التكاليف الخفية لوفرة الأدوات الرقمية في المدارس

لماذا تعتمد المدارس على كمّ كبير من الأدوات الرقمية؟

تخيل مدرساً يحاول كل يوم التعامل مع تطبيقات وحسابات ومنصات متعددة: منصة للواجبات، وأخرى للتقويم، وثالثة للحضور، ورابعة للتواصل مع الأهل. ما بدا في البداية وعداً لتسهيل العملية التعليمية يتحوّل سريعاً إلى عبء يثقل كاهل المعلمين والطلاب والأسر على حدّ سواء. أُدخلت الأدوات الرقمية إلى العملية التعليمية بهدف جعل الدروس أكثر جذباً، وتفصيل التعليم حسب احتياجات الطالب، وتخفيف الأعباء الإدارية على المعلم. فلماذا إذن تتسابق المدارس لاقتناص كل تطبيق جديد يعد بتوفير الوقت أو رفع النتائج أو تقوية التواصل مع أولياء الأمور؟

إمكانات التكنولوجيا في التعليم لا تُنكر: دورات تفاعلية، أتمتة مهام رتيبة، تتبّع الأداء والحضور، وتعزيز الشمولية ودعم المتعلّمين ذوي الاحتياجات المختلفة. لكن عند اعتماد عدد كبير من الأدوات دفعة واحدة، تتلاشى هذه المنافع تدريجياً، وتتحول التكنولوجيا من مساعدة إلى مصدر ارتباك، وهدر مالي، وزيادة التوتر لدى المعلمين والطلاب.

سلبيات الاعتماد المفرط على أدوات التعليم الرقمي

التكاليف المالية المخفية
تركّز المدارس عند اعتماد أداة رقمية غالباً على الوعد الذي تقدمه—تحسين المشاركة، تسهيل التصحيح، أو ابتكارات تربوية—لكنها تغفل التكاليف المتكاثرة. تراخيص وبرامج اشتراك قد تبدو بسيطة كلّ على حدة، لكنها تتكدس عند الاشتراك في عدة منصات مختلفة. ثم تظهر تكاليف البنية التحتية: أجهزة أقوى للطلاب، إنترنت أسرع للمدارس، وطاقم تقني أكبر لمراقبة ودعم هذه الأدوات. النتيجة: استثمار غير متوقع في شبكات وأجهزة وموارد بشرية.

إنها تُجهد المعلمين
تضيف الأدوات الرقمية عبئاً عملياً على المعلمين بدلاً من تخفيفه حين تكون كثيرة ومتباينة. لكل منصة تسجيل دخولها ولوحة تحكمها وخصائصها التي يجب تعلّمها. بدلاً من التركيز على تحضير الدروس أو بناء علاقة مع الطلاب، يقضي المعلم وقتاً في التنقل بين تطبيقات وشرحها أو مشاهدة شروحات عنها. قد يتطلّب الواجب نفسه إدخالاً في نظام إدارة تعلم، ثم رفعه لأداة تصحيح، ثم إبلاغ الأهالي عبر تطبيق آخر—ثلاثة أعمال لعمل واحد، ومعها احتمال الإرهاق النفسي وانخفاض الرضا الوظيفي وحتى الاحتراق المهني. الأدوات المفترض أن توفّر وقت المعلم يمكن أن تفعل العكس إذا تجاوزت حدّ الفائدة.

يقرأ  ضغوط استثنائية في تطوير Battlefield 6 وسط طموحات ضخمة ومخاوف من الفشل

إرهاق وارتباك الطلاب
يتوزّع الطلاب اليوم بين واجبات على منصة، اختبارات على أخرى، مواد قراءة على ثالثة، وإشعارات في البريد أو تطبيقات الدردشة. كل أداة بواجهتها وتسجيلاتها المختلفة. بدل التركيز على التعلم، يضيع وقت البحث عن مكان المهمة أو طريقة تسليمها، مما يضعف التركيز والدافعية. كما تتفاوت إمكانات الوصول إلى الأجهزة والإنترنت بين الطلاب؛ فاعتماد أدوات متعددة يوسّع الفجوة الرقمية بين من يملك اتصالاً مستقراً وجهازاً خاصاً ومن يعتمد على أجهزة مشتركة أو اتصال بطيء.

مخاطر الخصوصيه والأمن
جمع الأدوات الرقمية بيانات تخصّ أداء الطلاب ومعلوماتهم الشخصية يرفع المخاطر كلما زاد عدد المصادر. خرق أحد الأنظمة قد يكشف سجلات حساسة، مما يثير مخاوف الأسر. بعض شركات التقنية تلتزم بحماية البيانات بجدّية، وبعضها لا. هناك أطر تنظيمية مثل GDPR وFERPA، لكن التأكد من التزام كل أداة بهذه المعايير عملية معقدة وتستهلك موارد.

نقص التكامل
تكمن مشكلة أخرى في أن المنصات غالباً لا تتحدث مع بعضها البعض. كل نظام يخزن البيانات بطريقة مختلفة ويقدّم واجهات مستقلة. حين يحتاج المعلّم إلى تسجيل درجات في نظام، وتتبع حضور في نظام آخر، ونشر الواجب في نظام ثالث، يصبح إدخال نفس المعطيات مراراً أمراً محبطاً ومضيعة للوقت والجهد الذي كان يمكن أن يُستغلّ في التحضير والتفاعل مع الطلاب.

كيف يمكن للمدراس استخدام الأدوات الرقمية بشكل أذكى؟
التقليل من الفوضى الرقمية لا يعني التخلي عن التكنولوجيا، بل يعني انتقائية واعية. الهدف اختيار عدد محدود من الأدوات الفعالة بدل تراكم الحلول المتقاربة. هذا الاختيار يوفر المال، يقلّل اللبس، ويحسّن تجربة المعلّمين والطلاب.

معايير عملية للاختيار:
– سهولة الاستخدام: هل تُتعلم الأداة بسرعة؟ إذا كانت تتطلب وقتاً أطول لتعلمها من الوقت الذي توفره، فالأفضل تجنّبها.
– التكامل: هل تتوافق الأداة مع الأنظمة الموجودة؟ الأدوات القابلة للربط تقلّل العمل المكرر وتسهّل سير العمل.
– الأدلة المثبتة: هل هناك بحوث أو تقييمات تربوية تُظهر فاعلية الأداة؟ الاعتماد على نتائج حقيقية أفضل من وعود تسويقية.

يقرأ  نتنياهو: لن تُقام دولة فلسطينيةتطورات عاجلة في الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني

كما ينبغي إشراك المعلّمين في عملية القرار؛ هم المستخدمون اليوميون للأدوات، ومعرفتهم العملية ضرورية لاختيار ما يلبّي احتياجات الصفّ ويُقبل عليه.

خلاصة
لا تحتاج المدارس إلى ترسانة من الأدوات لتنجح؛ تحتاج إلى الأدوات الصحيحة. بالتركيز على الجودة بدل الكم، يمكن للمدراس خفض التكاليف، تبسيط عمل المعلّمين، وتعزيز تجربة التعلم لدى الطلاب. التكنولوجيا يجب أن تكون مساعدة، لا عقبة. باعتماد استراتيجية مدروسة ومُتوازنة تصبح الأدوات الرقمية وسيلة قوية لدعم النمو التعليمي للطلاب والمعلّمين على حد سواء.

أضف تعليق