جمهورية صربسكا، الكيان الذي تغلب عليه نسبة الصرب في بوسنيا والهرسك، تجري يوم الأحد انتخاباً رئاسياً مبكّراً بعد أن جردت الجهات الانتخابية زعيم الصرب الانفصالي ميلوراد دوديك من الرئاسة في أغسطس.
أُقيل دوديك بعدما أُدين برفض تنفيذ قرارات المبعوث الدولي للسلام كريستيان شميدت، المسؤول عن الإشراف على تنفيذ اتفاق دايتون الذي أنهى حرب البوسنة (1992–1995). كما حكمت المحكمة عليه بسنة سجن — تخطاها بضمان مالي — وحرّمته من ممارسة العمل السياسي لمدة ست سنوات، وهو حكم أيده أعلى محكمة في البلاد في أوائل نوفمبر.
في أكتوبر عيّن برلمان جمهورية صربسكا آنا تريسيك-بابيتش رئيسة بالوكالة إلى حين إجراء انتخابات الأحد.
فيما يلي ما نعرفه حول الاقتراع ولماذا يكتسب أهمية.
متى تُجرى الانتخابات المبكرة في جمهورية صربسكا؟
بحسب لجنة الانتخابات المركزية في البوسنة، سيكون الاقتراع مفتوحاً يوم الأحد 23 نوفمبر بين السابعة صباحاً (06:00 بتوقيت غرينتش) والسابعة مساءً (18:00 بتوقيت غرينتش). يحق لأكثر من 1.2 مليون شخص التصويت، من الثلاث مجموعات الإثنية الأساسية — الصرب والبوشناق والكروات. نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية السابقة تراوحت عادةً بين 50% و55%.
رغم أن تريسيك-بابيتش مُنحت منصب الرئيس بالوكالة، إلا أن القانون يلزم إجراء انتخابات جديدة خلال 90 يوماً من عزل الرئيس.
الفائز في انتخابات الأحد سنخدم فقط بقية ولاية دوديك، التي تقل عن عام، وحتى الانتخابات العامة المقررة في أكتوبر المقبل.
متى ستُعلن النتائج؟
من المتوقّع صدور نتائج أولية ليلة الاقتراع، فيما ستعلن اللجنة المركزية العدّ النهائي الرسمي بعد أن تصادق على النتائج كافة.
ما هي جمهورية صربسكا؟
جمهورية صربسكا هي أحد الكيانين الرئيسيين داخل البوسنة إلى جانب اتحاد البوسنة والهرسك، ولكل منهما درجة كبيرة من الحكم الذاتي. ويتقاسمان الحقوق المتساوية على وحدة إدارية صغيرة ثالثة تتمتع بحكم ذاتي تسمى منطقة برتشكو.
أُعلن عن جمهورية صربسكا عام 1992 مع اندلاع الحرب وأُدمجت رسمياً في البنية الدستورية ما بعد الحرب بموجب اتفاق دايتون عام 1995. تغطي صربسكا نحو 49% من مساحة البلاد، مقابل 51% لاتحاد البوسنة والهرسك. لديها حكومة وبرلمان وقضاء وشرطة مستقلة، لكنها لا تملك جيشاً خاصاً.
اليوم يغلب على سكانها الصرب الذين يشكلون نحو 82% من المقيمين، إلى جانب أقليات بوشناق وكرواتية أصغر، وفق آخر تعداد سكاني أُجرِي عام 2013. تغيرت بنية السكان بشكل جذري أثناء الحرب وبعدها نتيجة التطهير العرقي للمجتمعات غير الصربية؛ إذ كان البوشناق والكروات يشكلون نحو نصف سكان المنطقة قبل النزاع، بينما لا يتجاوزون اليوم نحو 17%.
رئيسها الأول رادوفان كارادزيتش أدين في لاهاي بالسجن مدى الحياة عن الإبادة الجماعية التي ارتُكبت ضد البوشناق في سربرينيتسا، الواقعة الآن ضمن إقليم صربسكا.
لماذا تُعد هذه الانتخابات مهمة؟
تأتي الانتخابات في وقت شديد الحساسية بالنسبة إلى البوسنة. منذ غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، كثفت جمهورية صربسكا خطابها المطالب بالانفصال عن البوسنة، وكان دوديك — الحليف المقرب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين — يكرر دعوات انفصال الكيان وربما الانضمام إلى صربيا. ستقرر هذه الانتخابات من يحل مكان دوديك بعد إقصائه وسيطوّر مدى استمرار نفوذه رغم الحظر الذي يواجهه سياسياً.
من هم المرشحون؟
تضم بطاقة الاقتراع ستة مرشحين: أربعة ترشّحهم أحزاب محلية واثنان مستقلان. أبرز المتنافسين سينيشا كاران عن حزب دوديك الحاكم (تحالف الاشتراكيين المستقلين SNSD) المدعوم مباشرة من دوديك، وبرانكو بلانوسا عن حزب المعارضة التاريخي (SDS).
كاران مقرب قديم من دوديك ووزير داخلية سابق في جمهورية صربسكا، ويشغل حالياً حقيبة التنمية العلمية والتكنولوجية والتعليم العالي. أُشير إليه كعضو في مجموعة أُنيطت بها مهمة إعداد خطة انفصال لصربسكا عن البوسنة. يعتبر المحللون أن دوديك ينظر إلى كاران كاستمرار لسلطته، وقد ظهر دوديك في مناسبات انتخابية داعماً له.
بلانوسا مرشح حزب SDS وهو عضو في لجنة مدينة بانيا لوكا وأستاذ في كلية الهندسة الكهربائية بجامعة المدينة. يُعد SDS اليوم الحزب المعارض الأكبر في صربسكا، وكان يقوده سابقاً كارادزيتش، ويتميّز بمواقف قومية صربية ويتنافس تاريخياً مع SNSD على نفس الشريحة الانتخابية. ورغم انتقاده لأسلوب دوديك واتّهامات الفساد الموجهة إليه، يتقاطع مع سياساته في قضايا محورية كالملف مع سراييفو وبشأن الشكوك تجاه دوره الدولي.
ترشّح أيضاً نيكولا لازاريفيتش عن حزب البيئة في صربسكا، ودراجان دوكانوفيتش عن تحالف السياسة الجديدة (SNP)، إلى جانب مستقلين اثنين هما إيغور غاسيفيتش وسلافكو دراجيتشيفيتش اللذين ظلّا شبه غائبين عن المشهد العام.
من هو ميلوراد دوديك؟
ميلوراد دوديك (66 عاماً) هو الرئيس السابق لجمهورية صربسكا. دعمه الغرب أواخر التسعينات فشغل منصب رئيس وزراء الكيان عام 1998، واعتُبر بديلًا واعدًا للقيادات القومية المتشددة آنذاك مثل كارادزيتش وحزب SDS الحاكم. وصفت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت دوديك بأنه «نسمة من الهواء النقي»، وراهنت عليه كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كخيار أكثر اعتدالاً. كان من أوائل قادة صربسكا الذين اعترفوا بإبادة سربرينيتسا. في مقابلة تلفزيونية بوسنية أجريت عام 2007، اعترف ميلوراد دوديك — الذي يقود حزب التحالف المستقل للديمقراطية الصربية (SNSD) منذ تأسيسه — بأنه كان يعرف «تمام المعرفة ما جرى» وأن «وقوع إبادة جماعية في سربرنيتسا» حقيقة لا جدال فيها. وأضاف أن «هذا الحكم صدر عن محكمة لاهاي، وهو واقع قانوني لا يمكن إنكاره».
شغل دوديك رئاسة ريبوبليكا سربسكا في ثلاث ولايات، منها ولايتان متتاليتان بين 2010 و2018، ثم عاد وفاز مجدداً في 2022. وفي 2018 انتُخب عضواً ممثلاً للصرب في الرئاسية الثلاثية للبوسنة والهرسك. غير أن موقفه السياسي تحوّل لاحقاً إلى قومية أكثر تشدداً، مع دعوات متكررة لانفصال الإقليم وإنكاره لإبادة سريبرينيتسا — ما شكّل تراجعاً عن اعترافاته السابقة.
في 2023 وقع دوديك مشاريع قوانين مثيرة للجدل تنص عملياً على أن قرارات مبعوث اتفاق دايتون وحكم المحكمة الدستورية للبوسنة لا تسري على ريبوبليكا سربسكا، لكن كلا المؤسستين أبطلا أثر تلك القوانين. وفي مارس 2025 أصدرت المحكمة الدستورية مذكرات اعتقال ضد دوديك وعدد من حلفائه بتهمة تقويض النظام الدستوري، فحال عناصر شرطة ريبوبليكا سربسكا في أبريل دون دخول ضباط وكالة التحقيق والحماية للدولة (SIPA) إلى مركز إدارة الإقليم لاعتقاله، مما زاد التوتر مع ساراييفو.
في أغسطس حرمته الهيئات الانتخابية في البوسنة من رئاسة الإقليم ومن المشاركة السياسية، لكنه بقي رئيساً لحزب SNSD وأقوى شخص فيه.
أثناء افتتاح مبنى رئاسة في إيستونيو سراييفو، وقف عنصر من وحدة مكافحة الإرهاب الخاصة بشرطة ريبوبليكا سربسكا في حالة تأهّب، دليلاً على حالة الاستنفار الأمنية في الإقليم.
هل تؤثر الأزمة السياسية في ريبوبليكا سربسكا على البوسنة ككل؟
نعم. يرتكز النظام السياسي في البوسنة على تقاسم للسلطة يربط بين الكيانين، لذلك فإن تحدي ريبوبليكا سربسكا للمؤسسات المركزية وتصاعد تهديدات الانفصال يهددان الاستقرار على مستوى الدولة بأسرها. كما ينعكس إجراء انتخابات مبكرة ضغطاً اقتصادياً لأن تكلفتها تُحتسب على ميزانية الدولة، في بلد يملك من أصغر الاقتصادات في أوروبا؛ فقد خصصت اللجنة المركزية للانتخابات أكثر من ستة ملايين مارك بوسني (نحو 4 ملايين دولار) لإجراء الاقتراع.
المملكة المتحدة، بوصفها إحدى الضامِنات لاتفاق دايتون، حذّرت من أن إجراء انتخابات الرئاسة في ريبوبليكا سربسكا قد يتيح «فرصة لتشكيل حكومة جديدة»، مؤكدة ضرورة احترام «النظام الدستوري وسيادة القانون في البوسنة والهرسك»، ودعت إلى سياسات بناءة وتعاونية بين الكيانين.
على الصعيد الدولي، رحبت روسيا، الحليف القوي لريبوبليكا سربسكا، بنقل السلطة من دوديك إلى الرئيس المؤقت بابيتش، وفي الوقت نفسه كررت دعوات لإغلاق مكتب الممثل السامي (OHR) بشكل دائم، متماهية بذلك مع مواقف دوديك. وصرّحت ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، بأن موسكو «تدعم بكل صدق» نضال قيادة ريبوبليكا سربسكا ضد ما وصفته بتقويض المبادئ الأساسية لاتفاق دايتون.
الولايات المتحدة لم تصدر موقفاً علنياً كبيراً بشأن الانتخابات، لكن وزارة الخزانة رفعت مؤخراً عقوبات كانت مفروضة على دوديك وأفراد من عائلته وحلفائه، بينهم مرشح الـ SNSD كاران، بتهم تتعلق بتقويض اتفاق دايتون. وفي هذا السياق، ألمح مسؤولون قوميون صرب في البوسنة إلى أنهم يسعون في الخفاء لعلاقة أكثر تعاوناً مع واشنطن، مع الحفاظ على روابط ودّية مع روسيا.
أما الحليف الأقوى لريبوبليكا سربسكا، صربيا، فتبنّى موقفاً أكثر حذراً. ففي تصريح لإذاعة وتلفزيون صربيا المملوكة للدولة، امتنع الرئيس ألكسندر فوليتش عن الإدلاء بتعليق مباشر على الانتخابات، معرباً عن تمنياته «بالسلامة» وأن تمر الأمور «بهدوء»، ومؤكداً استعداد بلاده لتقديم المساعدة في مشاريع البنى التحتية.
ما السيناريوهات المحتملة بعد الانتخابات؟
إذا فاز مرشح SNSD كاران، فمن المرجح أن يبقى الإقليم تحت نفوذ دوديك السياسي. وقد وصف كاران في مقابلاته أن الاقتراع فُرض على ريبوبليكا سربسكا من قبل المبعوث شميت، وأن التصويت له يعني «تصويتاً لصالح الرئيس دوديك». ويمتلك حزب SNSD أغلبية قوية في الجمعية الوطنية للإقليم، ما يمنح القوّة للحفاظ على سيطرته السياسية.
من جانب المعارضة، يرى بلانوشا عن حزب SDS أن قيادة الإقليم الحالية أدت إلى «تفريغ اقتصادي ونزوح وعزلة»، وقد تعهّد بمحاربة الفساد ليجعلها أولوية إن تولى السلطة.
تواجه ريبوبليكا سربسكا تحديات اقتصادية عميقة؛ فبحسب قاعدة بيانات المؤشرات الاقتصادية للإقليم بلغ الناتج المحلي الإجمالي الإجمالي لعام 2023 نحو 16 مليار مارك بوسني (حوالي 9 مليارات دولار)، أي ما يعادل نصف ناتج اتحاد البوسنة والهرسك، وبذلك يشكّل نحو ثُلث الاقتصاد الوطني. وقد يعطي حكم نتائج هذه الانتخابات مؤشّرات على الاتجاهات السياسية قبيل انتخابات أكتوبر المقبلة التي قد تحدد من يحكم الإقليم لأربع سنوات إضافية. لم أجد نصاً لترجمته وإعادة صياغته. الرجاء لصق النص الذي تريد ترجمته إلى العربية بمستوى C2 (سأدرج حتى خطأين صغيرين كما طلبت).