الانقلاب الحقيقي في بنين وقع بالفعل خلال ولاية الرئيس تالون آراء

امتد حزام الانقلابات في أفريقيا إلى جبهة جديدة في 7 ديسمبر، عندما ظهر جنود على شاشة التلفزيون الرسمي في بنين يعلنون تولّي السلطة. بزعامة المقدم لواء باسكال تيغري وتحت اسم “اللجنة العسكرية لإعادة التأسيس”، أعلن ثمانية عناصر بالزيّ العسكري “إعفاء” الرئيس باتريس تالون من منصبه، وتعليق الدستور، وحلّ مؤسسات الدولة، وإغلاق الحدود.

توقّع المراقبون سيناريو مألوفًا: استقالة قسرية، احتجاز أو إقامة جبرية لقيادات، وتصريحات إدانة روتينية من الاتحاد الأفريقي ومجتمع الدول الأفريقية لآنه (الإيكواس). لكن بحلول الظهيرة تبدّلت الصورة.

خلال ساعات من البث، أعلن وزير الداخلية ألسان سيدو أن محاولة الانقلاب قد أُحبطت. ظهر تالون مجددًا على شاشة التلفزيون، وأعلنت السلطات توقيف ما لا يقل عن 14 متهماً، بينهم 12 جنديًا. كان المشهد صادمًا على مستوى المنطقة، لكنه لم يكن انقطاعًا مفاجئًا بقدر ما كان ذروة مرئية لأزمة سياسية أعمق امتدت لسنوات.

محاولة الانقلاب كانت مجرد عرض أخير لمرض أعمق. بعد استعادة النظام توقف الإشعاع، لكن لم تستعد الشرعية. الانقلاب الحقيقي في بنين—وهو الانقلاب المنهجي على الديمقراطية—قد وقع بالفعل خلال حكم تالون.

ما أظهره بث الجنود هو مدى تآكل منظومة سياسية كانت قد ضُربت من الداخل. قبل وصول تالون إلى السلطة في أبريل 2016، كانت بنين تُذكر كنموذج لتحوّل سلمي للسلطة، متجذّرًا في مؤتمر فبراير 1990 الذي أنهى حكم الحزب الواحد وأرسى أُسس النظام الحزبي التعددي. تالون، رجل أعمال ضخم وثري من قطاع القطن، ظهر في حملته الأولى كمصلح واعد بتغييرات سياسية وإدارية واقتصادية.

لكن بعد انتخابه تغيّرت المسارات. بدلاً من تقوية الديمقراطية شرع تالون في تفكيك مؤسساتها عبر هندسات قانونية، واستحواذ قضائي، وتعديل قواعد الانتخابات لاستبعاد المنافسين. بدأ الأمر بهدوء عبر تعبئة المحاكم في 2017–2018، مستعينًا بتعيينات رئاسية لتحويل المحكمة الدستورية إلى هيئة موالية، ومنها سُوِّقَت لاحقًا لاستباحة استبعاد مرشحين وإضفاء شرعية على تغييرات دستورية عزّزت السيطرة التنفيذية.

يقرأ  السفن الشراعية العملاقةتبحر إلى أمستردام للمشاركة في مهرجان بحري ضخم

كان الانقضاض القانوني الأول الحاسم في أبريل 2019، حين أدخل القانون الانتخابي الجديد مطلب “شهادة المطابقة” التي أُستخدمت لحرمان قوائم المعارضة بأكملها من المشاركة في انتخابات البرلمان. ونتيجة لذلك ظهر في بطاقات الاقتراع في أبريل 2019 حزبان موالان للحكومة فقط هما الاتحاد التقدمي للتجديد والكتلة الجمهورية، بينما حُظرت تحالفات كبرى من بينها كتلة مرتبطة برونو أموسّو، رئيس البرلمان السابق الذي كان حليفًا سابقًا لتالون.

رصدت هيومن رايتس ومنظمات حقوقية أخرى موجة من الاعتقالات التعسفية والحملات على المتظاهرين السلميين والصحفيين قبيل الاقتراع. ردّ الجمهور بانخفاض حاد في الإقبال: تراجع الإقبال الانتخابي من نحو ثلثي الناخبين في الانتخابات السابقة إلى 27% فقط. وبعدها اندلعت احتجاجات واسعة في كوتونو وبورتو نوفو ومدن أخرى، فكانت السلطات ترد بعنف قتلت فيه عددًا من المتظاهرين واعتقلت عشرات.

في يونيو 2019 خضع الرئيس السابق توماس بوني ياي لحجز منزلي دام 52 يومًا بتهمة التحريض على الاحتجاجات، وبذلك أصبح البرلمان خاليًا من معارضين فعليين، وأصبح التعبير السياسي المعارضة محاطًا بالمخاطر. التراجع السياسي اكتمل في 2021، حين أجريت الانتخابات الرئاسية وسط احتجاجات عنيفة ومقاطعة من أحزاب معارضة، وشهدت عملية الفرز أجواءً من الترهيب، مع تقارير عن مخالفات منهجية، وفاز تالون بنسبة ساحقة بلغت نحو 86%، لكن بعد ذلك اختفى أي وهم بوجود ديمقراطية حقيقية. أي تنافس سياسي تم سحقه عبر اعتقالات سياسية، ومحاكمات عرضية، وأحكام سجن طويلة.

في ديسمبر 2021 حكمت محكمة قضايا الإرهاب والجرائم الاقتصادية على الباحث الدستوري جويل آيفو بعشر سنوات بتهم التآمر وغسيل أموال، وفيما بعد حكمت على المعارضة ريكيا مادوغو بالسجن عشرين سنة بتهمة “المشاركة في أعمال إرهابية” في أحكام وصفها محاموها ومنظمات دولية بأنها ذات دوافع سياسية. وبحلول 2022 كان أكثر من خمسين شخصًا من المعارضين مسجونين بتهم تتراوح بين الإرهاب والتخريب الاقتصادي، رغم إطلاق سراح بعض القيادات خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بينما ظل عديد من الوجوه البارزة وراء القضبان.

يقرأ  من كانت سحر باروخ، الرهينة من غزة التي قُتلت خلال محاولة إنقاذ فاشلة نفذها الجيش الإسرائيلي؟

القمع كان جانبًا من المشروع، أما الجانب الآخر فكان تثبيت المؤسسة. قبل أسابيع من محاولة الانقلاب، في 16 نوفمبر، مرّر البرلمان تعديلات مدّت مدد الرئاسة والهيئات التشريعية من خمس إلى سبع سنوات وأنشأت مجلسًا شيوخيًا معينًا جزئيًا. التعديل، مع بقاء حدّ الولايتين الرئاسيتين، جرى إقراره بأغلبية كبيرة (90 صوتًا مقابل 19) لكن المعارضة نددت بتوقيته وتأثيراته البعيدة المدى، معتبرةً أنه يخلّ بالتقويم السياسي ويعطي انحيازًا جديدًا لصالح السلطة التنفيذية. عندما نُطقت هذه التحذيرات كان الداء قد تفشّى فعلاً.

لذلك فإن الجنود الذين ظهروا على التلفزيون قبل يومين لم يدمّروا ديمقراطية بنين؛ هم كشفوا عن مدى فسادها وتآكلها مسبقًا. تندرج بنين ضمن مسار أفريقي أوسع يشهد مدّ مدد ولايات، ونزاعات دستورية، وظلال تدخلات عسكرية في دول مثل زمبابوي وتوغو وزامبيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو.

الرأي العام يعكس هذا المأزق: أحدث استطلاعات أفروباروميتر في 39 دولة أفريقية تُظهر أن 66% ما زالوا يفضّلون الديمقراطية، لكن أكثر من نصفهم بات يرى التدخّل العسكري مقبولًا عندما يسيء القادة استخدام السلطة. وفي بنين، كما في غيرها، باتت الثقة بالجيش تفوق الثقة بالمؤسسات السياسية في ظل تراجع الإيمان بالانتخابات والحوكمة الديمقراطية. محاكم تُنظر على أنها مُسيّسة وانتخابات فقدت مصداقيتها سلبت الناخبين شعورهم بقدرتهم على التغيير.

الانقلابات لا تنبثق عادة من ثورات مفاجئة في الثكنات؛ بل هي ثمرة تآكل منظم للمؤسسات الديمقراطية عبر استحواذ قضائي، وتزوير قواعد الانتخابات، وتعديلات دستورية تُرسّخ بقاء المسؤولين. تظلّ الانتخابات تُجرى والمحاكم تُعقد، لكنها لم تعد أدوات للرقابة والمساءلة؛ بل أصبحت هيكلًا شكليًا فارغًا من المنافسة والاختيار السياسي. وعندما تنهار المؤسسات المدنية، يستغل الجيش الفراغ—لا ليبنيه، بل ليشغله.

رد فعل الاتحاد الأفريقي والإيكواس جاء بالإدانة وتعهد بدعم النظام الدستوري، لكنه امتنع عن فرض عقوبات فعّالة أو عن إطلاق مبادرات وساطة مستمرة أو ضمانات ملزمة لتدخل انتخابي. في عصرنا هذا، الانحدار الديمقراطي في أفريقيا يُنجم عنه بيان لا نتيجة عملية.

يقرأ  ترامب وميلانيا يلتقيان أفراد العائلة المالكة في قصر وندسور

فشل محاولة الانقلاب في بنين لن يؤمن الاستقرار؛ بل قد يسرّع مسارات التأمين الأمني ويزيد احتمالات الاضطراب. المتمردون برّروا تحرّكهم بفشل السياسات: التعامل مع تهديد جماعات متشددة مرتبطة بالقاعدة وداعش في شمال بنين، إهمال أسر الجنود الذين سقطوا، وقرارات ضريبية ونفقات لم تلاقَ قبولًا شعبياً.

الانتعاش الحقيقي يتطلب قلب سنوات من التراجع الديمقراطي: إطلاق سراح السجناء السياسيين، إلغاء المحاكم الاستثنائية أو إصلاحها، إلغاء قوانين انتخابية جائرة، وضمان استقلال كامل للهيئات الانتخابية عن السلطة التنفيذية. والدستور نفسه يحتاج إلى مراجعة منفتحة وشاملة بمشاركة المجتمع المدني، والأحزاب المعارضة، والمؤسسات المستقلة.

هذه المطالب ليست راديكالية؛ إنها الحدّ الأدنى الديمقراطي الضروري لاستعادة الشرعية والاستقرار. تالون دخل الحكم كمصدر أمل ديمقراطي لبنين، كرجل أعمال وعد بإصلاح الإدارة وتحديث الدولة. بعد ما يقرب من عقد، صار نموذجًا لعودة “الزعماء القُوّاد” بعد الاستقلال: رجوع إلى زمن السيطرة والخوف وفرص مُعلّقة.

ما قام به تالون بالقانون لا يختلف كثيرًا عن عنف العسكريين بالأسلحة في 7 ديسمبر. ومع ذلك، نافذة بنين للإصلاح لا تزال مفتوحة—لكنها بالكاد فتحت.

الآراء الواردة هنا تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

أضف تعليق