عقوبات واسعة ضد شبكة إجرامية إقليمية متورطة في «مراكز احتيال» بكمبوديا وميانمار
أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا سلسلة عقوبات شاملة استهدفت شبكة إجرامية متعددة الجنسيات تعمل من جنوب شرق آسيا، متهمة بتشغيل «مراكز احتيال» في كمبوديا وميانمار ودول أخرى بالمنطقة، واستغلال عمال مهوَّلين لارتكاب عمليات احتيال عالمية عبر استثمارات زائفة في العملات المشفّرة.
ووصفت وزارة الخزانة الأميركية، في إجراء نُفّذ يوم الثلاثاء، ما اعتبرته أكبر عملية من نوعها في جنوب شرق آسيا، باستهدافها 146 شخصاً من شبكة تُعرف باسم «مجموعة برنس» ومقرّها في كمبوديا، وأُعلِنَت المجموعة كمنظمة إجرامية عابرة للحدود.
كما فرضت السلطات البريطانية عقوبات على ست كيانات وأفراد مرتبطين بالمجموعة، وجُمِّدت 19 عقاراً في لندن تقدر قيمتها بأكثر من 100 مليون جنيه الإسترلني، رُبطت بأصول الشبكة.
ووصفت المدعية العامة الأميركية تلك التحركات بأنها «واحدة من أعظم الضربات الموجّهة ضد آفة الاتجار بالبشر والاحتيال المالي المعتمد على الإنترنت». وفي موازاة ذلك، رفع المدّعون الاتحاديون في الولايات المتحدة لائحة اتهام ضد رجل أعمال صيني-كمبودي يُدعى تشن تشي، رئيس مجلس إدارة المجموعة البالغ من العمر 37 عاماً، بتهم الاحتيال عبر الاتصالات والتآمر لغسيل الأموال؛ ويواجه احتمال السجن لما يصل إلى 40 عاماً إذا أُدين.
كما قدّمت وزارة العدل الأمريكية أكبر دعوى مصادرة في تاريخها ضد المجموعة، مصادرة ما يعادل من عملة بيتكوين أكثر من 14 مليار دولار بحسب الأسعار الجارية.
احتيالات «ذبح الخنازير»
وصف مساعد المدعي العام رئيس فريق الجرائم السيبرانية تشن بأنه «العقل المدبّر لإمبراطورية احتيال إلكتروني واسعة النطاق»، بينما صنف المدّعي الفيدرالي العمليات بأنها «من أكبر عمليات الاحتيال الاستثماري في التاريخ».
تتهم السلطات المجموعة بتشغيل شبكة من مراكز احتيال بُنيت خصيصاً لتعمل كمعسكرات عمل قسري في كمبوديا وميانمار ودول إقليمية أخرى، حيث جُذِبَ عمال – كثيرون منهم من الصين – عبر إعلانات وظائف وهمية. ثم حُبس هؤلاء العمال قسراً داخل المجمعات وُرُهِّبوا بالتعذيب ليشاركوا في تنفيذ عمليات احتيال إلكترونية تستهدف ضحايا حول العالم.
وغالباً ما اتبعت العصابة أسلوب ما يُعرف باسم «احتيال ذبح الخنازير»، الذي يبدأ بتشكيل علاقات رومانسية وهمية عبر الإنترنت مع الضحية ثم إقناعه باستثمار مبالغ كبيرة في منصات عملات رقمية احتيالية.
تمويل مرتكب ومقتنيات فاخرة
غُسِّلت الأموال المسروقة جزئياً عبر عمليات قمار واستثمارات في تعدين العملات المشفّرة تابعة لمجموعة برنس، واُستخدمت لتمويل مشتريات فاخرة شملت يخوتاً وطائرات خاصة ومنازل لقضاء العطلات وقطعة فنية لبيكاسو اشتُريت في مزاد بنيويورك، بحسب محقّقين. وفي مرحلة من المراحل، تظاهر تشن أمام معارفه بأن العملية كانت تُدرّ نحو 30 مليون دولار يومياً.
وتعمل مجموعة برنس منذ نحو 2015 في أكثر من ثلاثين دولة تحت غطاء شركات عقارية وخدمات مالية واستثمارات استهلاكية قانونية، وتتهم لائحة الاتهام تشن ومسؤولين آخرين باستخدام النفوذ السياسي والرشاوى في عدة دول لحماية نشاطاتهم.
روابط بالسلطة وتأثير ملموس
قال خبير الجرائم العابرة للحدود جاكوب دانيال سيمز، الزائر في مركز آسيا بجامعة هارفارد، إن مجموعة برنس كانت «ركناً أساسياً في هيكلية تُمكّن الاحتيال السيبراني العالمي». وأشار إلى أن تشن كان «دعامة مركزية» في اقتصاد إجرامي متشابك مع النظام الحاكم في كمبوديا، بعد أن شغل منصب مستشار لرئيس الوزراء هون مانيت ووالده رئيس الوزراء السابق هون سن.
وأضاف سيمز أن لائحة الاتهام والعقوبات لن تُفكك هذه الشبكات فوراً لكنها تُغيّر «حسابات المخاطرة بشكل جذري»، وتجعل «كُل بنك عالمي وشركة عقارات ومستثمر يفكر مرتين قبل التعامل بأموال النخبة الكمبودية».
ردّ بريطاني وتحذيرات دولية
وعند الإعلان عن العقوبات، قالت وزيرة الخارجية البريطانية إيت فت كوبر إن شبكة الاحتيال «كانت تغتني على حساب تدمير حياة أشخاص حول العالم»، مضيفة أن «أدمغة هذه المراكز الرهيبة تدمّر حياة الضعفاء وتشتري منازل في لندن لتخبئة أموالهم» — تصريح يبرهن على نطاق الأثر الإنساني والمالي لنشاطات المجموعة.
وفي تقديرات الأمم المتحدة لعام 2023، جرى إجبار نحو 100 ألف شخص على تنفيذ عمليات احتيال إلكتروني في كمبوديا، بالإضافة إلى نحو 120 ألفاً في ميانمار وعشرات الآلاف في تايلاند ولاوس والفلبين، فيما حذرت تقارير لاحقة من تحول تيمور الشرقية إلى بؤرة جديدة لعمليات مماثلة.
تحرّكات الوصول والاعتقالات
في ضوء هذه الإجراءات الدولية المكثفة، شرعت قوات إنفاذ القانون في عمليات مداهمة واعتقال، مع تقارير متواترة عن ضبط مشتبه بهم وأسرهم وتوثيق أوضاع ضحايا محتجزين بتقنيات تقييدية داخل مراكز الاحتيال. وتظل التحقيقات مستمرة على المستويات القضائية والدولية لتعقب أموال المجموعة وملاحقة المتورطين على نحو يضمن تقديمهم للعدالة وحماية الضحايا.