الهواء النظيف: آفاق جديدة للتعاون العالمي في قضايا البيئة

في قمة مجموعة العشرين في كيب تاون، ظهر موضوع الهواء النظيف على جدول الأعمال كأولوية مستقلة لأول مرة في تاريخ المنتدى. لكن الواقع قاسٍ: تسبّب تلوث الهواء الخارجي في وفاة نحو 5.7 مليون شخص سنوياً، ويبرز تقرير صدر الأسبوع الماضي النقص الحاد في التمويل الدولي للتنمية الموجه نحو تحسين جودة الهواء. ففي عام 2023 أمضيت الدول مجتمعة 3.7 مليار دولار فقط على هذا الملف، ما يعادل بالكاد واحداً بالمئة من مساعدات التنمية، ووصل جزء ضئيل للغاية إلى دول افريقيا.

كمسؤول يرأس محور العمل البيئي في قمة العشرين هذا العام، أفخر بأنني عملت مع الدول الأعضاء والمنظات الدولية لوضع قضية تلوث الهواء في صدارة النقاشات. عندما تولّت اليابان الرئاسة عام 2019 كان التركيز على البلاستيك البحري، وفي العام الماضي أولت البرازيل أولوية لتمويل الغابات؛ أما هذا العام فحرصنا على أن يُعامل الحق في تنفس هواء نقي بالسرعة والاهتمام الذين يستحقانهما.

يضمن دستور جنوب أفريقيا لكل فرد الحق في بيئة لا تضر بصحته أو بسلامته النفسية، وهذا المبدأ يوجّه سياساتنا الوطنية ويشكل إطار قيادتنا لمناقشات قمة العشرين.

أن تكون هذه رئاسة مجموعة العشرين الأولى على التراب الإفريقي يجعل من كيب تاون مكاناً مناسباً لمواجهة هذه الأزمة. القارة الافريقية هي الأسرع تحضراً على مستوى العالم، والخيارات التي نتخذها اليوم في كيفية تأمين الطاقة للمنازل، وانتقالنا بحراً وجواً وبراً، وتصميم مدننا، ستحدد مآلات الصحة والمناخ والاقتصاد لعقود قادمة. عبء تلوث الهواء يظهر بالفعل في ارتفاع حالات الدخول إلى المستشفيات، وتزايد غياب التلاميذ عن المدارس، وهدر الإنتاجية في أماكن كثيرة. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن تلوث الهواء الخارجي يسبب خسائر اقتصادية عالمية تقارب خمسة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً.

يقرأ  قصف إسرائيلي يستهدف محطة توليد كهرباء قرب العاصمة اليمنية صنعاء— أخبار بنيامين نتنياهو

هذا الواقع يعيد تشكيل النقاش العالمي. ففي مايو تبنت الحكومات لأول مرة هدفاً عالمياً لجودة الهواء في جمعية الصحة العالمية، بهدف خفض الوفيات الناجمة عن سوء جودة الهواء إلى النصف بحلول 2040. كانت خطوة رائدة، لكن بلا تمويل يتماشى مع الطموح فإن هذه الالتزامات قد تبقى حبرا على ورق.

حدّدنا في مداولات العشرين أربعة عقبات أمام هواء أنقى: الأولى ضعف القدرات المؤسسية، الثانية نقص المراقبة والبيانات الموثوقة، الثالثة قصور التعاون العابر للحدود، والرابعة شح الموارد المالية مقارنة بحجم المشكلة.

وتؤكد بيانات تقرير صندوق الهواء النظيف هذا الأمر بوضوح. ففي 2023 تراجع الدعم الموجَّه لجودة الهواء الخارجي في أفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 91% إلى 11.8 مليون دولار فقط. عالمياً لم يُوجه سوى واحد بالمئة من المساعدات إلى ملف الهواء النظيف، ولم يصل من هذا الجزء سوى واحد بالمئة إلى دول أفريقيا جنوب الصحراء. بكلمات أخرى، لا تتجاوز نسبة التمويل التنموي العالمي المخصصة لجهود الهواء النظيف في إحدى أكثر المناطق حاجة بذلك سوى جزءًا ضئيلاً للغاية (أقل من واحد في عشرة آلاف).

هذا الظلم ليس غير عادل فحسب؛ بل هو أيضاً قصير النظر اقتصادياً. إن العمل من أجل هواء أنقى يخفض تكاليف الرعاية الصحية، ويعزز الإنتاجية، ويدعم الانتقال إلى اقتصادات أكثر مرونة.

تجربة جنوب أفريقيا توضح ما يمكن تحقيقه. عبر الإطار الوطني لجودة الهواء وقانون الإدارة البيئية الوطني بنينا أساساً للمساءلة والشفافية في رصد جودة الهواء. عززنا التنسيق بين المستويات الوطنية والبلدية، وطبّقنا تدخلات موجهة في منطقتي الهايڤلد ومثلث فال، ووسعنا شبكة رصد جودة الهواء حتى يتاح للأحياء الوصول إلى بيانات آنية. وتدعم هذه التدابير خطة التحول العادل للطاقة التي توجه الاستثمارات نحو النقل النظيف، والطاقة المتجددة، وتحسين إدارة النفايات.

يقرأ  نيجيريا:مقتل 35 مقاتلاً في غارات جوية قرب الحدود مع الكاميرون

الدرس واضح: التقدم يتطلب إرادة سياسية وتمويلاً متوقعاً ومستقراً. الإجراءات الوطنية وحدها لا تكفي. يجب على المؤسسات المالية الدولية والبنوك التنموية أن تُضمّن أهداف جودة الهواء ضمن محافظها المناخية والتنموية.

كما أكدت مداولات العشرين هذه السنة أهمية البيانات: لا يمكنك إدارة ما لا تقيسه. إن توسيع شبكات رصد جودة الهواء الموثوقة في البلدان منخفضة الدخل هو من أذكى الاستثمارات التي يمكن للمجتمع الدولي القيام بها؛ فهو يمكّن صانعي القرار المحليين، ويحفز الابتكار في التقنيات النظيفة، ويقوّي آليات المساءلة.

الرسالة من كيب تاون واضحة: الهواء النظيف مكانه على طاولة القرار. ويجب أن تُقابَل هذه الإدانة بعملٍ مستدام يُسفر عن نتائج قابلة للقياس. عملياً، هذا يعني إدماج أهداف الهواء النظيف في جوهر تمويل التنمية وإعطاء أولوية للمناطق المتخلِّفة، لا سيما عبر افريقيا حيث المستويات الملوّثة مرتفعة والتمويل ضئيل.

الهواء النظيف ليس قضية هامشية؛ بل هو محور تحقيق أهداف المناخ، والصحة، والنمو المستدام. العلم واضح: الملوثات نفسها التي تضر بصحة الإنسان تسهم أيضاً في تسخين الكوكب. ومعالجتها معاً يوفّر نتائج أسرع وأكثر فعالية من حيث التكلفة.

ندعو بالتالي إلى جهد جماعي بين الحكومات وشركاء التنمية والقطاع الخاص لضمان أن يصبح الهواء النظيف مقياس نجاح مركزي في مسيرة الانتقال العالمي. الحق في تنفّس هواء نظيف حق عالمي؛ وتحقيقه يتطلب عدلاً والتزاماً وتمويلاً يوازي الطموح.

الآراء الواردة هنا هي آراء الكاتب الخاصة ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.