كيف يعيق اعتماد المؤسسة على مؤسِّس واحد نجاحها
عنصر الاختناق في مسار النمو
في المراحل الأولى تكون متطلبات التشغيل محدودة نسبياً، ومع نمو الشركة تتعاظم الحاجة إلى اتخاذ قرارات يومية متزايدة. في الشركات المعتمدة على مؤسّس واحد ترتبط سرعة صنع القرار بمدى تفرّغ هذا الشخص، ما يحول دون مرونة الاستجابة لمتطلبات الأسواق وتوسع الأنشطة. التأخير في الموافقات أو في إعطاء التوجيهات يبطئ وتيرة تطوير المنتجات واختبارها وإطلاقها، ويخلق عنق زجاجة يعيق قابلية التوسع.
ركود الابتكار
النشأة المبكرة للشركات غالباً تقوم على رؤية مبتكرة للمؤسس، لكن الاستمرار في الاعتماد الحصري على أفكاره يحدّ من تنوّع الحلول. عندما يشعر الموظفيين أن صوتهم لا يؤثر أو أن الفكرة الصحيحة لا تُحتَرم إلا إذا صدرت عن المؤسس، يتلاشى الحماس للإبداع والتحدّي، فتتباطأ القدرة على التكيّف وتضعف الميزة التنافسية.
عزلة المعرفة وتفكك الأنظمة
أحد أبرز آثار هذا الاعتماد يظهر في إدارة المعرفة: غياب نظم موثقة لتخزين وتناقل المعلومات يؤدي إلى احتفاظ المؤسس بكل المعارف في رأسه وتداولها شفوياً فقط. النتيجة أن كل مشروع يُعاد بناؤه من الصفر، كما أن برامج التدريب تقتصر غالباً على معالجة الأزمات لا على ترسيخ معرفة مستدامة للموظفين، فتتكوّن صوامع معرفية تعوق الفاعلية المؤسسية.
الأثر المالي والتمويل
الاعتماد على مؤسس واحد ينعكس سلباً على القدرة على جذب استثمارات كبيرة. المستثمرون يترددون في ضخ رأسمال في كيانات ترتكز على شخص واحد فقط، لأن المخاطر ترتفع حال فقدانه أو انشغاله. كذلك، محدودية قدرة المؤسس على المشاركة مع أصحاب المصلحة تقطع الطريق أمام بناء شبكة علاقات تمويلية واسعة، مما يحدّ من تمويل النمو.
صعوبات جذب والاحتفاظ بالمواهب
المنظمات التي لا تمنح مساحة للتطوّر المهني والابتكار تصطدم بصعوبة في جذب الكفاءات العليا والاحتفاظ بها. المهنيون الطموحون يبتغون بيئة تمكّنهم من اتخاذ المبادرة والتأثير؛ وفي غياب هياكل واضحة للاستقبال والتدريب، تقل فرص بقاء الناشئين الذين قد يقبلون بالعمل مبدئياً لكن يغادرون سريعاً بسبب غياب آليات التطوير والاستفادة من مهاراتهم.
تأثيره على ثقافة الشركة
عندما يدور كل شيء حول شخص واحد تتغير سلوكيات الأفراد لتتلاءم مع هذا الواقع؛ يتكوّن تسلسل هرمي غير رسمي يمنح امتيازات لأقرب المقربين من المؤسس لأنهم يمتلكون “مصدر المعرفة”، بينما لا تُكافأ المبادرة والابتكار. هذه الثقافة هشة وغير مرنة، في حين أن تبني ثقافة مؤسسية تقوم على مشاركة المعرفة والتعلّم المشترك يولّد مرونة وثقة وقدرة أفضل على مواجهة الأزمات.
الخاتمة: من مرحلة الاعتماد إلى الاستدامة
اعتماد المؤسس ليس بالضرورة أمرًا سلبيًا، بل هو مرحلة طبيعية في عمر الشركات. إلا أنّ التحول السريع نحو مؤسسية أقوى يتطلب توثيق المعرفة وبناء قواعد بيانات قابلة للوصول، تفويض صلاحيات وخلق مسارات قرار واضحة، تشجيع المبادرات والممارسات التي تكافئ الابتكار، واستثمار الوقت في تصميم برامج تدريب وتطوير فعلية. مشاركة القيادة والمعرفة مع الفريق لا تضعف المؤسس، بل تُمَكّنه من بلوغ آفاق نمو أوسع وفتح فرص حقيقية لكل من الشركة والعاملين فيها.