يبدو أن الولايات المتحدة ليست الوحيدة التي أثارت فيها تسمية الممثل الوطني في بينالي البندقية جدلاً داخل مجتمع الفن المحلي.
اختير الفنان المقيم في براغ بريدراج جاكوفيتش لتمثيل صربيا في بينالي البندقية 2026 بمشروع حمل عنواناً استفزازياً: «عبر الجلجثه نحو القيامة». أعلنت وزارة الثقافة، وفق تقارير صحفية، عن انطلاق مسابقة على موقعها في السادس من سبتمبر مع مهلة شهر واحد، لكنها لم تعلن اسم الفائز رسمياً؛ بل بدا أن إعلان النتيجة نشر عبر حساب الفنان على إنستغرام الذي لا يتجاوز متابعوه السبعمئة تقريباً.
أطلق معترضون عريضة تطالب بإلغاء الاختيار، وجمعت العريضة أكثر من ستمئة توقيع حتى وقت كتابة التقرير. تقول العريضة إن «الاختيار نتاج عملية غير مهنية وغير شفافة من جانب اللجنة، التي استغلت صلاحياتها بدل أن تقيم جودة الإنتاج الفني المعاصر في صربيا»، وتلفت إلى أن بعض أعضاء اللجنة «مرتبطون ارتباطاً وثيقاً بالحزب الحاكم»، في إشارة إلى حزب التقدميين الصرب بقيادة ألكسندر فوتشيتش، معتبرة أنهم أدوا مهامهم «دون نزاهة مهنية أو أخلاقية أساسية».
تصف العريضة هذا الاختيار بأنه «تجسيد آخر لانهيار الثقافة في صربيا»؛ وقد أعدّتها مجموعة ZUK — التجمع غير الرسمي للفن والثقافة. وتضيف العريضة أن الزملاء في الحقل الفني تعرضوا هذا العام لضغوط عدوانية وإجراءات قمعية من الهيكل الحاكم تهدد استقلالية عملهم وظروف معيشتهم وعملهم، وأن الفنانين باتوا مستهدفين علناً من قبل كبار المسؤولين، وأن التمويل الأساسي قُصّ، وأن الموارد والمؤسسات العامة تُعامل كملك خاص للحزب الحاكم بدل أن تكون منفعـة عامة للمواطنين، كما توقفت كليات عدة لأن الشباب يطالب بالتغيير.
لم يردّ لا الفنان ولا وزارة الثقافة الصربية على طلبات التعليق.
ذكر تقرير في موقع Vreme أن اللجنة التي اختارت الفنان ضمت مؤرخة الفن والمنسقة والمديرة بالإنابة لأكاديمية الفنون الجميلة الصربية مريانا كولاريتش؛ يلينا ميداكوفيتش، سكرتيرة مدينة بلغراد لشؤون الثقافة؛ ستانكو بلافوجيفيتش، مساعد وزير بالإنابة في قطاع العلاقات الدولية والاندماج الأوروبي في الثقافة؛ ميودراغ إيفانوفيتش، مساعد وزير بالإنابة في قطاع الإبداع المعاصر؛ والنحات ميودراغ ميشا روغان.
يضم فريق جاكوفيتش، بحسب Vreme، المنسق توماش كوديلا المدرس لتربية الفن في جامعة أوسترافا التشيكية، ومرشدة سياحية في روما تدعى أولغا تشوتشكوفيتش.
تأتي هذه الخلافات على خلفية اضطرابات أوسع في صربيا: انهيار سقف محطة قطار نوفى ساد بعد تجديدها قبل عام أدى إلى احتجاجات طلابية واسعة طالبت بالمحاسبة وتحولت إلى حركة وطنية؛ وتجمع نحو 325 ألف محتج في بلغراد في مارس. اتّهم فوتشيتش المحتجين بأنهم يتلقون أموالاً من جهات أجنبية ويسعون إلى تدمير صربيا، ووصفهم أحياناً بـ«الشياطين»، بحسب الكاتبة ناتاشا تريبني، بينما نفّذت أيضًا احتجاجات مضادة منظمة من قبل الحزب الحاكم.
قالت الفنانة مارينا ماركوفيتش، المقيمة بين بلغراد وباريس، في مقابلة هاتفية: «أحياناً يكاد أن يكون الخارج ساحة حرب أهلية»، واصفة اختيار البينالي بأنه «منطقياً ونهاية وحشية لتفكيك سياسة الفنون البصرية والثقافة خلال أكثر من عقد». وأضافت أن عملية الاختيار كانت صندوقاً أسود بلا شفافية ولا نشر لقائمة مرشحين قصيرة، كما كان معتاداً في السنوات السابقة. واعتبرت أن القرار «إهانة للمجتمع الفني بأكمله».
يعرض موقع جاكوفيتش وصفه كـ«رسّام صربي-تشيكي يضيف ألواناً إلى المشهد البراهي»؛ وهو من مواليد 1964 في ديرفينتا بيوغوسلافيا السابقة، وحاصل على شهادة في الرسم من أكاديمية الفنون الجميلة في براغ. تتناول أعماله تاريخ يوغوسلافيا السابقة والهولوكوست و«كوارث الشيوعية» وحروب البلقان، إلى جانب مواضيع أخف مثل موسيقى الجاز.
يقول بيان الفنان: «أحب أن أرسم ما أختبره من دون تزييف؛ ذهني ليس موجهاً لتحقيق توقعات عبر لوحاتي بل للتعبير عن ذاتي. أحاول أيضاً الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي قدر الإمكان لأن الضجيج الرقمي مشتت». وعلى الرغم من مشاركاته الدولية من لندن إلى براغ، لا يذكر موقعه البندقية، لكنه يشير إلى حصوله على وسام ذهبي من الرئيس الصربي تقديراً لإنجازاته الفنية الاستثنائية.
علّقت ماركوفيتش قائلة: «الوسام الذهبي للفن؟ يبدو كما لو أن شخصاً ما يمزح. لا أحد سمع عنه. لوحاته أشبه بما تجده في الشارع—دون أن أسيء لمن يعرضون أعمالهم في الشارع».
وصفت الفنانة الصربية إيفانا إيفكوفيتش اختيار البينالي بأنه عرض لزيادة تدخل الحكومة في الشأن الثقافي: «كنا نُترك وشأننا سابقاً، لكنهم اليوم لن يتركوا لنا مساحات حرة». وأشارت إلى أن البرلمان الصربي صوّت الشهر الماضي على سحب الحماية الثقافية عن معلم معماري في البلاد، ما فتح المجال أمام عائلة الرئيس الأمريكي السابق لإقامة فندق فاخر هناك.
وأضافت: «إنها كفيلم سيئ. تعبنا من السخرية. ننتظر أن نلامس القاع لكنه لا يأتِ أبداً».
تُشير تريبني إلى أن المشهد الثقافي عانى من ازدراء المؤسّسات، فتم تعيين قائد شبه عسكري سابق رئيساً لمجلس المسرح الوطني في بلغراد، ومُنح منصب مدير مسرح شاباتش لعضو في حزب التقدميين. وذكرت إدارة مهرجان Exit في نوفى ساد أنه عندما زارت نائبة البرلمان الأوروبي إيرينا جوفيفا بلغراد والتقت بأعضاء المشهد الثقافي الصربي، أخبرها مؤسس مهرجان Exit دوشان كوفاتشيفيتش أن «المشهد الثقافي والإبداعي الحر في صربيا على شفا الانقراض».