تعليم الطلاب فن التفكير اللاعقلاني

علّم الطلاب التفكير اللاعقلاني

بقلم تيري هيك

التعلّم النظامي تجربة مُذِلّة إلى حدّ ما. كمخططين ومصمّمين ومنفّذين ومُتصرّفين عن شؤون التعليم العام والخاص، نُناط بنا واجب يبدو هائلاً: أن ندفع الطفل نحو تعليم «جيد» عبر ترويض نزعاته الفطرية للّعب والمقاومة والقيادة الذاتية—القراءة والكتابة والحساب وغيرها.

وليس في ذلك خطأ؛ بل على العكس، النية نبيلة والجهد استثنائي، وفُرص كثير من الأطفال، لا سيما القادمين من خلفيات محرومة، أصبحت أفضل بفعل هذا النظام مما كانت عليه لولا ذلك. لكن ثمّة جانباً مظلماً مؤسفاً للتعلّم النظامي، خصوصاً عند حشر ثمانمئة طالب في مدرسةٍ واحدة وثلاثة وثلاثين في فصلٍ دراسيِّ واحد و»تحميل المعلمين مسؤولية النتائج».

هذا الجانب قد يصبح أكثر انشغالاً بمقاييس المساءلة من اهتمامه بالمتعلّم ذاته—وبالتالي الطلاب مسؤولون أمام المعلمين، والمعلمون أمام المدراء، والمدراء أمام المشرفين، والمشرفون أمام هيئات الدولة، والجميع أمام مقاييس متنوعة للدافعية أو للعقاب. وهنا تتفاقم مسؤليات النظام على حساب الحياة الداخلية لعملية التعلّم.

وينشأ من ذلك مناخ تعليمي تُسوَّق فيه العفوية والفضول وقيادة المتعلّم لذاته إلى مرتبة ثانوية، لصالح «استراتيجيات محكومة بالبحوث» تهدف إلى دفع الطلاب نحو الكفاءة المثبتة؛ فهل نخسر بذلك جزءاً ثميناً من طفوليّة التعلم؟

ضمن هذا الإطار شاهدت محاضرة أدورا سفيتاك التي تطرّقت ببراعة إلى قيمة «اللا نضج» في الإنجازات العظيمة. تساءلتُ أثناء استماعها إن كانت قد دلّبت أو درّبت، لأن خطابها كان بالغ البلاغة—ولو أنني تمنّيت لو ظلّت أكثر «طفوليّة» في أدائها. تقول أدورا شيئاً يستحق التأمل: من الممكن أن يكون نوعٌ من التفكير اللاعقلاني بالذات ما يحتاجه العالم. كم مرة وُلدت فكرة عظيمة ثم قادك شعورٌ بالاستحالة أو التكلفة أو عدم النفع إلى إخمادها؟

يقرأ  الدعوة إلى التفكير الناقد في ظلّ التوترات الاجتماعية— تيتش ثوت

نحن، كأطفال، أقل تقييداً بأسباب «لا نفعل»؛ نحلم بأماني صارخة—لا أحد يجوع، وكل شيء مجاني كما في يمنٍ متخيّل—ونحمل تصوّرات كاملة عن إمكانيات غير مرئية. قد يُثقل التاريخ والاطلاع على إخفاقات المشروع اليوتوبي بالراحلة الواعية، لأنك تعلم أن المجانية المطلقة قد تستنزف الموارد وتقود إلى فوضى، ومع ذلك، نحن الأطفال ما زلنا نحلم بالكمال. وهذا أمرٌ حسن، لأنك لا تبرم الواقع قبل أن تحلم به أولاً.

يمكن أن نأخذ هذه الحجة خطوة أبعد ونتخيل ماذا لو تخلّى التعليم عن كلّ ما يَجعل التعلم مجرد تنفيذٍ للمعايير، وانغمس كليّاً في المحتوى والمجتمع. المعايير؟ لا بأس بها. التقييم؟ مقبول—لكن قيّموا بأساليب معيارية من دون أن تُقنِعوا التعلم نفسه في قالبٍ موحّد.

ماذا لو كان التعلّم يشبه الطفل: غير عقلاني، في حركة دائمة، عاشق للاكتشاف؟

في نهاية المطاف، قد يكون التحدّي الحقيقي هو خلق إشارات تقيّم ما نُريد من الطلاب إتقانه، من دون أن نقتل لديهم القدرة على الحلم، على المجازفة، وعلى التفكير خارج حدود الممكن. يمكننا أن نُقيّم مع الحفاظ على تعدّدية التجارب وأساليب التفكير—فالعالم يحتاج أحياناً إلى أفكار تبدو للوهلة الأولى غير منطقية كي تتبدّل الحال.

أضف تعليق