بومزا فهلاني — بي بي سي، جوهانسبرغ
في حين تحتضن أفريقيا نسبة كبيرة من لغات العالم — تتجاوز ربعها بحسب بعض التقديرات — إلا أن كثيراً من هذه اللغات غائب عن مشهد تطوير الذكاء الاصطناعي. يعود ذلك جزئياً إلى نقص الاستثمار وقلة البيانات المتاحة للتدريب. معظم أدوات الذكاء الاصطناعي الشائعة اليوم، مثل ChatGPT، تُدرّب أساساً على الإنجليزية ولغات أوروبية وصينية، وهي لغات تتوفر لها كميات هائلة من النصوص على الانترنت. أما العديد من لغات أفريقيا فمكتوبة إلى حد محدود لأن أغلبها منطوق، فتنعدم المادة النصية اللازمة لتعليم النماذج وجعلها مفيدة لمتحدثي هذه اللغات، ونتيجة لذلك يُترك ملايين الناس خارج دائرة هذا التحول التقني.
مبادرة Africa Next Voices سعَت لسدّ جزء من هذا الفراغ، فجمعت لغويين وعلماء حاسوب لإنتاج مجموعات بيانات جاهزة للاستخدام في الذكاء الاصطناعي لما يفوق ثمانية عشر لغة إفريقية. قد تبدو هذه خطوة أولية بالنسبة لأكثر من ألفي لغة يُقدّر أنها تُنطق في القارة، لكن المشاركين يأملون في توسعتها مستقبلاً. خلال عامين سجّل الفريق نحو 9,000 ساعة من الكلام في كينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا، موثِّقاً مواقف حياتية يومية في مجالات الزراعة والصحة والتعليم. شملت اللغات المسجَّلة أمثلة مثل الكيكويو والدولوو في كينيا، والهوسا واليوروبا في نيجيريا، والإيسيزولو والتشيفيندا في جنوب أفريقيا — بعض هذه اللغات يتحدثها ملايين الناس.
يقول البروفيسور فوكسوسي ماريفاتيه من جامعة بريتوريا، أحد قادة المشروع في جنوب أفريقيا: «نفكّر بلغاتنا، نحلم بها ونفسّر العالم من خلالها. إذا لم تعكس التكنولوجيا ذلك، فسيكون هناك شريحة كاملة معرضة للتخلف.» ويضيف: «نحن نعيش ثورة الذكاء الاصطناعي وتخيل إمكانياتها، فتخيّل أن ثمة جزءاً من السكان لا يمكنه الوصول إلى هذه الفوائد لأن المعلومات كلها متاحة بالإنجليزية فقط.»
وتؤكد اللغوية الحاسوبية الكينية ليليان وانزارِي أن تسجيل الكلام على الأرض هدفه إنتاج بيانات تعكس كيف يعيش الناس ويتحدّثون فعلاً: «جرينا أصواتاً من مناطق وأعمار وخلفيات مختلفة حتى نُحصّل أكبر شمولية ممكنة. الشركات الكبرى لا تلمس هذه الفوارق دائماً.» جعل تمويل بقيمة 2.2 مليون دولار (نحو 1.6 مليون جنيه إسترليني) من مؤسسة غيتس المشروع ممكناً. وستُتاح البيانات وصولاً حراً للمطوِّرين لبناء أدوات ترجمة وتفريغ واستجابة بلغات أفريقية.
توجد بالفعل أمثلة صغيرة على كيفية استخدام لغات المجتمع الأصلي في حلول واقعية بأفريقيا. مزارِعة تُدعى كيليبوغيل موسيمي تدير مزرعة مساحتها 21 هكتاراً في راستنبرغ بمنطقة البلاتين بجنوب أفريقيا، وتزرع خضروات مثل الفاصولياء والسبانخ والقرنبيط والطماطم. بدأت قبل ثلاث سنوات بمحصول ملفوف، وتستعين بتطبيق يسمى AI‑Farmer يتعرّف إلى عدة لغات جنوب أفريقية من بينها السيسوتو والإيسيزولو والأفريكانية ليساعدها في حلّ مشاكل المزرعة. تقول موسيمي: «بما أنني لا أزال أتعلم الزراعة، أواجه تحديات كثيرة. يومياً أرى فائدة استعمال لغتي الأم Setswana في التطبيق؛ عندما أواجه مشكلة في المزرعة أسأل وأحصل على إجابة مفيدة.» وتُضيف تحت قبعة شمس واسعة: «بالنسبة لشخص ريفي مثلي وغير متمكّن من التكنولوجيا، هذا مفيد. أستطيع السؤال عن خيارات مكافحة الآفات، وكان مفيداً أيضاً في تشخيص النباتات المريضة.»
شركة جنوب أفريقية شابة تُدعى Lelapa AI تطوّر أدوات ذكاء اصطناعي بلغات أفريقية للبنوك وشركات الاتصالات. تقول المديرة التنفيذية بيلونومي مويلوا إن ما هو متاح حالياً محدود جداً: «الإنجليزية هي لغة الفرص. بالنسبة لكثير من الجنوب أفارقة الذين لا يتقنونها، الأمر ليس مجرد إزعاج — بل قد يعني فقدان خدمات أساسية مثل الرعاية الصحية أو الخدمات المصرفية أو حتى الدعم الحكومي.» وتختم: «اللغة يمكن أن تكون حاجزاً كبيراً. نحن نقول إنه لا ينبغي أن تكون كذلك.»
يتجاوز الموضوع كونه مسألة خدمة أو مصلحة اقتصادية. بالنسبة للبروفيسور ماريفاتيه، هناك خطر أعمق عند إهمال مبادرات اللغات الإفريقية: «اللغة هي باب إلى الخيال. ليست مجرد كلمات؛ إنها تاريخ وثقافة ومعرفة. إذا لم تُضمّن اللغات الأصلية، فإننا لا نفقد بيانات فحسب؛ بل نفقد طرق رؤية وفهم العالم.»