أتلانتا — يقع مجمّع بولمان ياردز على بعد نحو أربعة أميال عن وسط المدينه، وهو كتلة متراخية من المباني الصناعية القديمة، تقودها بناية ضخمة من الطوب والزجاج والصلب، بأرضيات خرسانية مهترئة كانت تُصلح فيها عربات السكك الحديدية قديماً. بعد فترة من الإهمال صارت المساحة الشاسعة مقصداً لفنَّاني الجرافيتي المحليين، واليوم أعيد تهيئة المكان ليصبح فضاءً للفعاليات وجهةً ثقافيةً، حيث احتضنت البناية معرض أتلانتا للفنون الذي تميّز بتنوّع المعروضات وجمهور مرحّب وغير متصنّع.
اطلق معرض أتلانتا للفنون العام الماضي شركة Art Market Productions (AMP)، وهي ذراع من وكالة التسويق التجريبي a21، بخلاف المعارض التي تبدأها دور المزادات أو الفنانون أنفسهم؛ وتدير AMP أيضاً معرض Art on Paper إلى جانب معارض سياتل وسان فرانسيسكو. لشركة تضع نصب عينيها تنظيم فعاليات خارج أسواق الفن التقليدية، لم يكن اختيار أتلانتا مفاجئاً نظراً لتركيز شركات قائمة ضمن قائمة Fortune 500 وازدهار قطاعات التكنولوجيا والرعاية الصحية هناك. ومع ذلك، تعاني المدينة من تباينٍ شديد في الدخل داخل الولايات المتحدة، وهو تفاوت يتقاطع بقوة مع خطوط العِرْق في منطقة كانت لوقت طويل موطناً لأغلبية سوداء. كما وصفت سارة هيغينز، المديرة التنفيذية والفنية لمجلة Art Papers المحلية، المنطقة بأنها «أحياناً مثيرة للإعجاب، لكن دائماً في هامش الخط»، وقالت هذا الكلام خلال حديث أُلقي في عطلة نهاية الأسبوع نفسها التي أقيم فيها المعرض؛ وتُعلن المجلة عن إيقاف عملياتها في 2026.
تجعل هذه التناقضات من الصعب تعميم التوقّعات والوقائع التي جاء بها زوار المعرض. كانت الأعمال المعروضة غير متوقعة بطبيعتها، ما دعا الحاضرين إلى مزيد من اليقظة أثناء تجوالهم — من أعمال الخشب المطروقة لِـ J. Ruel Martin التي قد تتوقّع رؤيتها في فضاءات الحرف، إلى قطع لأسماء لامعة مثل كيث هارينغ ومكلين توماس، وعروض لأجنحة غاليريات أصغر لا تشارك تقليدياً في معارض كهذه، ومعرض لطلبة كلية سافانا للفنون والتصميم (التي لها فرع في أتلانتا)، مع تأكيد عام على فناني المنطقة وفناني اللون.
لافت للنظر أن الكثير من الأجنحة أرفقت أسعاراً بجانب الأعمال — وهو أمر نادر في معارضٍ غالباً ما تُحيط به حواجز تحول دون اطلاع الزوار على أبسط المعطيات. وكانت تلك الأسعار في كثير من الحالات في متناول اليد، إذ تراوحت غالباً بين 100 و1000 دولار. كذلك كان لمشروع Open Editions، المقيم في سان فرانسيسكو والمتعاون مع فنانين لإنتاج سلع مبنية على أعمالهم، ركن زاويَاً مبشِّراً حيث غادر الزوار حاملين حقائب قماشية وبطاقات ودبابيس بأسعار تبدأ من 10 أو 20 دولاراً.
سألت بعض المشاركين عن دوافع قدومهم إلى معرض أتلانتا، فتحدّث جوناثان كارفر مور، صاحب غاليري يحمل اسمه في سان فرانسيسكو ويمثّل فنانين من مجتمعات BIPOC وLGBTQ+ والنساء، قائلاً: «عندما أزور نيويورك ولوس أنجلوس وميامي — هذه مدن نتوقّع فيها وجود معارض فنية. لكن أظنّ أن هناك جمهوراً كامناً، وقاعدة جامعين، وثقافة نفتقد رؤيتها أحياناً». لم يشارك مور في النسخة الافتتاحية للمعرض لكنه شارك سابقاً في معارض أخرى تنظمها AMP.
على مستوى الغاليريات الإقليمية، تكرّر الحديث عن رغبة في التواصل مع نظرائهم من الجنوب الشرقي. ذكر هانت بنينغتون وجوشوا إدوارد بينيت من غاليري Tinney Contemporary بنشڠفل ( Nashville )، الذين شاركوا للمرة الأولى في معرض، أن سهولة استئجار شاحنة U-Haul ونقل الأعمال بنفسهم إلى أتلانتا كانت عاملاً حاسماً في قرارهم الحضور. ومن تينيسي أيضاً، قالت لورين كينيدي من Sheet Cake Gallery، التي تشارك بانتظام في معارض كبرى مثل Armory Show وNADA، إنها شعرت براحة أكبر في أتلانتا وبتأنٍّ أكبر في اختياراتها: «العمل خارج نيويورك ولوس أنجلوس مهم للغاية».
مثل هذا الجناح المحليّ مثّل تجربة مختلفة للفنانين المحليين. عرض جان باتريك إيكار-بيير أربع أعمال من سلسلة Boxed In (2025) في جناح تابع لغاليري 305 الذي أداره فنانون ناشئون في أتلانتا، ويأسف لندرّة الفضاءات التي يديرها الفنانون أو المنظمات غير الربحية في المدينة. ولَيلَى جانِي، التي شاركت بـ«مدينة في غابة» (2025)، تركيباً تعاونت فيه مع شانيل أنجيلي وتم تكليفه من قِبل مختبر Public Art Futures التابع لهيئة فنون وثقافة مقاطعة فولتون، عبّرت عن حماسها لعرض عملها بجانب أسماء معروفة دولياً. ولاحقاً شهد المعرض إطلاق جائزة Balentine التي تركّز على الفنانين العاملين في أتلانتا أو الجنوب الإقليمي، لتمنح بعض التكريم للمواهب المحلية المشاركة.
في المجمل، قدّم معرض أتلانتا للفنون أجواءً مرحَّبة وسهلة المنال مقارنة ببعض المعارض الكبرى؛ ومع ذلك يواجه بنفس الوقت معضلةً اعتيادية في هذا النوع من الأحداث: رسوم دخول مرتفعة نسبياً — إذ تقترب تذاكر اليوم الواحد من 50 دولاراً بعد احتساب الضرائب والرسوم. يبقى السؤال ما إذا كان بالإمكان المحافظة على هذا الانفتاح والترحاب على المدى الطويل، فالمعرض في نهاية المطاف سوق، وتظل المبيعات العامل الحاسم في استمراريته.