قال أحد الرؤساء المشاركين في تقرير أممي بارز عن حالة البيئة العالمية إن التقرير “اختُطف” عمليًا من قِبل الولايات المتحدة ودول أخرى رفضت الامتثال للنتائج العلمية.
يربط تقرير التوقعات البيئية العالمية، ثمرة ست سنوات من العمل، بين تغير المناخ وفقدان الطبيعة والتلوث من جهة، وأنماط الاستهلاك غير المستدامة لدى سكان الاقتصادات الغنية والناشئة من جهة أخرى. ويحذر التقرير من “مستقبل كارثي” لَمَلايين الأشخاص ما لم يحدث تحوّل سريع بعيدًا عن الفحم والنفط والغاز وإلغاء الإعانات الممنوحة للوقود الأحفوري.
في اجتماع عقد مع ممثلي الحكومات لاعتماد ملخّص استنتاجات التقرير، أبلغت الولايات المتحده وحلفاؤها أنهم لا يستطيعون الموافقة على نص الملخص. وبما أن العلماء رفضوا تخفيف أو تغيير النتائج، نُشر التقرير في النهاية من دون الملخص الموجز المتفق عليه وبدون تأييد رسمي للحكومات، ما أفقده جزءًا من تأثيره العملي.
يرى الباحثون أن معارضة هذا التقرير تعكس المخاوف نفسها التي أُثيرت خلال محادثات COP30 الأخيرة. وقد تواصلت هيئة الإذاعة البريطانية مع الجهات الحكومية الأميركية المعنية لطلب تعليقها.
يصدر تقرير التوقعات البيئية العالمية كل ست أو سبع سنوات، ويعد تحليلاً علميًا مرجعيًا للتهديدات الكبرى التي تواجه الكوكب. وتُعد الممارسة المعتادة في مثل هذه الدراسات أن تُتفق الخلاصات والتوصيات الأساسية كلمة بكلمة مع الحكومات وتُنشر كـ”ملخص لصانعي السياسات”، إذ تُعطي هذه الملخصات دلالة مهمة على أن الحكومات تقبل العلم ومستعدة لتحويل النتائج إلى إجراءات تنفيذية.
لكن النسخة الجديدة من التقرير خلت من هذا النوع من الملخّصات، بعد فشل المؤلفين والممثلين السياسيين لحوالي سبعين دولة في التوصل إلى نص موحَّد خلال اجتماع “عاصف” عقد في نيروبي في أكتوبر الماضي.
أعدّ التقرير نحو ثلاثة مئة عالم حول العالم، ويؤكد أن ما نأكله من طعام، وما نرتديه من ملابس، والطاقة التي نستهلكها، كل ذلك يقوم على استخلاص موارد بطريقة شديدة اللااستدامة. ولحل القضايا المترابطة بين تغير المناخ والتلوث وتآكل التنوع البيولوجي، يقدّم التقرير حزمة من التوصيات؛ من بينها الانتقال السريع عن الفحم والنفط والغاز والحد الجذري من الإعانات الممنوحة للزراعة والوقود الأحفوري.
يعترف المؤلفون بأن مثل هذه الإجراءات سترفع الأسعار على المستهلكين على المدى القصير، لكنهم يؤكدون أن هذه الآلام المؤقتة ستؤدي إلى فوائد اقتصادية عالمية طويلة الأجل. ومع ذلك، اعتُبرت هذه الإجراءات الصارمة، لا سيما ما يتعلق بالوقود الأحفوري والبلاستيك، مبالَغًا فيها من قبل الولايات المتحدة والسعودية وروسيا ودول أخرى خلال عملية الاعتماد التي تُجرى عادة بالتوافق.
قال السير روبرت واتسون، أحد الرؤساء المشاركين في التقرير: “مجموعة صغيرة من الدول اختطفت العملية، لأقولها بصراحة.” وأضاف أن الولايات المتحدة قررت في البداية عدم حضور الاجتماع مطلقًا، ثم انضمت في النهاية عبر مؤتمرات فيديو وأعلنت أنها لا تستطيع الموافقة على معظم محتويات التقرير، مما يعني عدم موافقتها على ما قلناه بشأن المناخ والتنوع البيولوجي والوقود الأحفوري والبلاستيك والإعانات.
يُعدُّ السير روبرت من أبرز الأصوات العلمية على مستوى العالم؛ فقد شغل منصب كبير العلماء في وزارة البيئة البريطانية، وترأس سابقًا الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وعمل كذلك لدى البنك الدولي ووكالة ناسا. لكنه خاض أيضًا نزاعات مع الولايات المتحدة في الماضي، وانتقد قرارها الانسحاب من بروتوكول كيوتو حينما كان رئيسًا للهيئة، وفُصل من هذا المنصب عام 2002 عقب ضغوط مارستها إدارة الرئيس جورج دبليو بوش.
اتفق حاضِرون آخرون في الاجتماع على أن تصرفات الولايات المتحدة ودول أخرى “عرقلت” المسار المتبع لاعتماد الملخّص. وقال الدكتور ديفيد برودستوك، من مجموعة لانتاو وأحد المؤلفين الرئيسيين للتقرير: “كنت أظن أننا تجاوزنا لحظة إدراك أن احتراق النفط ينتج مادة سوداء كثيفة، وأن استنشاقها ليس أمراً مفيدًا”، مضيفًا: “هذا واضح، ومع ذلك ما زلنا نرى أطرافًا تسعى إلى زيادة حجم إنتاج هذه المواد.”
منذ توليه المنصب، سعى الرئيس ترامب إلى تعزيز إنتاج الوقود الأحفوري وتخفيف التزامات الولايات المتحدة في مكافحة تغير المناخ، داعيًا إلى جعل البلاد قوة طاقة عالمية بموارد رخيصة وموثوقة. كما سعى إلى دفع القضاء الأميركي لإبطال النظرية القائلة بأن ثاني أكسيد الكربون يمثل خطراً على الصحة العامة، واتخذت إدارته خطوات للحد من صلاحيات أو تأثير بعض الهيئات الدولية التي تسعى لمواجهة الاحترار.
شهد هذا العام محاولات لإدخال تعديلات أو حذف نصوص في مفاوضات دولية حول البلاستيك، وفي المنظمة البحرية الدولية، وخلال محادثات COP30، بهدف شطب عبارات تعتبر تغير المناخ قضية رئيسية تستلزم تحركًا عاجلًا للابتعاد عن الوقود الأحفوري.
من المرجح أن تثير الخلافات حول تقرير التوقعات البيئية العالمية تساؤلات بشأن مستقبل مفاوضات اعتماد تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، إذ تُعد هذه الدراسات أساسًا للمساعي الدولية لاحتواء ارتفاع حرارة الكوكب.