فشلت جماعة التمرد «إم23» والحكومة في جمهورية الكونجو الديمقراطية في توقيع اتفاق سلام نهائي كان مقرراً يوم الإثنين، بعد اتهام المتمرّدين الجيش الكونغولي بخرق اتفاق سابق يُفترض أن يمهّد لاتفاق شامل.
المحادثات المقررة في الدوحة كانت جزءاً من جولة تفاوضية وساطتها قطر، وكان من المقرر حضور الطرفين في العاصمة القطرية لتوقيع ما اعتُبر الميثاق الختامي للسلام. إلا أن «إم23» أعلنت، عشية التوقيع، أن ممثليها لم يتواجدوا في الدوحة بحسب الاتفاق، ما أثار خشية المحللين من أن تنهار المحادثات تماماً. وفي اليوم التالي بدا أن الحركة تراجعت عن موقفها، وعدت بإرسال وفد خلال الأيام المقبلة.
خلفية الصراع
تتورط جمهورية الكونجو الديمقراطية في صراع طويل مع حركة «إم23» المدعومة، وفق اتهامات كينشاسا وتقارير أممية وغربية، من رواندا. في ديسمبر 2023 اندمجت الحركة مع ميليشيا أخرى تُعرف بـ«تحالف نهر الكونغو» (AFC) فأصبحت تُدعى AFC‑M23. تفاقم القتال في يناير حين استولت الحركة على مساحات واسعة من شرق البلاد الغنيّ بالمعادن، شملت مدينة غوما الإقليمية، واستمر العنف لاحقاً رغم دعوات لوقف إطلاق النار، بما في ذلك هجوم أودى بحياة أكثر من 300 شخص الأسبوع الماضي.
ما هو اتفاق الدوحة؟
هو إطار تفاوضي جمع «إم23» والكونجو، كما ربطه إلى حد ما دور رواندا، التي اتهمتها كينشاسا ودول ومنظمات دولية بدعم التمرّد. بادر قادة من المنطقة وسُبل وساطة سابقة، لكنها لم تصمد. في مارس استضاف أمير قطر اجتماعاً جمع رئيسي جمهورية الكونجو ورواندا ودعا الطرفين إلى وقف النار، وتلاه حوار مباشر بين الكونجو و«إم23» بوساطة قطرية.
بالتوازي، توسطت الولايات المتحدة في يونيو بين الحكومتين في واشنطن على أساس اتفاق ثنائي تضمن تعاوناً أمنياً مشتركاً وضمان عودة النازحين ووقف دعم الميليشيات، وانسحاب للقوات الرواندية التي يُعتقد أنها ساعدت «إم23» في تصعيد العام الحالي. وصف قادة رواندا والكونجو الاتفاقين الأميركي والقطري بأنهما وجهان لعملة واحدة.
في 19 يوليو وقّع الطرفان في الدوحة «إعلان المبادئ» الذي تضمن التزاماً بإنهاء القتال والعمل على اتفاق شامل، مع بنود لتبادل الأسرى وإعادة السيطرة المدنية على المناطق الخارجة عن نفوذ الدولة — لكن لا توجد تقارير مؤكدة عن تبادل أسرى حتى الآن، رغم أن ذلك يمثل أولوية لـ«إم23». نص الإعلان على بدء مفاوضات في 8 أغسطس وتحديد توقيع الاتفاق النهائي في 18 أغسطس.
تباين التفسير
فسّر كل طرف بنوده بطريقة مختلفة: الحكومة الكونغولية اعتبرت أن الإعلان يستلزم انسحاب «إم23»، في حين توصّف قيادة الحركة الإعلان بأنه ليس مسألة انسحاب بقدر ما هو منظومة من الآليات لتمكين الدولة من استعادة صلاحياتها. قال ناطق الحركة إنهم «في غوما مع الناس ولن ينسحبوا»، بينما أصرت كينشاسا على أن الانسحاب شرط أساسي، وأن مسألة الأسرى يجب التفاوض بشأنها داخل الاتفاق النهائي لا أن تكون شرطاً لاستئناف الحوار.
لماذا أوقفت «إم23» محادثات 18 أغسطس؟
اتهمت الحركة الحكومة بمواصلة الهجمات على مواقعها، وذكرت وقوع ضربات مدفعية وطائرات من دون طيار في مناطق بكيبوتو بجنوب كيفو خلال عطلة نهاية الأسبوع. وأوضحت الحركة أن التفاوض مستحيل ما لم تَنفّذ الحكومة الالتزامات السابقة كالإفراج عن الأسرى. جددت القيادة في بيان التزامها بعملية الدوحة، مشددة على أن تنفيذ «إعلان المبادئ» بأكمله هو شرط مسبق لأي جولة لاحقة من المحادثات.
لاحقاً ظهر رئيس الحركة بوتيرة أقل تشدداً معلناً أن فريقاً فنياً سيزور الدوحة لمراجعة الترتيبات العملية لتطبيق وقف النار وإطلاق سراح الأسرى. نقلت رويترز عن مسؤول في الحركة أن الإرسال جاء تحت ضغط قطري وأن التوقّعات من الجولة محدودة؛ هدف الوفد تعزيز الإلزام بتنفيذ الإجراءات قبل الخوض في مفاوضات جوهرية.
أهمية قضية الأسرى والدور الإقليمي
لم تُعلن كينشاسا أعداد أسرى «إم23» المحتجزين، لكن الإفراج عنهم يظل مطلباً ملحّاً للحركة. منذ مارس بدا أن مشاركة الجيش الرواندي تقلّ على الأرض بحسب تقارير مراكز دراسية غربية، لكن الدعم السياسي والعملياتية لا تزال محل تساؤل. يرى محلّلون أن تعطيل «إم23» للمحادثات قد يكون استراتيجية لشدّ عصب مطالبها وإجبار الحكومة على التفاوض حول قضايا عملية مثل الأسرى والآليات الأمنية قبل الانتقال إلى بنود أوسع لمعالجة جذور النزاع.
تحليل ختامي
المشهد الراهن يدلّ على هشاشة التفاهمات والاعتماد الكبير على الوساطات الإقليمية والدولية لإنقاذ العملية السياسية. ما لم تُسلّم التزامات صريحة على الأرض وتُترجم إلى إجراءات ملموسة — خصوصاً بشأن وقف النار والإفراج عن الأسرى — فستظل فرص تثبيت سلام دائم محدودة، بينما يواصل المدنيون دفع ثمن التصعيد. في نهاية المطاف، قال ميندي إن «هناك ضغطًا كبيرًا لاحترام الاتفاقيات [في واشنطن والدوحة]»، وهذا ما رجّح أن يكون الدافع وراء تراجع المجموعة عن مسارها السابق.
النازحون داخليًا يغادرون المخيّمات وهم يحملون مقتنياتهم، بعد فرارهم من منازلهم بسبب الاشتباكات في أطراف غوما، فبراير 2025.
ما هو M23 ومن يدعمه؟
الـ M23 تُعدّ أبرز ميليشيا من بين العشرات من الجماعات المسلحة المتصارعة على السيطرة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، المنطقة الغنية بالموارد المعدنية. جنّد عناصرها في الأصل خلال الحروب الأهلية الكونغولية ثم أُدمج بعضهم في صفوف الجيش الوطني. في عام 2012، ادّعى نحو ثلاثمئة عنصر أنهم يتعرّضون لسوء معاملة داخل الجيش الكونغولي فانسحبوا وأعلنوا تشكيل حراك مسلّح، مدّعين أنهم يدافعون عن حقوق التوتسي الكونغوليين ذوي الأصول الرواندية، الذين يمثلون أقلية في البلاد.
رغم أن الهجوم الواسع الذي شنّته المجموعة في 2012 قابله ردّ قاس من تحالف القوات الحكومية والقوات الأممية مما أدى إلى تراجعها، فقد أعادت الظهور بقوة عام 2022، وبمعدات أكثر تطوّرًا. وفي يناير من هذا العام شنّت قواتها هجمات خاطفة انطلاقًا من مواقعها في الشرق، وسيطرت على مدن وبلدات عدة قبل أن تحتل غوما وبوكافو، عاصمتي إقليمي شمال كيفو وجنوب كيفو على التوالي. أسفرت المعارك عن مقتل نحو 3000 شخص ونزوح مئات الآلاف.
وجّه تقرير مجموعة خبراء تابع للأمم المتحدة في 2023 اتهامات لرواندا بتمويل المجموعة، كما كررت الولايات المتحدة ذات الاتهام. رواندا لم تعد تنفي الاتهامات لكنها بالمقابل تتهم الكونغو بدعم ميليشيا مناوئة لحكومة كغامي تُعرف بقوات تحرير رواندا (FDLR). وردّت تقارير بأن نحو 4000 جندي رواندي شاركوا إلى جانب M23 في القتال شرقي الكونغو في وقت سابق هذا العام. الصراع بين البلدين معقّد وتاريخ جذوره يعود إلى الإبادة الجماعية في رواندا والحروب الكونغولية التي تلتها.
ماذا قالت جمهورية الكونغو الديمقراطية؟
لم ترد الحكومة الكونغولية مباشرة على اتهامات M23 يوم الأحد. وأكد المتحدث باتريك مويّايا على منصة X التزام كينشاسا «بمسار السلام وتجدد حرصها على الاحترام الصارم للوحدة الترابية وسيادة الدولة وفقًا للدستور».
لكن المتحدث باسم الجيش الكونغولي، سيلفان إكنجي، قال في بيان الأسبوع الماضي إن M23 شَنّت «عدة هجمات» على مواقع للجيش في شرق البلاد، مُشيرًا إلى أن الهجمات كانت «شبه يومية» وتمثّل «انتهاكًا مقصودًا وواضحًا» لاتفاقيات السلام الموقعة في الدوحة وواشنطن.
وفي الأسبوع ذاته اتهمت الأمم المتحدة M23 بقتل ما لا يقل عن 319 مدنيًا، بينهم أطفال، في هجمات بمنطقة روتشورو في شمال كيفو شرقي البلاد. ووصَف مفوض حقوق الإنسان بالأمم المتحدة فولكر تورك ذلك بأنه من «أكبر حصائل الضحايا الموثقة» منذ عودة ظهور المجموعة عام 2022، معربًا عن إدانة شديدة وداعيًا إلى «وقف جميع الهجمات ضد المدنيين فورًا ومحاسبة المسؤولين».
فيما يتعلق بإطلاق سراح أسرى M23، قال مصدر حكومي لم يُسمَّ لرويترز إن الطلب يشكّل شرطًا معقَّدًا، وإن جمهورية الكونغو تفضّل أن يُبحث هذا الأمر ضمن سير المفاوضات بدلًا من أن يكون شرطًا لاستمرار الحوار.
كيف تفاعلت قطر؟
قال ماجد الأنصاري، المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، للصحفيين الثلاثاء إن هناك أملًا باستكمال الاتفاق، رغم تجاوز الجداول الزمنية المحددة. وأضاف: «الجانب الإيجابي أن الطرفين يتعاملان بتجاوب كبير، ونحن على اتصال وثيق معهما ومتمسّكون بالعملية، وأعتقد أن الأطراف أظهرت درجة من الاستعداد للاتفاق لم تكن موجودة من قبل».
المتحدث لم يحدد موعدًا جديدًا لتوقيع الاتفاق، علماً أن مسؤولين قطريين أعلنوا سابقًا أنهم شاركوا مسوّدة الاتفاق النهائي مع الطرفين لمراجعتها.