نظرة عامة:
تُبيّن هذه المقالة بعنوان «قوة الحكايات كجسور: من الافتراض إلى الفهم» كيف تكشف التجارب الشخصية أن السرد والاستماع بتواضع قادران على تفكيك التحيّز، وتعميق التعاطف، وبناء فهم حقيقي عبر الثقافات.
نشأتي في لاس فيغاس خلال سبعينيات القرن الماضي تزامن مع فترة فكّ الفصل المدرسي وممارسات “الخط الأحمر” في الإسكان، حيث كانت البنوك والسلطات ترسم حدودًا حمراء حول أحياء الأقليات، تحرم العائلات من الحصول على قروض عادلة وتشكّل فجوات في المدارس والفرص التعليمية. لم أكن أعرف معنى الخط الأحمر حينها؛ ما كنت أعلمه فقط أن يومًا ما بدأ أطفال من شمال لاس فيغاس، أطفال سود، يركبون الحافلات إلى مدرستي التي كانت أغلبها للبيضاء. لم يشرح أحد السبب. وكنت في السادسة من عمري؛ كل ما شعرت به أن الصف تغير فجأة.
لم أفقه ما كان يجري آنذاك، لكني أرى الآن أن تلك اللحظة كانت بذرة التحيز الضمنى في تفكيري. لاحظت أمورًا: تسريحات شعرهم الضفائر أو الالتواءات المختلفة عن شعري المستقيم؛ ملابسهم؛ ألعابهم في الفسحة. وبما أن تلك الأشياء كانت غريبة عني، اعتبرتها شاذة أو خاطئة. ربطت الاختلاف بعدم الارتياح، ليس لأن أحدًا علّمني أن أكون قاسية، بل لأن أحدًا لم يعلمني كيف أفهم.
لم يبدأ التحرر من تلك الفروض إلا بعد سنوات، حين أصبحت مدرسة. طرحت على نفسي أسئلة جوهرية: من أين أتت هذه الأفكار؟ كيف شكّلت نظرتي للآخرين؟ التأمل من هذا النوع ليس سهلاً دائمًا، لكنه ضروري؛ فقد ساعدني على النماء — ليس فقط كشخص بل كمربية ومدرِّسة.
أؤمن اليوم أكثر من أي وقت مضى أن السرد، وخصوصًا قصصنا الشخصية، من أقوى الأدوات لتعليم التعاطف ومناهضة الظلم الاجتماعي. حين أشارك طلابي جزءًا من حياتي، لا أقدّم لهم مفردات مثل التحيّز والعدالة والدفاع عن الحقوق فحسب؛ بل أظهر نموذجًا لما يعنيه مواجهة الماضي، والتفكّر بتواضع، والاختيار أن نتحسن.
أريد لطلابي أن يعلموا أننا نحمل جميعًا قصصًا تشكّل رؤيتنا للعالم، لكن لدينا أيضًا قدرة على إعادة كتابة هذه القصص بوعي ورحمة وفعل. لهذا السبب مشاركتي لها قيمة.
مهمة في ساوث كارولينا
في الحادية والعشرين من عمري خضت تجربة قوية عمقت فهمي. خدمت مهمة كنيسة في ساوث كارولينا، وهناك بدأت أستمع حقًا إلى قصص لم أسمعها من قبل.
أتذكّر دخولي منازل لا تكاد خلوها من الفقر، أحيانًا إلى أرضيات ترابية كانت يومًا هي الأكواخ التي عاش فيها الأسلاف عبيدًا. لن أنسى ذلك الشعور، وأنا أقف في أماكن تحمل تاريخًا وألمًا وصلابة. دعَتني امرأة ذات يوم إلى بيتها ورَتبت أمامي لحف عائلتها؛ كانت ألوانها زاهية، مخيطة بعناية، وأنماطٌ وُرّثت عبر أجيال. في البداية رأيتها كقطع فنية جميلة، لكن حين روت قصصها فهمت أن هذه اللحف أكثر من جمالٍ بصري؛ كانت دروس بقاء وابتكار وشهادة محبوكة بخيوط التاريخ.
جلوسي في تلك الغرف وسماع تلك الحكايات جعلني أعي كم من القصة الأمريكية لم تُدرّس لنا. لم تكن دروسًا ثقافية سطحية، بل تجارب حياة تتحدّى افتراضاتي عن العِرق والفقر والصمود. علمتني تلك اللحظات درسًا أساسيًا: الاستماع إلى القصص بتواضع له القدرة على تحطيم التحيز. ينقلنا من اليقين أننا نعرف كل شيء إلى إدراك مقدار ما علينا أن نتعلمه.
التدريس في أمة نافاجو
بعد سنوات، عندما كنت أدرّس في أمة نافاجو، تكرّر هذا الدرس داخل فصلي. دعوت شيخًا بارزًا ليشارك طلابي قصص الخُيل (Coyote) التقليدية. وعند تقديمي له، أخطأت ووصفتها بالأناشيد. رفعت إحدى طالباتي يدها وصحّحتني بلطف: «مدام جونسون، نحن لا نسميها أناشيد. هي أغاني.»
شعرت حينها بالتواضع. أدركت أن نواياي الحسنة لا تمنع حدوث الأخطاء. لم تكن زلتي خبيثة، بل نتيجة عدم فهم كامل. ولكن تلك التصحيح كان هدية؛ ذكّرني أن الاحترام يبدأ بالاستماع، وفي بعض الأحيان يتطلّب أن تكون مستعدًا لأن تُصحّح.
أظهرت تلك التجربة أيضًا مدى قوة صوت الطالب. لم تكن طالِبتي غير محترمة — بل كانت تعلمني. وبالاستماع إليها، نمتُ وتطوّرت.
تمامًا كما كانت لحف ساوث كارولينا تحمل قصص بقاء وصمود، حملت قصص وأغانٍ شعب نافاجو حكمةً وتاريخًا وهوية. باستضافتها في صفّي، وبقبولي التصويب بتواضع، تعلّمت أن الكفاءة الثقافية الحقيقية ليست في الدقة المطلقة دائمًا، بل في الانفتاح على الاستماع والتعلّم والتغيير.
نبذة عن الكاتبة
ناتالي سباركس جونسون مربية تمتلك أكثر من ثلاثين عامًا من الخبرة في تدريس الفن والهندسة والروبوتات في الولايات المتحدة وأستراليا وأوروبا. تدرّس حاليًا في مدرسة SHAPE الأمريكية في بلجيكا ضمن منظومة تعليم وزارة الدفاع (DoDEA). تُعد ناتالي زميلة في برنامج التعلم العالمي للاتحاد الوطني للمدرسين 2025–26، ومعلمة سلام لدى معهد الولايات المتحدة للسلام، وزميلة برنامج Hope Street Group للمعلمين. يركّز عملها على دمج الفن والهندسة وتعليم السلام من خلال المواطنة العالمية وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.