دروس الحروب عبر التاريخ لإسرائيل المعاصرة

حين استحضر نتنياهو مصطلح «سوبر-سبارتا»، تجلّت أمامنا إمكانية تكرار أخطاء تاريخية أنهكت مدينتين-دولتين بعد عقود من الحرب. هذه الإشارة تستدعي منّا تأملاً في دروس الماضي قبل أن نصنع هويّة وطنية عسكرية على حساب المستقبل.

في عشية حرب البيلوبونيز عام 432 قبل الميلاد، استُدعي ملك سبارتا الحكيم أركيداموس ليحكم في نزاع بين كورنث واثينا. حذّر حلفاء سبارتا من تصاعد قوة أثينا وقلقوا من أن تهاون سبارتا سيُضعف ثقة الدول اليونانية الأخرى بها ويؤدي إلى هجران الحلفاء. فأجاب أركيداموس متنبهاً إلى مخاطر الوقوع في «شهوة الحرب الناتجة عن الجهل»، سائلاً بدلاً من الانطلاق المتهور: بأي سبب نبرر بدء صراع كهذا؟

تعيد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلية الحالية إثارة نقاش قديم: هل يليق مقارنة دولة معاصرة بمدينة‑دولة يونانية كلاسيكية؟ يرى اليمين في خطاب «سبارتا» صورة مجتمع محارب منظّم، بينما يخشى الوسط واليسار أن تتحوّل هذه الرؤية إلى نبوة تتحقّق بالعزلة والتعسف، أي الإعجاب بولع سبارتا بالعسكرة والهيمنة على الآخرين.

لكن الخلاف حول التشبيهين يفترض تبسيطاً تاريخياً. تصوّر الغرب غالباً أثينا رمزاً للديمقراطية والبحرية والثقافة، بينما تُصوّر سبارتا برقّة كمجتمع صارم مسكون بالحرب. هذا القطع الثنائي يغفل أن المدينتين كانتا بين عدة دويلات صغيرة متقاربة الصفات، وأن ما رسّخ صورتهما كقوى متقابلة كان سجال حرب البيلوبونيز وسرد ثوسيديدس لها.

الحرب بينهما امتدت قرابة ثلاثين عاماً (431–404 ق.م.)، شملت مرحلة أرشيدامية استمرت عشر سنوات ثم حملات صقلية وجولة ثانية من القتال. كانت النتيجة خراباً لأثينا وانحداراً طويلاً لسبارتا؛ الحرب أضرت بكل من الطرفين وحلفائهما. الجدير بالذكر أن كل منهما حشد شبكة واسعة من المستعمرات والحلفاء—أثينا إمبراطورية بحرية، وسبارتا صاحبة أحلاف برية—ما حدّد صيغة القتال بين غارات برية ومعارك بحرية.

يقرأ  قادة الجليل الأعلى يحذّرون: البيروقراطية والإهمال قد يقرّران مستقبل الحدود الشمالية لإسرائيل

ومع أن سبارتا تُصوّر عادة بوصفها دولة حربية، فقد تميّز ملكها آنذاك ببُعد نظر وحنكة عملية. حثّ على ضبط النفس محذِّراً من تمنّي نهاية سريعة عبر خراب أراضٍ العدو، خشية أن يصبح ذلك إرثاً للأبناء. وإذ دعا إلى قبول عروض التحكيم، كان يحاول تفادي نزاع طويل مدمر.

إسرائيل المعاصرة تحمل عناصر من كلتا الصورتين: روح قتالية واستعداد للتضحية هما من خصائص سبارتا، وفي الوقت نفسه تبدو قوة تكنولوجية وصادرات معرفية تجعلها أشبه بأثينا في مجالات الابتكار. لكن القيادة الحالية تفتقر، بحسب المراقبين، إلى خطاب حكيم يوازن بين الوطنية والحكمة الاستراتيجية: لا خطب تدعو للحذر من أثر الحرب على أجيال قادمة، ولا جدال معلن داخل الائتلاف حول نهاية متوازنة للنزاع. كما أن سياسات الإعفاء الواسعة لتيار الحريديم عن الخدمة، إلى جانب إرسال احتياطيين مراراً إلى جبهات القتال، تبدو في أعين البعض بعيدة عن نموذج الانضباط السبارتي؛ فحتى ملك سبارتا لم يكن ليستسلم لتراخي تعبئةٍ كهذا. كذلك، التصريحات التي تفخر بتسوية مناطق و«حرق» غزة ليست ببلاغات الحكمة بل بدعوات قد تجرّ البلد إلى حرب مطوّلة.

أن تتبنّى دولة نموذج «تقشف سبارتي» أو «انعزال أتيكي» محمي بأسوار طويلة ليس مساراً مضمون النفع؛ التاريخ يبيّن أن هاتين الاستراتيجيتين أدتا في نهاياتهما إلى الخراب. ومع ذلك، ثمة دروس عملية يمكن استقاؤها: كلا الطرفين في الحرب القديمة سعيا لاستعادة الرهائن وإبرام صفقات لإعادة أبناء شعوبهم—أي أن تسوية عملية لإنقاذ المواطنين والجنود غالباً ما كانت لها الأولوية على إطالة الصراع.

الخلاصة التاريخية واضحة: الدخول في حرب بلا نهاية قلّما يعود بمنفعة لأي طرف. ربما تكمن حكمة العبرة في أن تُولّى الأولوية لإعادة الناس إلى منازلهم والحفاظ على البنى الاجتماعية والاقتصادية بدل الركون إلى شعارات من شأنها أن تحوّل الدولة إلى كيانٍ معزولٍ كسْبارطي أو استعلائي كأثيني. تعلم الماضي لا يعني تقليده، بل الاحتذاء بعبره لتجنّب وراثة الدمار.

يقرأ  فينيسيا تُمدّد فترة تحصيل رسوم الدخول العام المقبل

أضف تعليق