الكباب والبرياني وأكثر — مدينة هندية تنضم إلى قائمة التراث الغذائي لدى اليونسكو

لاكناو: مدينة الذائقة والموائد الملكية

في لاكناو، تُطهى البرياني على نار هادئة وبطيئة جداً، وتُختم القدور بإحكام بالعجين لاحتجاز البخار والنكهات. هناك أيضاً الكبابات التي تذوب في الفم، والبرياني المعطر، والحلويات الخفيفة كالغيوم المخفوقة التي تُغوي الحواس.

تُعد مدينة لاكناو في شمال الهند ملاذاً لعشّاق الطعام؛ السكان والزوار على حد سواء يؤكدون تفوّق مطبخها. الشهر الماضي منحتها اليونسكو لقب “مدينة مبدعة في مجال الطهي” فاضِفةً إياها إلى قائمة مختارة من المدن العالمية ومثيرةً آمالاً بأن تبرز مأكولات لاكناو السامية أكثر فأكثر. وبموجب هذا التصنيف انضمت لاكناو إلى شبكة عالمية تضم 408 مدينة في أكثر من مئة بلد، تلتزم بتعزيز “الإبداع كمحرك للتنمية الحضرية المستدامة”.

تيم كيرتس، مدير وممثل مكتب اليونسكو الإقليمي لجنوب آسيا، قال إن هذا الاعتراف “شهادة على جذور تقاليدها الطهوية العميقة ونظامها الغذائي النابض بالحياة”. وأضاف: “إنه يكرّم الإرث الثقافي الغني للمدينة ويفتح آفاقاً جديدة للتعاون الدولي”.

لا تكاد لاكناو إلا المدينة الهندية الثانية بعد حيدر آباد (التي اختيرت في 2019) التي تحظى بمكان في هذه القائمة المرموقة المكوّنة من سبعين مدينة عالمية. هذا التكريم لم يأتِ مفاجئاً لسكان المدينة ولا لمحبي الطعام؛ فالكثيرون يتردّدون بصدى رأي الشيف الشهير رانفير برار: “أن تُمنح متأخراً خير من ألا تُمنح أبداً؛ كان يجب أن يحدث ذلك منذ زمن.”

روح المدينة المختلطة، الفوضوية والمحبة للطعام—عاصمة ولاية أوتار برديش الأكثر كثافة سكانية في الهند—لقد وُضعت أخيراً على خريطة التقدير الدولي لما لطالما شكّل جوهرها: الشغف بالطعام.

التراث الملكي ومذاقات أود
كانت مطابخ النّواب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مراكز للابتكار الطهوي، حيث امتزجت الأساليب الفارسية بالأساليب الهندية المحلية لتتكوّن ما صار يُعرف بمطبخ أود. من هذه المطابخ خرجت أنواع الكباب التي عرفت بها لاكناو، ومنها كباب “غالوتي” الشهير الذي رُوي أنه ابتُكر لإطعام نوّاب مُسنّ فقد أسنانه؛ ففرمت اللحمة مع البابايا والزعفران والتوابل إلى قوام ناعم للغاية لا يحتاج إلى مضغ.

يقرأ  من المستوى الرابع فصاعدًاقياس التأثير عبر مؤشرات أداء الأعمال

ومن أعظم مساهمات طهاة أود كانت تقنية الطهي البطيء المعروفة باسم “دم بوخت”، حيث تُطهى الأطعمة على نار هادئة جداً والقدر مُحكم السدّ بالعجين. رُوِّجت هذه الطريقة في عهد نوّاب القرن الثامن عشر، حين أطلق الحاكم مشروعات عمل مقابل الغذاء أثناء المجاعة—فكانت تُعدّ دفائف كبيرة من الأرز والخضار واللحم والتوابل وتُختَم لصنع وجبة موحّدة. وتقول الرواية إن النوّاب شمّ رائحة الأطباق من خارج المطابخ، وطلب تذوّقها، فاعتمدت التقنية رسمياً.

أُحييت التقنية تجارياً في الهند المعاصرة على يد الراحل إمتياز قريشي، الذي اعتُبر رائد مطبخ الأود وقوة خلف مطاعم دلهي الشهيرة “بوخارا” و”دم بوخت”. إلى جانب الكباب والبرياني، بنى الطهاة سجلّ أطباق غنيّ يشمل القورما والـشِرمَل (خبز صفّري) والـشاهي تُكدا (بودينغ الخبز الملكي).

مدينة للنباتيين أيضاً
لكن لاكناو ليست حكراً على اللحوم؛ فهي جنة أيضاً للنباتيين. المكوّن التقليدي لمجتمع البانيا المحلي جعل من المطبخ النباتي احتفاءً بالمواسم، ومنه ظهرت الحلويات الهندية المكرّسة والأكلات الشعبية الفريدة مثل “الشات”—المقبلات المقلية الحارة والحامضة. تقريباً عند كل زاوية تجد متاجر صغيرة وكشكاً محلياً—جواهر خفية تعشقها أهل المدينة.

منذ الخامسة صباحاً يتجمّع الناس في قلب المدينة بمنطقة حَضرتجانج حول مقهى “شَرمَاجي تي ستال” للحصول على فنجان شاي ماسالا حليبي يُقدّم في أكواب فخارية، إلى جانب خبزٍ طري مُدهون بزبده بيضاء تُخضَط يدوياً. هذا المكان البسيط الذي يعمل منذ 1949 صار معلماً تراثياً يجذب المارين: من المتمشين الصباحيين إلى السياسيين والصحافيين.

ولفطور تقليدي يُنصح بالتوجّه إلى “نيترام” في منطقة آمين آباد القديمة؛ هذا المكان الذي افتُتح في 1880 وما زال مطلوباً لِـ”الكاتشوري” الساخن (خبز مقلي محشو بالعدس) و”الجيلبي” المقرمش (حلويات مقلية تُنقع في شراب السكر). أصحاب المكان من الجيل السادس—الأب أنمول أغاروال والابنان أنوب وبرانسهو—يحافظون على حرفة الوصفات والإجراءات بكل تفانٍ. يقول برانسهو، المهندس بالأساس، بشغف: “هذا يجري في دمي؛ لا أريد شيئاً آخر.”

يقرأ  لوحات متوهّجة تستحضر التحوّل في تراكيب الأثاث العتيق لدى شو هاو — كولوسال

المذاقات الموسمية والحفاظ على الحرف
في فصل الشتاء تبرز متعة موسمية فريدة تسمى “مكّخان مَلاي”—حلويات رغوية كالغيوم. طريقة تحضيرها علمية ومعقّدة: يُخضَط الحليب يدوياً ويُترك ليلاً مكشوفاً ليتعرض للنّدَى الذي يمنحها قوامها الزغبي الفريد. في الصباحات الباردة يُصفّ البائعون على الأرصفة في أحياء القديمة مثل آمين آباد وتشوك لبيع هذه التحف. غير أن كثيرين يأسفون لأن أبناء تلك الأسر لا يرغبون في تعلّم الفنّ التقليدي.

الشيف برار، القادم هو نفسه من لاكناو ومدافعٌ واضح عن مطبخها، يقول إن الإرث الغذائي الغني للمدينة يضعها في قمة تجربة الطعام الشارعي الهندي. لكن القيمة الحقيقية من اعتراف اليونسكو بحسبه ستتحقق فقط إذا نجحت لاكناو في تسليط الضوء على مطاعمها وأكشاكها الأقل شهرة.

تقول مادهافي كوكرِجا، مؤسِّسة مؤسسة ساناتكادا التي تقود مشروع “مطابخ لاكناو”، إن ما يمنح طعام المدينة نكهته المميزة هو البطء والزمن المستغرق في طبخ الطبق: “ماذا سيُطهى، وكيف سيُطهى؟” سؤال يدور منذ الصباح حتى المساء في معظم المنازل، ومن خلاله يُقاس شأن العائلة بحسب ما تخرجه مطابخها. كل طبق في لاكناو يروي قصة—قصة أعمال عائلية تنتقل عبر الأجيال، من عربات الشوارع المتواضعة إلى المطاعم المزدحمة، ووصفات محفوظة بعناية.

الأمل الآن أن يجذب هذا التتويج الدولي أناساً أكثر حول العالم ليكتشفوا هذه القصص ويتذوقوا سلَفَة لاكناو الطهوية، ويشهدوا بأنفسهم على تقاليدٍ تطهو ببطءٍ وتحتفى بالتفاصيل.

أضف تعليق