حين تأسست الولايات المتحدة قبل مئتين وخمسين عاماً، كان من بين أهدافها الرئيسة حماية الحرية الدينية — أو بصدق أكبر، حماية طوائفٍ من المسيحية كانت محرومة من الحماية أو موضع ازدراء عبر المحيط. نصّ التعديل الأول دستورياً على فصل الكنيسة عن الدولة، وكان الأمر يتجاوز التسامح البسيط: الآباء المؤسِّسون كانوا يرون أن الحكومة تُفسد الدين كما أن الدين قد يفسد الحكومة. اليوم، ذلك الفصل مهدَّد كما لم يحدث في أي حقبة سابقة من التاريخ.
تعكس أحدث معارض كورتني ماكليلان هذه الحالة الراهنة — بكلّ الغضب الذي تثيره — عبر صورٍ جافةٍ لِغرفٍ فارغة. التقطت ماكليلان صور محاكم تجريبية في جامعات الجنوب الأميركي، بينها محاكاة مخيفة لغرفة محكمة العليا داخل حرم جامعة ليبرتي، الجامعة الإنجيلية المعروفة في فيرجينيا؛ حيث، على ما يبدو، يتم تدريب محامينٍ مستقبليين ليمثلوا مشروع إدارة البلاد باسم يسوع المسيح.
تثير رؤية الستائر الحمراء المخملية ذات الشرابات الذهبية، أعمدة الرخام والكراسي الجلدية السوداء عندي اشمئزازاً؛ تصور الجامعة للعداله يبعث على القلق: إنها بيئة قد يؤدي فيها استخدام الواي فاي الجامعي لمشاهدة المواد الإباحية إلى الطرد، وفي الوقت نفسه بيئة شهدت سوء تعامل صارخاً مع قضايا الاعتداء الجنسي أدّى إلى أعظم عقوبة مالية في تاريخ وزارة التعليم (14 مليون دولار). أُدينت الجامعة بمعاقبة الضحايا لانتهاكهم قانون الشرف، الذي يجرّم العلاقات قبل الزواج، بينما فشلت في محاسبة المعتدين.
هذه الوقائع لا تُعرض صراحة في معرض ماكليلان «محاكاة». بل هي الأمتعة التي أحملها معي، بعدما نشأت في محيط ليبرتي، حيث تتحول القواعد الموضوعة باسم الدين إلى حصونٍ تقوّي سلطة رجالٍ فانية. تدعونا صور ماكليلان إلى التفكير في هؤلاء الرجال الأقوياء وسنوات تشكُّلهم. يسرح ذهني إلى بريت كافانو كطالب، ويغزونني شعور بالغثيان.
تكشف عدسة ماكليلان عن محاكمٍ مزيفة أشبه بمزيجٍ بين المسرح والقاعة الدراسية، لافتةً الانتباه إلى طابعها التمثيلي: مسارح، كشافات، ستائر، مقاعد. بالنسبة لغالب الزوار، المحاكم معروفة أساساً من خلال صور الأخبار أو التلفزيون، وبالفعل، للعرضية أثرٌ حاسم على المصداقية: يشير نص القيّم إلى استطلاع لِـ2013 أظهر أن القاضية جودي تحظى بثقة الجمهور أكثر من جميع قضاة المحكمة العليا التسعة، ما يؤكد قوة الأداء.
عند عرض الصور معاً، تبدأ أنماطٌ معمارية بالظهور. نرى تكراراتٍ متأثّرةً بالكلاسيكية الحديثة: أعمدة وسجاد، أسقف معلّقة ومقاعد متّسخة، وموادٌ تفصح عن طبقاتٍ اجتماعية — أسطح رخامية وثريات كريستال في بعض القاعات، وطبقات خشبية مقشّرة في أخرى. لكن في صميم هذه المحاكاة يكمن شيء مخيفٌ وحقيقي: لمحة عن كيفية صناعة تلك النُخبة الذكورية.
تؤطّر ماكليلان صورها، الملتقطة على مدى ست سنوات، في تركيبٍ حيث تلتقي إطارات بلون أزرق فاتح مع جدرانٍ وزخارفٍ زرقاء. تتلاشى العمارة والصورة لتصبحا وحدةً واحدةً مقصودة. هذه الغرف، كما الصور، صورةٌ مُحاكاة للسلطة. ويُوضع المشاهد في موقع القاضي والمحلف والمستمع والمحامي في آن واحد، إذ التقطت الصور غالباً من خلف المنبر ومن مقاعد الجمهور. أضواء النيون القاسية في هذه القاعات تكفي لأن يشعر أيُّ إنسانٍ وكأنه في حالة محاكمة. كثيراً ما تلتقط العدسة كاميرات أمنية، إحداها تبرز أمام ستارةٍ كأنها تحدّكَ، وأخرى تختبئ بين زينة التاج كذبابةٍ على الحائط.
نشأت ماكليلان في منزلٍ كان أحد والديها محاميّاً والآخر معلّماً في كارولاينا الشمالية، وتقيم الآن في أتلانتا حيث تعمل فنانةً ومحررةً لمجلة Burnaway الإقليمية. هي حذرةٌ من تقديم الجنوب ككلٍّ متجانس. تسلسلها يعرض بلا شكّ صوراً مرسومةً لرجال بيض يهيمنون على قاعةٍ تلو الأخرى، لكن قريباً، في الغالب بالقرب من النهاية، تظهر حشودٌ أكثر تنوّعاً في صور ملتقطة في كلية الحقوق بجامعة نورث كارولاينا سنترال، إحدى مؤسسات التعليم العليا التاريخية للسود. لستُ مطّلعاً على سياساتِ تلك المدارس بالتفصيل، لكني أعلم أن حيث يوجد المتشددون، هناك مقاومة.
«محاكاة» من العروض القليلة في المدينة التي تواجه فعلاً الموت المخيف للديمقراطية الذي يتكشف أمام أعيننا، وأقدّر كيف تفعل ماكليلان ذلك بلطفٍ وحزمٍ في آن. العمل يتجنب الوعظ للمؤمنين بما يعرفونه سلفاً أو اتخاذ نبرة تقطع الحوار عبر المقارِع، فالصُور تتكلّم عن نفسها — وبصوتٍ عالٍ. هنا، تصبح «المحاكاة» و«المحافظة» مرادفين: تكرر ما سبق وتقلّده وفي الوقت ذاته تُفرغُه من مضمونه.