوق وتطوير القطاع الخاص كمكوّنات مهمة لحضورنا.»

ما إذا كان بوسع الجامعين الدوليين التراجع بسبب الاضطرابات الأخيرة في المنطقة فمسألة لم تتضح بعد. في مناورة محدودة في يونيو، ردّت إيران على الضربات الأمريكية بإطلاق صواريخ على القاعدة الجوية الأمريكية في المنطقة، العديد الأويديد. أُغلق المجال الجوي القطري والإماراتي لفترة وجيزة. كانت نافذة زمنية قصيرة لكنها قد تكتسب صدى لدى الجمهور الأمريكي، حتى لو بقيت آرت بازل قطر أبعد من عدة أشهر.

أما بالنسبة لمن في المنطقه، فقد كان الاشتباك لحظة بارزة في المأساة المستمرة في غزة. ولا يمكن المبالغة في تأثير الحصار على العالم العربي عامة. أبدى كثير من الجامعين والفنانين والمنسقين إحباطاً عميقاً تجاه العنف المتواصل، وكذلك تجاه غياب الانتقاد لإسرائيل من جانب الحكومات الأمريكية والغربية. ورغم صعوبة قياسه رقمياً، كما توضح ملاحظة الشيخة المياسة بأن «المنافسة مفهوم غربي» وتشكيك السعودية في التدخل الغربي، فإن ثقة الخليج الجديدة تحوي أيضاً استياءً عميقاً من الغرب وما يُنظر إليه كهيمنة متصورة—وغير مقنعة.

ثمة أيضاً سؤال حول كيفية تأثير هذه التغييرات على الفنانين. إلى جانب الإنفاق على المتاحف، استثمرت دول الخليج بكثافة في التعليم الفني، وغمرت الجيل الشاب برامج تنموية وفرصاً عديدة. لكن الاهتمام المتصاعد بالفن سيف ذو حدين. يصف الفنانون دورة مستمرة من المعارض والعمَل على تكليفات كثيرة، غالبيتها مشاريع مموَّلة من الدولة أو تعاونات معمارية/ترف تَحمل قدراً كبيراً من الدعاية والتدقيق. ثمة ندرة في المساحات التي يديرها الفنانون حيث يمكن التجريب، أو التي تتيح للفنانين الناشئين الظهور بهدوء. ينتقل الفنانون بسرعة من حالة «الناشئ» إلى «منتصف المسار»، على صعيد المكانة والفرص وحتى الأسعار (الناشئ نحو 10,000–15,000 دولار؛ منتصف المسار نحو 20,000–40,000 دولار).

«كانت السنوات العشر الماضية قاسية للغاية، وأُعطيَت لجيلنا كثير من الضوء والاهتمام»، قالت أفرا الظاهري، فنانة من أبوظبي. في منتصف الثلاثينيات من عمرها، وهي بالفعل شخصية بارزة في المشهد الفني الإماراتي. «تسارعت الأمور بسرعة هائلة. دعمت الدولة فننا ومنحتنا بقعة ضوء ومنصة، وهذا رائع. لكني أتساءل أيضاً: متى تتاح لنا لحظة نتوقف فيها ونتأمل فيما نصنع؟»

أضف تعليق