إذا شعرت بالانبهار أو بالإرهاق أمام تسارع دخول الذكاء الاصطناعي إلى كل زاوية من زوايا العمل الإبداعي، فأنت لست وحدك. يكاد كل أسبوع يحمل أداة جديدة تدّعي أنها ستغيّر طريقة صنع الفن، تصميم العلامات التجارية، أو سرد القصص.
لكن ماذا لو كانت الثورة الحقيقية ليست في اعتناق مزيد من التكنولوجيا، بل في أن نتذكّر ما الذي يجعلنا بشراً بالأساس؟
مشروع برليني من Kenza يطرح بالضبط هذا السؤال. ومن المنعش أن ترى شركة تتبنى موقفاً جريئاً بهذا الشكل. فيلمهم المبهر “Poetry of Mindful Motion” يمثل ما ينقص الساحة هذه الأيام: احتفاءً بفن الإنسان الخالص، مدعومًا بالتقنيه لا مستبدلاً به.
الشغف يلتقي الدقّة
تأسست Kenza عام 2018، ومنذ ذلك الحين كانت تبني شيئاً مميزاً بهدوء. ليست مجرد استشارات تصميم تقليدية؛ فهم أتقنوا الجوانب التقنية — من ويب 4.0 إلى بيئات الميتافيرس ودمج التقنيات المتقدّمة — لكن مشروعهم الأخير يكشف عن فهم أعمق: شركة تفهم روح الإبداع حقاً.
نواة المشروع الثقافي هي تعاون يكاد يبدو وكأنه حلم. ديفيد موتا سواريس، الراقص الرئيسي في Staatsballett Berlin والذي سبق أن كان أصغر راقص أجنبي رئيسي في مسرح البولشوي بموسكو، تحوّل إلى شخصية رقمية بدقّة مدهشة. الحديث هنا عن التقاط أدق حركات الأصابع، كل القفزات القوية، ذلك النوع من البراعة الذي تحتاج عقوداً لإتقانه.
اللمسة البشرية
المتعاونون الإبداعيون نوسي بوروڤاتش وتيم جوكل وفريقهما لم يقدموا مجرد عرض تقني؛ صنعوا عملاً يحسّه المرء شخصياً وحتى روحانياً. والأهم أنّهم فعلوا ذلك من دون ذرة مساعدة من الذكاء الاصطناعي. في عام 2025، لم يعد هذا خياراً إبداعياً فحسب، بل بيان مبادئ.
لنكن صريحين: جميعنا شعرنا بنوع من الانزعاج أمام فيض الأعمال المولّدة آلياً على منصات التواصل. ثمة شيء مفقود، أليس كذلك؟ تلك الصفة اللامحددة الناتجة عن خبرة إنسانية سنوات طويلة من التدريب، وعرض الذات في العمل. Kenza تفهم هذا الإدراك حدسياً.
قرارهم بتجنب الذكاء الاصطناعي في هذا المشروع تحديداً بدا ثورياً وضرورياً. كما يوضحون: رؤيتهم هي “خلق تجربة فنية سامية” تجمع عناصر إنسانية — الباليه، الشعر، الحرف التقليدية — وتستخدم التكنولوجيا كأداة لا كعكاز.
وهم لا يكتفون بالقول، بل يعيشنها: كل عنصر في المشروع يعكس ما يسمّونه “رؤية فنية إنسانية خالصة وخبرة تقنية”. لأولئك منا الذين يشهدون تحوّل المشهد الإبداعي تحت أقدامنا، يشعر هذا كمن يرمي لنا طوق نجاة.
البحث عن المعنى في الحركة
الأساس الفني يستمدّ جذوره من “حديقة الروح”، مجموعة من أعمال الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي في القرن الثالث عشر. قد يبدو ذلك متعاليًا، لكن Kenza نجحت في جعله وظيفياً. على خلفية صحراء ساحرة، يتبع أداء سواريس دعوة الرومي لـ”غسل جناحيك من طين الأرض واتباع أثر من سبقوك”.
ما كان ليتحول إلى تعالٍ يصبح عميقاً عبر ترتيب رقصي دقيق. تتكشف الرحلة في تسلسلات تبدو قديمة وحديثة في آن واحد: المقاومة الأولية تُجسّد بحركات متوترة ممتدة باتجاه الأرض؛ الاستسلام يظهر حين يتحرر الراقص من قيود غير مرئية؛ تطهير الروابط الأرضية يتحقق عبر إيماءات سائبة؛ وأخيراً اندفاع نحو التنوير يُعرَّف بقفزات قوية وزخم جارٍ.
هذا النوع من الأعمال يذكرك لماذا بدأ البشر في صنع الفن: ليس لعرض القدرة التقنية، بل لفهم الوجود. لإيجاد معنى في الحركة. للتواصل مع شيء أوسع منا.
ما المغزى؟
لمحترفي الإبداع، نهج Kenza يقدم ما نفتقده بشدة اليوم: منظور. أظهرت أن التكنولوجيا المتقدمة يمكن أن تضخّم التعبير الإنساني بدل أن تحل مكانه. هذه ليست مجرد أخبار سارة — بل أخبار ضرورية لكل من يتساءل كيف يبحر في هذا العالم الغريب حيث تستطيع الآلات الرسم والكتابة والتصميم.
رحلتهم تعكس تجربة كثيرين منا. منذ تصميم الشخصيات الافتراضية عام 2015، مرّوا باستكشاف ويب3، البلوك تشين، ومنصات الميتافيرس — كل التقنيات الصاخبة التي وُعِدت بتغيير العالم. لكن مشروعهم الأخير يظهر فهماً ناضجاً لمتى نحتضن الابتكار ومتى نتراجع لنعيد تذكّر الأهم.
محفظتهم أوسع من ذلك: مشاريع تحول عالمية لقادة السوق، منشورات علمية، وعلامات ثلاثية الأبعاد متقدمة. لكن العمل الثقافي هذا يكشف عن رؤيتهم الحقيقية: التكنولوجيا في خدمة الانسانية، لا العكس.
الحكمة تلتقي الابتكار
في زمن متصدّع وسريع الحركة، ثمة معنى عميق في تأصيل مشروع تقني عالٍ بهذه الحكمة الرومانية (الرومي) وتراث شمال أفريقيا والشرق الأوسط الثقافي. Kenza تقترح أن الحكمة القديمة والتكنولوجيا المعاصرة يمكن أن تصنع شيئاً شافياً حقاً.
هذا ليس تزييناً ثقافياً فحسب — بل جوهريّ لما يجعل المشروع ينجح: بتشابكها مع ما هو خالد، خلقت فناً يتجاوز عروض التكنولوجيا الاعتيادية. تتجلّى التجربة، كما يصفونها، في رحلة تحويلية تحتفي بالكشف والحرية والروح والانسجام الكلي.
ستنبض هذه الرؤية بالحياة من خلال عرض غامر ضخم النطاق في عرضها العالمي الأول؛ تجربة متعددة الحواس تقود المتفرّج في مسار تغييري شامل، ولا نستطيع الانتظار لرؤيتها وملاحظة تفاعلات الجمهور معها. وفي الوقت نفسه، تعمل كنزة بالفعل على جزء ثانٍ من «شعر الحركة الواعية»، الذي سيتوسّع ليشمل راقصين أكثر، وتراكيب حركية أوسع، وتقنيات غامرة معزّزة تُعمّق انغماس الحضور.
بالنسبة لمن يحاولون قراءة اتجاهات الإبداع المستقبلي، تمنحنا كنزة أملاً واضحًا: لقد برهنت أن أعمق التجارب الرقمية لا تزال تتطلّب العناصر الإنسانية الجوهرية — الحدس، والمعرفة الثقافية، والعمق العاطفي، ورؤية فنية تنبثق من التجربة الحياتية لا من المعالجة الخوارزمية.
في عالم غالبًا ما يندفع بسرعة تفقدنا معها صلتنا بما يجعلنا بشراً، تشكّل أعمال كنزة تذكيرًا رقيقًا بأن الابتكار والإنسانية ليسا خيارين متنافيين؛ بإمكاننا أن نحيي الاثنين معًا ما دمنا نحتفظ بالهدف الحقيقي لجهودنا.