تحاصر ضربات إسرائيلية مشارف مدينة غزة بصورة متصاعدة، بحسب سكان محليين، بينما تكثّف القوات استعداداتها لهجوم بري يهدف إلى السيطرة على المدينة.
أفادت المستشفيات بأن أكثر من 30 فلسطينياً قُتلوا في غارات إسرائيلية يوم الأربعاء، من بينهم نساء وأطفال، وكانت معظم الخسائر في الشمال والغرب.
تعهد رئيس الأركان الإسرائيلي بـ«مواصلة استهداف مراكز ثقل حماس حتى تُهزم» وتحرير الرهائن. وفي المقابل حذرت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة من أن العمليات تسببت «بتبعات إنسانية مروِّعة» للأسر النازحة التي لجأت إلى المدينة التي يسكنها نحو مليون نسمة، والتي أعلن فيها حدوث مجاعة الشهر الماضي.
وفي غضون ذلك، شارك متظاهرون إسرائيليون في ما وصفوه بـ«يوم التعطيل» للضغط على حكومتهم للتوصل فوراً إلى صفقة تنهي الحرب مقابل الإفراج عن جميع الـ48 رهينة الإسرائيليين والأجانب الموجودين في غزة، ويُعتقد أن 20 منهم على قيد الحياة.
قال مسؤولو مستشفيات إن غارات إسرائيلية وإطلاق نار في أنحاء قطاع غزة أودى بحياة ما لا يقل عن 46 شخصاً منذ منتصف الليل. واستقبل مستشفى الشفاء في المدينة جثث 21 شخصاً، من بينهم خمسة قُتلوا حين استهدفت طائرة حربية إسرائيلية شقة في منطقة ميناء الصيادين بغرب المدينة.
قتل في غارة الوالدان وشقيقتان لطفل يبلغ ثلاث سنوات يُدعى إبراهيم المبّوح، بحسب جدته. وروت أم أبو العبد أبو الجبين أنها وجدته مدفوناً تحت أنقاض عمود منهار في المنزل الذي كانت العائلة النازحة من جباليا تحتمي فيه. «هو الوحيد الذي أنقذه الله… استيقظنا على صراخ الصبي»، هكذا قالت.
أفاد المسعفو أن طائرات مسيرة إسرائيلية ألقت قنابل حارقة قرب عيادة ليلًا في حي الشيخ رضوان، الذي ذكرت تقارير أن الجنودد والدبابات تتقدم فيه. وأظهرت مقاطع نُشرت على مواقع التواصل ليلًا حريقاً بجانب سيارة إسعاف داخل ساحة عيادة الشيخ رضوان، وسيارة إسعاف أخرى تحترق في شارع مجاور.
قال سكان إن القوات الإسرائيلية ألقت قنابل يدوية على ثلاث مدارس في الشيخ رضوان تُستخدم ملاجئ للعائلات النازحة، وأشعلت خياماً، وفجرت مركبات مدرعة محملة بالمتفجرات لتدمير منازل في شرق الحي. وقالت زكية سامي، أم لخمس أطفال تبلغ من العمر 60 عاماً: «الشيخ رضوان يُحرق من القاعدة إلى القمة. الاحتلال دمر البيوت وأحرق الخيم، والطائرات المسيرة كانت تبث رسائل صوتية تأمر الناس بمغادرة المنطقة».
قال الجيش الإسرائيلي إنه يراجع التقارير. وخلال زيارة إلى غزة يوم الأربعاء، قال رئيس الأركان، الفريق إيال زامير، للجنود: «دخلنا المرحلة الثانية من عملية ‹عربات جِدعون› لتحقيق أهداف الحرب». وأضاف: «إعادة رهائننا مهمة أخلاقية ووطنية؛ سنواصل ضرب مراكز ثقل حماس حتى تُهزم».
ندّدت حماس بما أسمته «عمليات تدمير منهجية» من قبل القوات الإسرائيلية في مدينة غزة، واعتبرت أن ذلك يشكل «انتهاكاً غير مسبوق» للقانون الدولي.
أغلب الذين نزحوا حديثاً — أكثر من 82 ألف شخص منذ 14 أغسطس — اتجهوا نحو الساحل المزدحم غرب مدينة غزة، بحسب تقديرات الجهات الإنسانية. وذكرت وكالات الأمم المتحدة وشركاؤها أن إعلان تكثيف العمليات العسكرية في 7 أغسطس «أدى إلى عواقب إنسانية مروعة» في مواقع النزوح، وكثيرون من النازحين كانوا أصلاً من شمال القطاع بما في ذلك جباليا.
حذرت الأمم المتحدة من أن العديد من الأسر لا تستطيع التنقّل بسبب التكاليف العالية والصعوبات اللوجستية، فضلاً عن نقص مساحات آمنة، وأن إجبار مئات الآلاف على التوجّه جنوباً قد يُشكّل نقلاً قسرياً بموجب القانون الدولي. وأشارت إلى أن معظم النازحين اتجهوا نحو الساحل المزدحم، بينما غادرت ثلث الأسر فقط نحو جنوب غزة كما طلب الجيش.
أبلغ الجيش النازحين بالتوجّه إلى منطقة المواسي مع وعود بتوفير الرعاية الطبية والمياه والمواد الغذائية، لكن الأمم المتحدة تقول إن مخيمات الخيام هناك مكتظة وغير آمنة، والمستشفيات الجنوبية تعمل بأضعاف طاقتها. يوم الثلاثاء، قُتل خمسة أطفال أثناء انتظارهم الماء في مخيم خيام بالمواسي، وقال شهود إنهم استهدفوا بطائرة مسيرة إسرائيلية.
في القدس، تسلّق متظاهرون مطالبون بصفقة لإنهاء الحرب وحرية الرهائن سطح المكتبة الوطنية. وأعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نية إسرائيل «الاستيلاء على كامل غزة» بعد فشل محادثات غير مباشرة مع حماس حول وقف إطلاق نار وتبادل أسرى في يوليو.
تخشى عائلات الرهائن أن يعرّض الهجوم أولئك المحتجزين في مدينة غزة للخطر، وتطالب رئيس الوزراء بالتفاوض من أجل صفقة تضمن إطلاق سراحهم. وقد طرح وسطاء إقليميون اقتراحاً يقضي بإطلاق سراح عشرة رهائن أحياء وتسليم رفات 18 قتيلاً خلال هدنة مدتها 60 يوماً، لكن نتنياهو قال إنه سيقبل فقط صفقة شاملة تطلق سراح الجميع وتُجرد حماس من سلاحها.
أضرم متظاهرون في القدس إطارات سيارات وسلال نفايات وأتلفوا سيارات متوقفة يوم الأربعاء للمطالبة بصفقة فورية. واعتُقل 13 شخصاً بعدما تسلقوا سطح المكتبة الوطنية وعلّقوا لافتة كتب عليها: «تخلّيتم وقتلتم». وخاطب بعض أقارب الرهائن جمعاً كبيراً قرب مقرّ رئيس الوزراء، من بينهم أوفير براسلافسكي، والد روم براسلافسكي (21 عاماً)، الذي ظهر هزيلاً ومُصاباً في شريط أرسله خاطفوه من الجهاد الإسلامي في أوائل أغسطس.
«ابني روم يموت من الجوع ويُعذّب. ترى في عينيه أنه لم يعد يريد أن يعيش»، قال والده. نقلت رويترز عن أب قوله: «لا شيء أصعب أن يراه الأب ولا يستطيع أن يفعل شيئًا»، بحسب صحيفة هاارتس.
وأضاف الأب متسائلًا بمرارة: «كيف يعقل أنه بعد مرور شهر على نشر فيديو ابني الذي يفضح الفظائع هناك، تتركه الحكومة هناك؟ ورئيس الوزراء يسعى لاحتلال مزيد من الأراضي؟ لا أجد تفسيرًا لذلك».
من جهته، غرّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب — الذي ساهم في التوسط لاتفاق وقف إطلاق نار وتسليم رهائن سابق في يناير — قائلاً: «قلوا لحماس أن تُعيد فورًا جميع الرهائن العشرين (ليس اثنين أو خمسة أو سبعة!)، وسيحدث تغيير سريع. سينتهي الأمر!»
وأطلقت القوات الإسرائيلية حملة في غزة ردًا على الهجوم الذي قادته حركة حماس على جنوب اسرائيل في 7 أكتوبر 2023، الذي أسفر عن مقتل نحو 1,200 شخص واحتجاز 251 رهينة.
ومنذ ذلك الحين، أسفرت الهجمات الإسرائيلية في غزة عن مقتل ما لا يقل عن 63,746 شخصًا، وفقًا لوزارة الصحة التي تديرها حركة حماس في القطاع.
وتضيف الوزارة أن 367 شخصًا لقوا حتفهم حتى الآن خلال الحرب نتيجة لسوء التغذية والمجاعة، بما في ذلك ستة أشخاص خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية.