بينما يتصارع الجمهوريون والديمقراطيون على كسب الأفضلية في أزمة إغلاق الحكومة الفيدرالية، ركّز الرئيس دونالد ترامب هجومه على هدف جديد قد يكسر الجمود: إلغاء قاعدة الاعتراض الطويل في مجلس الشيوخ المعروفة بالفيلِبستر.
نشر ترامب على منصة “تروث سوشيال” مناشدات حثّ فيها أعضاء المجلس على إنهاء الممارسة التي تتطلب حصول أي تشريع على 60 صوتاً للمضي قُدماً إلى المداولة النهائية. هذا العتبة ذات الـ60 صوتاً تعني أن الجمهوريين لا يستطيعون الاكتفاء بأصوات نوابهم الـ53 لتمرير تشريع تمويل الحكومة، بل يحتاجون إلى تأييد سبعة ديمقراطيين أو أكثر نظراً لتوزع المقاعد 53-47.
يستخدم الديمقراطيون النفوذ الذي تمنحه لهم قاعدة الفيلِبستر للضغط على الجمهوريين لتمديد دعم قسائم قانون الرعاية الصحية الميسّرة (ACA) قبل أن تنتهي مددها، ما جعل المفاوضات حول تمويل الحكومة أكثر تعقيداً إذ دخل الإغلاق شهره الثاني.
كتب ترامب في 2 نوفمبر 2025: «أنهوا الفيلِبستر، ليس فقط من أجل الإغلاق، بل من أجل كل شيء آخر». وأضاف أن الديمقراطيين سيُنهيونه «فور حصولهم على الفرصة، وقيامنا بذلك لن يمنحهم تلك الفرصة».
تسمية «الخيار النووي» تُستخدم في المناورات البرلمانية لوصف عملية استخدام أغلبية بسيطة لرفع القواعد التي تتطلب سابقاً أغلبية معززة؛ وقد أوضح عالم السياسة في جامعة ولاية أريزونا ستيفن سميث أن ضغط الرئيس على هذا الخيار يمكن أن يغيّر مجريات الأمور. استدعى سميث تاريخاً طويلاً من المحاولات لتجاوز الفيلِبستر، مشيراً إلى أن الرئيس وودرو ويلسون أيد أول حلول عملانية أُقرت في 1917.
رغم أن ترامب حصل على دعم الجمهوريين في الكونغرس في قضايا عديدة خلال ولايته الثانية، إلا أن أغلب قادة الجمهوريين في مجلس الشيوخ لم يستجيبوا لطلبه بإلغاء الفيلِبستر. زعيم الأغلبية في المجلس، جون ثون من داكوتا الجنوبية، كرر معارضته لإلغاء هذه الآلية، وينضم إليه في ذلك عدد من الجمهوريين الآخرين بينهم السناتور جون كورتس من يوتا والسناتورة ليزا موركوفسكي من ألاسكا.
السناتور جون كورتس غرّد قائلاً: «الفيلِبستر يجبرنا على إيجاد أرضية مشتركة في مجلس الشيوخ. السلطة تتغيّر، لكن المبادئ لا ينبغي أن تتغيّر. أنا أقول لا حازماً لإلغائه.» (31 أكتوبر 2025)
إذا ظل هؤلاء الجمهوريون متصلّبين على موقفهم، فلن يملك ترامب أصواتاً كافية لرفع هذه الممارسة. كما قال سميث: «لا نبدو أقرب إلى ‘تفجير’ الفيلِبستر التشريعي مما كنا عليه خلال عقود.»
ما هو الفيلِبستر وكيف يعمل؟
الفيلِبستر لم يُؤسس عبر نص دستوري صريح. الدستور يفوض مجلس الشيوخ وضع قواعده الداخلية، وعلى مدى تاريخ المجلس كان نائب واحد قادراً على تعطيل الإجراءات عبر الاعتراض الطويل. في 1917 أقرّ المجلس إجراءً يُعرف بالإغلاق النقابي (cloture) الذي كان يتطلب آنذاك ثلثي الأصوات الحاضرة والقائمة لقطع الاعتراض والمضي في الأعمال، ثم في 1975 خفّض المجلس هذا الشرط إلى ثلاثة أخماس الأعضاء، أي ما يعادل الآن 60 سيناتوراً.
أصبحت تلك الـ60 صوتاً حاجزاً بارزاً في هيئة نادراً ما يملك فيها طرف واحد مثل هذا العدد من المقاعد، لا سيّما مع ارتفاع مستوى الاستقطاب بين الحزبين في السنوات الأخيرة.
كيف يُمكن نشر الخيار النووي؟
آليات الخيار النووي معقّدة حتى بمقاييس المناورات البرلمانية؛ فهي تتطلّب سلسلة من الخطوات المنسقة بحيث تقترح أغلبية الحزب الحاكم تغيير قاعدة الأغلبية المعززة من خلال سلسلة من التصويتات التي تحتاج في كل منها إلى أغلبية بسيطة فقط. الخيار النووي ليس بالضرورة أن يمحو الفيلِبستر كلياً؛ يمكن تخصيصه لأغراض محددة — تكتيك استُخدم من كلا الحزبين خلال السنوات الماضية.
في 2013 لجأ الديمقراطيون إلى الخيار النووي للموافقة على أغلب مرشحي السلطة التنفيذية والقضاء بعد أن رفضت الأقلية الجمهورية المصادقة على كثير من مرشحي الرئيس باراك أوباما. لكن ترشيحات المحكمة العليا أبقيت آنذاك خاضعة لحاجز الـ60 صوتاً حتى 2017، حين أزالها الجمهوريون عبر نفس النهج. الآن، تُقرّ معظم التعيينات بأغلبية بسيطة، بينما تبقى الأعمال التشريعية العادية رهينة حاجز الـ60.
هل للفيلِبستر قدرة على البقاء؟
من الممكن تقليص أثر الفيلِبستر بتقييده لقوانين الإنفاق المثار عليها الخلاف في أزمة الإغلاق، من دون إلغائه عن كامل الأعمال التشريعية. خلال رئاسة جو بايدن حاول بعض الديمقراطيين إنهاء الفيلِبستر بالنسبة للتشريعات المتعلقة بالتصويت، بما كان سيخدم مشروع قانون انتخابي مدعوماً من الحزب، لكن تلك المحاولة لم تنجح.
يُطرح ضد إلغاء الفيلِبستر حجّتان رئيسيتان: أولاهما أن أغلبية اليوم قد تتحول إلى أقلية غداً. ثانياً، أن الجمهوريين تاريخياً كانوا أكثر تقديراً للفيلِبستر من الديمقراطيين، لأن وجوده يصعّب إنشاء برامج فيدرالية جديدة وهي غاية كثير من الديمقراطيين.
لدى الديمقراطيين سبب آخر للحفاظ على قاعدة الأغلبية المعززة: كل ولاية تحصل على مقعدين في مجلس الشيوخ بغضّ النظر عن عدد سكانها، ومع اتجاه عدد أكبر من الولايات إلى أن تكون موالية تقليدياً للجمهوريين، فإن الديمقراطيين يواجهون عائقاً هيكلياً طويل الأمد في المجلس، لذا سيرغب نوابهم في الاحتفاظ بصلاحية الفيلِبستر كوسيلة للحفاظ على قدرة معارضة.
حجّة معاكسة ملحوظة هي أن إلغاء الفيلِبستر يمنح كل سيناتور منفرد نفوذاً أكبر داخل المجلس؛ كثيرون سيرفضون التخلّي عن هذا النوع من النفوذ الشخصي حتى لو خدم ذلك مصلحة حزبهم.