لون بانتون لعام 2026 ظلّ أبيض — اختيار يفتقر إلى الحساسية

في وقت تتصدّر فيه جدالاتُ أهميةِ البياض السياسي المشهدَ في الولايات المتحدة وأوروبا، أعلنت شركةُ بانتون اختيارَ ظلٍ من الأبيض أسمته «كلود دانسر» لونَ السنة لعام 2026.

في بيانها الترويجي المتغنّي بالدرجات، وصفت بانتون كلود دانسر بأنه «أبيضٌ رقيقٌ يشبه السُحُب، ينبعث منه شعورٌ بالسكينة» و«رمزٌ لتأثيرٍ مهدِّئ في مجتمعٍ محموم يعيد اكتشافَ قيمة التفكير المتأنّي والتأمل الهادئ» — كلامٌ يشي بثقلٍ معنوي لا يستهان به، حتى أنك قد تنسى أن الأبيض في السياق الفني والتقني لا يُعتبر لونًا بالمفهوم الصارم. فبحسب أدوب على موقعها، «أسودُ وأبيضُ ليسا لونين، بل ظلال»، ومعجم ميريام-وبستر يعرف الأبيض بأنه «خالٍ من الألوان». لكن لندع المعاجم جانبًا وننتقل إلى ما تعلنه بانتون نفسها.

تشرح ليتريس إيزيمان، المديرة التنفيذية لمعهد ألوان بانتون، سبب اختيار كلود دانسر قائلةً في بيان الشركة: «في هذا الزمن التحولي، ونحن نعيد تخيّل مستقبلَنا ومكانَنا في العالم، يُقدّم PANTONE 11-4201 كلود دانسر نغمةً بيضاءً متحفظة تعد بمساحةٍ من الوضوح. الضوضاء التي تحيط بنا باتت طاغية، فتصبح أصعبَ على سماع أصوات ذاتنا الداخلية. كلود دانسر هو بيانٌ واعٍ للتبسيط، يعزّز تركيزنا ويحرّرنا من مشتتاتِ المؤثراتِ الخارجية.»

هل تُشير هذه «المؤثرات الخارجية» إلى التحول المحافظ في الولايات المتحدة وأجزاءٍ من أوروبا، أم إلى الحروب في السودان وأوكرانيا وغزّة، أم إلى المخاوف الواسعة من الرقابة؟ بانتون، تلك الشركة ذات التأثير في أذواق الفنانين والمصممين، لم تُفصح عن أيّ سياقٍ سياسي في بيانها؛ البيانُ يوحي عمليًا بأن كلود دانسر يتربع فوق باقي النغمات. لا أظن أن بانتون تقصد أن يجعل اختيارَها نقطةَ احتدامٍ جديدة في نقاشات التفوّق الأبيض، مع ذلك يبدو أن التهرّب من الاجتهاد السياسي جزءٌ من الرسالة.

يقرأ  زيارة تاريخية لمسؤول سوري إلى الولايات المتحدةتقرير توضيحي: كل ما تحتاج معرفته

اختارت بانتون مسارًا أقلّ سياسوية. مجلة فوغ كتبت أن الأبيض «لا يزعج، ولا يهز القارب». ولفتت إيزيمان إلى أن كلود دانسر «ليس أبيضًا صارخًا، بل ظلٌّ طبيعي من الأبيض»، كدليلٍ على أنه ليس هجوميًا. أما لوري برسمن، نائبة رئيس معهد ألوان بانتون، فقالت إن اختيار اللون يدور حول «تشجيعك على استخدام خيالك وإدخاله بطريقة تناسبك وكيف تريد أن يراك الآخرون وكيف تريد أن تشعر».

هذا الطرح يُقوّي فرضيةَ البياض كقاعدةٍ مرجعية—كـ«مقياسٍ» يُقارن به الجميع، إذا اعتبرناه لونًا فعلًا. ويأتي هذا الاختيار في توقيتٍ سياسي حساس، خاصة في بلدٍ لديه رئيسٌ أعاد في 2020 نشر تغريدةٍ من منشورٍ محافظ مفادها أن مضمونَ الحركةِ «المناهضة للبياض» أُلغي نهائيًا، وفي ولايته الثانية سار على خطى ذلك بدعواتٍ لإلغاء برامج التنوع المموّلة حكوميًا وبانتقادات لمتحف سميثسونيان لأن نصوصه الجدارية ذكرت «الثقافة البيضاء».

قد يبدو طلبُ المزيد من الجدية من بانتون مفرطًا، لكن الاختيارات السابقة للشركة كانت أقلّ إثارةً للجدل السياسي: في 2025 اختارت بانتون «موكا موس» وهو ظلٌّ بني يداعب «رغبتنا في الراحة» من خلال ربطه بالشوكولاتة والقهوة، وقبلها، في ذروة موجة الـ Barbiecore، اختارت ظلًّا من الزهري (ميجنتا تقنيًا) لكونه «جريئًا ولا يخاف». لكن في عصرٍ يتصاعد فيه التوتّر وارتفعت المخاطر، كان من المأمول أن تتجه بانتون إلى قرارٍ أكثر حساسية.

ولم يفتقر الاختيار إلى من لفتِ نظره؛ فانيسا فريدمان، مراسلة الموضة في نيويورك تايمز، علّقت بأن هذه الخطوة قد تستحضر «ارتباطاتٍ أقلّ حميدة». وردّت برسمن على مثل هذه المخاوف قائلةً لواشنطن بوست إن «درجات البشرة لم تؤثر في هذا الاختيار إطلاقًا.» تصريحٌ قد يكون بحد ذاته دالًا، لأنه يشي بشيءٍ من العمى العرقيّ عند كيانٍ يصف نفسه بأنه «المصدر الرائد لخبرة الألوان».

يقرأ  من التدريب إلى التحوّلنحو تغيير سلوكي فعّال

أعاد الإعلان إلى ذهني معرض فنّي شاهدته في 2018 بمكانٍ يُدعى ذا كيتشن في نيويورك بعنوان «عن البياض»، أشرف على تنسيقه مع معهد الخيال العرقي الذي أسّستْه كلوديا رانكين. استلّ المعرضُ فكرَه من مقالٍ لسارة أحمد عام 2007 تساءلت فيه: «إذا اكتسب البياض أثرًا لأننا لا نلاحظُه، فماذا يعني أن نلاحظه؟» من بين الفنانين كانت شارلوت لاغارد، التي قدّمت مشروعها «البيض الاستعماري» عام 2018، حيث وزّعت على المشاركين شريحة طلاء مُوسومة بـ Colonial White وطلبت منهم إرجاع صورة تُقارن الشريحةً بمشاهدٍ التقطوها في الواقع؛ عادت إليها صورُ مناديل المائدة ومقاهي القهوة ومبنى الكابيتول الأمريكي، مواصلةً ما وصفته الفنانة بـ«حوارٍ حول العنصرية الهيكلية».

ماذا لو كرّر أحدهم تجربة لاغارد مع كلود دانسر؟ أشجع أحدًا على المحاولة؛ فمثل هذا التكرار قد يُبقي الحوار مستمرًا ويبرز ما تعنيه نغماتُ الأبيض هذه في فضاءاتنا العامة والخاصة.

أضف تعليق