الخرطوم — اضطرت إيمان عبد العظيم إلى دفن شقيقها في ساحات منزلها في أم درمان-الخرطوم الشمالي بعدما توفّي بينما كانت المعارك دائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تحيط بهم. وتشاركها الحزن قصةٌ لعديد من السكان في مدن العاصمة الثلاث: الخرطوم، الخرطوم الشمالية وأم درمان، الذين اضطرّوا لدفن موتاهم في قبور مؤقته داخل الأحياء لعدم إمكانية الوصول إلى المقابر في أوقات القتال.
حملة منظمة
أعلنت ولاية الخرطوم في أوائل ديسمبر عن حملة كبرى لنبش هذه القبور المؤقته ونقل الرفات إلى المقابر الرسمية، ما أعاد لإيمان وغيرها من العائلات ألم الفراق كما لو أنه يتكرر من جديد. شكّلت الدولة واللجان المحلية فرقًا لتنفيذ عمليات النبش، تضم ممثلين عن الطب الشرعي، والدفاع المدني، والهلال الأحمر السوداني، ولجان إدارة الخدمات بالأحياء.
أحمد عبد الرحمن، المدير التنفيذي للخرطوم الشمالي، قال لِـ«الجزيرة» إن الهدف من الحملة تخفيف العبء النفسي عن الأسر وتحسين الأوضاع الصحية والإنسانية في المنطقة. وتخضع الحملة لإشراف «اللجنة العليا لجمع رفات من قضوا خلال معركة الكرامة».
تنفذ العملية على مراحل، تبدأ بتحديد مواقع الدفن المؤقتة. تُخطر العائلات لاحقًا وتُمكّن من ترشيح مندوبٍ عنها يشارك في كل خطوة، من النبش إلى الدفن. يشرف أخصائيو الطب الشرعي على عمليات النبش وإعادة الدفن في المقابر مع التوتيق الكامل للرفات ومرفقاتها الإدارية والطبية. وأوضح هشام زين العابدين، مدير هيئة الطب الشرعي بولاية الخرطوم، أن عمليات نقل الرفات بدأت منذ سيطرة الجيش على الولاية، وأنه من المتوقَّع أن تخلو الخرطوم ومدنها السبع من القبور الموقته مع مطلع الربع الأول من عام 2026.
لكنّ فرق الميدان تواجه تحديات لوجستية وإنسانية، من بينها نقص أكياس الجثث، «ما قد يؤثر على سير العمل بالشكل المطلوب»، بحسب المسؤولين.
تخريب
نقلت هيئة الطب الشرعي أن قوات الدعم السريع عمدت إلى تخريب وحدات فحص الحمض النووي التي كان يُحفظ فيها عينات لعدد من الجثث المدفونة، ما أربك جهود التعرف على هويات كثيرين من الضحايا. وتقوم الفرق برقمنة وتوثيق الجثث المجهولة ثم دفنها في قبور مخصّصة للمجهولين، مع مناشدات للشركاء والمنظمات والمواطنين للمساعدة في إعداد القبور، لأن العمل ضخم ويتطلّب تعاونًا حكوميًا ومجتمعيًا.
دور لجان الأحياء
شيرين الطيب نور الدائم، نائبة رئيس لجنة التوجيه والخدمات في حي شمبات بالخرطوم الشمالي، قالت إن اللجنة قامت بمسح القبور في المنازل والمساجد والساحات العامة كخطوة تمهيدية قبل وصول الفرق الطبية وبدء عمليات النبش والنقل. وتبلغ اللجنة أسر الضحايا بضرورة الحضور ومتابعة الإجراءات القانونية والطبية حتى اكتمال عمليات النقل والدفن، وتجمع البيانات وتتواصل مع العائلات داعية المواطنين للإبلاغ عن مواقع القبور الموقته لتمكين فرق الميدان من الوصول إليها.
عند وصول الفرق يقوم أعضاء اللجان بتأمين اللوجستيات ودعم الفرق الميدانية، وتنسيق الحضور بين الفرق والأسر لضمان وجود أهل المتوفى أو ممثلٍ عنهم؛ وإذا تعذّر وجود أقاربٍ أو ممثلين، فقد أصدرت اللجنة العليا توجيهًا بوقف النبش إلى حين حضور ذوي الضحية.
خلاصة مهمة
أوضحت شيرين أن جهود هذه اللجان تمهّد الطريق لبيئة آمنة يمكن أن يعود إليها المواطنون، رغم صعوبة أن يودّع الناس أحبّاءهم وداعًا ثانٍ. وفي الوقت نفسه، لا تزال الشوارع في الخرطوم تعج بجثث لم تُدفن بعد، بعضها متحلّل، ما يصعّب عملية التعرف ويشكّل خطرًا صحيًا حقيقيًا على المجتمع.