توفي النحات روبرت غروسفينور، الذي امتد عمله على مدى أكثر من ستة عقود ورفض الانصياع لتصنيفات فنية جاهزة، في لونغ آيلند بولاية نيويورك يوم الأربعاء الثالث من سبتمبر عن عمر يناهز ثمانية وثمانين عاماً. اعلن عن وفاته معرض بولا كوبر، الذي كان يمثّل الفنان منذ افتتاحه عام 1968.
عرف غروسفينور بشكل أساسي بأعماله النحتية المجردة ذات المقاييس الكبرى، لكن إنتاجه الفني شمل أيضاً التصوير الفوتوغرافي والرسم والكولاج. نال اعترافاً مبكراً في ستينيات القرن الماضي بمشاركته في معارض محورية للحركة المينيمالية مثل «Primary Structures» (1966) في متحف اليهود و«Minimal Art» (1968) في المتحف البلدي في لاهاي. اعتمد غالباً على مواد صناعية غير تقليدية ولعب بمفاهيم الديناميكا المكانية والوظيفة، مصحوباً بسخرية جافة وغموض أحياناً أربكا الجمهور.
حرص غروسفينور على شق طريقه الإبداعي المستقل، مبتعداً عن الصرامة الشكلية للمينيمالية. تراوحت أعماله بين هياكل فولاذية معلّقة تبدو متحدية للجاذبية، وأعمدة خشبية متكسرة، وهياكل خارجية لمركبات موضوعة بشكل صارخ على الأرض. كثيراً ما ترك أعماله بلا عنون وقدم تفسيرات قليلة، كما حدث مع عمل معقّد عام 2020 مكوّن من كتل إسمنتية مكدّسة وبطانة مطاطية ومياه راكدة، وصفه الناقد جون ياو بـ«بسيط وباقتصاد بنائي بارع» وفي الوقت نفسه «فكاهي وسخي».
كتب ياو: «يستطيع غروسفينور أن يقف على الخط الفاصل بين الفن والوظيفة من دون أن يعبره أو يعلق عليه. هذه هبته، ولا أعرف نحاتاً آخر يمتلكها.»
ولد غروسفينور في مدينة نيويورك عام 1937 ونشأ في رود آيلند وأريزونا. أثناء مراهقته درس الفن والتصميم في أوروبا، وتلقى تعليماً كلاسيكياً في المدرسة الوطنية للفنون الجميلة في ديجون، والمدرسة العليا للفنون الزخرفية في باريس، وجامعة بيروجيا في إيطاليا. ذكر في مقابلة مع مجلة Brooklyn Rail عام 2019 أنه استلهم من فنانين تجريبيين مثل إيف كلين، لوتشيو فونتانا، وبييرو مانزوني.
بعد عودته إلى الولايات المتحدة عام 1959 لإتمام فترة خدمة عسكرية مدتها ستة أشهر، استقر في نيويورك حيث أقام علاقات مع شخصيات المشهد الفني المحلي. تعرّف على أعضاء مجموعة معرض بارك بليس التعاوني، وعلى معارض مثل غرين غاليري، التي قدّمت منصة مبكرة لفنانين أمثال يايوي كوساما ومارك دي سوفيرو ودونالد جاد. وصف أعماله في تلك الفترة لـBrooklyn Rail بأنها «لوحات خرجت من الحائط»، وبدأ عرضها في معارض جماعية منذ عام 1962.
حسب معرض بولا كوبر، اعتبر غروسفينور أن مسيرته الفعلية بدأت بمعرض 1965 الذي ضمّ قطعة بعنوان «ترانسأوكسيانا» — تركيب كانتيليفر زاوي بطول 31 قدماً — والذي عُرض لاحقاً ضمن المعرض المحوري Primary Structures إلى جانب أعمال لدونالد جاد وروبرت موريس وسول لويت وآني ترويت. كما لقي إعجاباً بفضل أعماله الهندسية الديناميكية، مثل «توبانغا» (1965) التي أنجزها بعد رؤيته صورة لتلسكوب شمسي ضخم في صحراء سونوران في أريزونا، ولجنة فولاذية بيضاء من عام 1968–1970 معلقة في الهواء بواسطة كابلات من السقف، عُرضت في أول معرض فردي له في معرض بولا كوبر.
خلال السبعينيات ابتعد عن الخطّ المينيمالي وشرع في تجارب خشبية بقطع من خشب الصنوبر المكسور وأعمدة هاتف معثور عليها، مستلقية أفقياً على الأرض ومميزة بشقوق متناظرة، أحياناً مظللة بالكريسوتو، وهو مادة حفظ سامة وزيتية. في العقود التالية وظّف مواد معثور عليها مثل صفائح الفولاذ المموج وكتل الخرسانة لخلق هياكل لا تُصنّف بسهولة وتقف متأرجحة بين العمارة والنحت. كانت أعماله الأخيرة تتضمن منحوتات أرضية من أجزاء مركبات، نتيجة ولع طويل بالأوتومبيلات والقوارب.
قال القيّم بوب نيكاس في بيان لرابطة نقاد الفن بنيويورك إن «أعماله في العشرين سنة الماضية كانت من بين أفضل ما أنجز، وفي أحيان كثيرة بدت أعمال النحاتين الأصغر سناً محافظ ة للغاية بالمقارنة. بالمقارنة؟ لا مقارنة. عالمه كان عالماً بحد ذاته.»
طوال حياته ظل غروسفينور متواضعاً بشأن مساره الإبداعي. كما قال لمجلة Brooklyn Rail: «أصنع بقدر ما أستطيع. أعمل بانتظام وبسرعة، لكن هناك الكثير من الأخطاء. أظن أن هذا سبب عدم كبر إنتاجي.»
يُعرض حالياً أكثر من ثلاثين عملاً من أعمال الفنان في معرض فردي بمتحف فريدرسيانييوم في كاسل بألمانيا، ويستمر حتى يناير 2026. كما تضم مجموعات مؤسسات مرموقة قطعاً له، منها مركز ستورم كينغ للفنون، ومتحف الفن الحديث في نيويورك، ومركز ووكر للفنون في مينيابوليس، ومعهد الفن المعاصر في ميامي.