من الصعب تصوّر عدد الأشخاص الذين يمتلكون موهبة حقيقية لأن يصبحوا فنانين ناجحين، ومع ذلك لا يجرؤون على السعي بجدية وراء ذلك بسبب افتقارهم إلى الثقة. كم من الناس، أتساءل، يقضون حياتهم في رسم خربشات على هوامش الدفاتر، أو يتخيلون عوالم معقّدة، ثم يقنعون أنفسهم بأن أعمالهم «ليست جيدة بما يكفي» لعرضها على الجمهور؟
قصة الرسام التايلاندي تاناكان بانغنوي تبرهن ماذا يحدث عندما يكسر المرء حاجز الخوف من الفشل.
يُعرف مهنياً بلقب «فكّر كشارب»، وهو يميّز أعماله بتحويل اللحظات اليومية إلى خيالات ساخرة؛ ومع ذلك كانت بدايته محاطـة بشكٍّ قوِيّ في قدرته. يتذكر: «لم تكن لديّ ثقة في أن رسوماتي جيدة بما يكفي، ولم أجرؤ أبداً على إظهارها لأحد.» رغم نشأته في أسرة مبدعة — حيث كان جده ووالده فنانين موهوبين — واكتشاف شغفه عبر رسوم كتب مفردات اللغة الإنجليزية في سنوات مراهقته، كاد ذلك الفجوة في الثقة أن تُطفئ حماسه.
الشجاعة في المشاركة
أثناء دراسته الجامعية واجه تاناكان مفترق طرق إبداعي. أصبحت صفحة على فيسبوك بمثابة ساحة اختبار له؛ مكان يمكن لأعماله التي تصور الحياة التايلاندية اليومية بغلاف من الفكاهة والسخرية أن تجد جمهورها.
الردود كانت مشجعة إلى درجة دفعته لاتخاذ التزام دائم: نقش على ذراعه عبارة «فكّر كشارب» كتذكار للشجاعة الإبداعية. يقول: «أحياناً ليس افتقاري للمهارة هو ما يعيقني، بل أنا نفسي.»
بحلول 2019 بدأت مسيرته تكتسب زخمًا. كانت رسومه الأسبوعية التي يشاركها في مجموعات فنية على فيسبوك تلاقي صدى وتلفت انتباه كبريات شركات الموسيقى التايلاندية، فتلقّى طلبات لصناعة فيديوهات كلمات الأغاني وتعاون مع مطربين معروفين. اختياره ضمن 200 رسام في معرض التوضيح التايلاندي لعام 2020 أكد مساره التصاعدي.
لكن ثم حدثت كارثة… مرتين. أولاً ألغت جائحة كوفيد-19 مشاريع كثيرة في الصناعة. ثم اخترق قراصنة صفحته على فيسبوك ودمروا سنوات من بناء الجمهور. «شعرت أنني فقدت كل ما بنيته»، يقول مرتعشًا. «الأشخاص الذين كانوا يتابعون أعمالي اختفوا فجأة.»
لأكثر من شهر استبد به الاكتئاب. واجه تاناكان خيارين: الاستسلام أو التجدد. «لكن بفضل حبي للرسم والناس الطيبين من حولي، تمكنت من النهوض والبداية من جديد»، يتذكر. «قررت أن أبدأ صفحة جديدة وأن أُحَدِّث أعمالي بانتظام على إنستغرام.»
علمته التجربة أن الكمالية غالبًا ما تكون عدو التقدّم. «لا شيء في الحياة مثالي تمامًا»، يقول. «الأهم هو أن تكون نفسك.»
المؤثرات والإلهام
يعيش تاناكان الآن قرب سينسيناتي في أوهايو بالولايات المتحدة، حيث يبتكر رسوماً تحتفي باليوميّات. «أعتقد أنه دائماً يوجد شيء ممتع أو طريف في تفاصيل الحياة اليومية»، يضيف. «العالم أصبح أصعب، وكثيرون يضغطون على أنفسهم بشأن المستقبل، بمن فيهم أنا. لكن لا ينبغي أن نغرق في القلق؛ للحياة دائماً طرفة صغيرة ممزوجة بلمسة خيالية.»
«حكايتي غالبًا ما تلامس مشاكل أو مشاهد مختلفة، لكن بطريقة لا تثقل كاهل المشاهد»، يوضح. «أحاول ألا أجعل الناس يشعرون بضغط أو قلق مفرط عند تفاعلهم مع أعمالي. في تايلاند تحدث أمور غريبة باستمرار لدرجة تجعل الناس يضحكون عليها؛ يتكيف التايلانديون أحيانًا بالتعامل بخفة حتى لا يبدو العبء ثقيلاً.»
يعتمد تاناكان كذلك مبدأ البحث عن الكنز في رسوماته. كالمخرج الذي يخبئ “بيض عيد الفصح”، يزرع عمداً تفاصيل صغيرة مرحة في أعماله؛ تقنية مستمدة من حبه للأفلام والألعاب. «عندما يتمعّن الناس في رسوماتي ثم يعودون ليقولوا: “آه، رأيت تلك اللمحة الصغيرة التي وضعتها!” — تلك اللحظة تسعدني جدًا»، يبتسم.
مصادر إلهامه متنوعة، تشمل أسماء ومراجع بصريّة وفكرية، من بينها أعمال لفنّانين عالميين وأجواء السينما وألعاب الفيديو، إضافة إلى تأثيرات محلية من الحياة اليومية والتقاليد الشعبية. هذه الخلطة تمنح رسوماته طابعًا خاصًا يمزج السخرية الرقيقة بالنظرة الحالمـة.