دروس لنيودلهي من معركة الصين ضد تلوث الهواء البيئة

تحوّلت جودة الهواء في نيودلهي والمناطق المحيطة بها إلى حالةٍ خطرة بعدما لفّ ضباب دخاني كثيف العاصمة الهندية. بلغ مؤشر جودة الهواء (AQI) في عدة أحياء من دلهي نحو 400 وحتى 450 — مستويات تُصنّف دولياً على أنها «شديدة» وخطيرة على الصحة.

يتكرر هذا الارتفاع كل شتاء، حين تحاصر الكتل الهوائية الباردة الأدخنة والانبعاثات الناتجة عن الألعاب النارية، وحرق بقايا المحاصيل، وكثافة المرور. وتفاقم الأزمة يعود أيضاً إلى انبعاثات المركبات والمصانع، وغبار الطرق الواسع، وأنشطة البناء، وتدفئة المساكن بالوقود الحجري والكتلة الحيوية.

بينما تكافح عشرات المدن الهندية تدهور جودة الهوا إلى «سيئة» أو «رديئة جداً» وفق مرصد التلوث الوطني، اتجهت الأنظار إلى الصين كنموذج لتعلم الدروس. فقد نفّذت بكين إجراءات حازمة وسياسات فعّالة للحد من التلوث، موازيةً ذلك بنمو اقتصادي ملحوظ.

قبل عقدين كانت بكين تُعرَف بعاصمة الضباب الدخاني في العالم. شكلت التدابير المؤقتة لتقليل الانبعاثات خلال أولمبياد 2008 نقطة انطلاق لمعركة موسعة ضد تلوث الهواء. ومع إطلاق خطة عمل وطنية لخمس سنوات في 2013، أقدمت السلطة على سلسلة من الإجراءات: إغلاق المراجل العاملة بالفحم، تشجيع النقل العام والمركبات الجديدة ذات الطاقة النظيفة، تسريع تحديث التكنولوجيا في المؤسسات، وتعزيز الابتكار والطاقة الخضراء.

تركزت الجهود بشكل خاص على خفض جسيمات PM2.5 — الجزيئات القابلة للاستنشاق ذات القطر ≤2.5 ميكرون — لما تمثله من خطر بالغ لقدرتها على الاختراق العميق للرئتين ودخول مجرى الدم والتسبب بأمراض جهازية.

أثمرت إجراءات بكين إلى جانب إنشاء نظام إنذار مبكر واستجابة للطوارئ، وتشديد الرقابة على أنشطة التلوث، وإعادة توطين المصانع من المناطق المأهولة، وتقديم حوافز للمزارعين لوقف الحرق الزراعي، عن تحسّن ملموس: تحسّن بنسبة تقارب 35٪ في المناطق شديدة التلوث بحلول 2017.

يقرأ  لا تستطيع زيارة متحف المتروبوليتان؟قم بجولة افتراضية بدلاً من ذلك

واصلت المدينة حملتها في السنوات التالية؛ فانخفض متوسط تركيز PM2.5 إلى النصف تقريباً من 72 ميكروغرام/م³ عام 2013 إلى 36 ميكروغرام/م³ عام 2019، وإلى 29.3 ميكروغرام/م³ عام 2024، مع تذكّر أن إرشادات منظمة الصحة العالمية تقترح مستوى مرجعي 5 ميكروغرام/م³. وامتدّ التقدّم ليشمل 2025، حيث سجّلت الحكومة متوسط تركيز 24.9 ميكروغرام/م³ في الأشهر التسعة الأولى من العام، دليلاً على نتائج سياسة مستمرة ومتكاملة.

دعمت الأرقام الرسمية دراسات مستقلة تُظهِر أثر التدخل الحكومي والتنسيق بين المستويات المحلية والمركزية والتمويل الدولي. ففي منطقة بكين-تيانجين-خهبي الكبرى، أورد بنك التنمية الآسيوي أن متوسطات PM2.5 انخفضت بنسبة 44.2٪ بين 2015 و2023، وانخفض ثاني أكسيد الكبريت بنسبة 76.3٪ وثاني أكسيد النيتروجين بنسبة 34.8٪، بينما ارتفعت نسبة الأيام ذات جودة هواء «جيدة» بمقدار 10.3 نقاط لتصل إلى 63.1٪.

يؤكد الخبراء أن الأطر البيئية في الصين عزّزت التعاون بين القطاعات وحفّزت مشاركة فعّالة من صناعات كانت في الماضي من أكبر ملوِّثي الهواء. وعلى مدى السنوات تشكلت لدى بكين أكبر سلسلة صناعية شاملة للطاقة الجديدة في العالم؛ ما جعلها رائدة في إنتاج مصادر الطاقة المتجددة وتصنيع المركبات الكهربائية، ومركزية في التحول العالمي نحو طاقة أنظف.

مع نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني بأكثر من 73٪ بين 2013 و2024، وهبوط متوسطات PM2.5 إلى نحو 26 ميكروغرام/م³ خلال فترة يناير–سبتمبر، تُبيّن التجربة إمكانية الموازنة بين مسار تنموي سريع وسياسات بيئية صارمة تهدف لتوفير هواء أنقى للمواطنين. هذه التجربة تشكل منظّرة للدول كالهند التي تسعى لخفض التلوث دون المساس بأهدافها النمائية.

ومع ذلك، يبقى تلوّث الهواء أكبر مخاطر الصحة البيئية؛ فهو عابر للحدود، يعمّق آثار التغير المناخي، يسبّب خسائر اقتصادية ويقلّل من إنتاجية الزراعة. وحتى في الصين، حيث التزمت ثلاثة أرباع المدن بأهداف PM2.5 السنوية في 2024، أعادت بعض المناطق ظهورَ مستويات مرتفعة من التلوث، ما يستدعي تكثيف الإجراءات وضمان تنفيذها.

يقرأ  نيجيريا تستبدل كبار المسؤولين الأمنيين بعد أيام من نفي وجود مخطط للانقلاب — أخبار عسكرية

تتطلّب هذه المعركة نطاقاً أوسع من التعاون وتبادل أفضل الممارسات، لا سيما بين دول جنوب وشرق وجنوب شرق آسيا الأكثر تضرراً. ولئن مرّت الصين بمأزقٍ مماثل خلال عقد من التطور السريع والتحضّر، فإنّ على الهند أن لا تتراخى في اقتباس الدروس من النجاحات والتحديات الصينية.

باستلهام أجزاء من «كتاب لعب» الصين للهواء النظيف — إغلاق المصانع شديدة التلوّث، توسيع أساطيل الحافلات الكهربائية، تركيب مراقبة الغبار الفورية في مواقع البناء، وتعزيز التنسيق بين المحافظات — يمكن للهند إحراز تقدم ملموس نحو هواء أنظف ومستقبل مستدام لمواطنيها، من دون التنازل عن أهداف النمو الاقتصادي.

الآراء الواردة في هذا النص تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة الخط التحريري لمنصة الجزيرة.

أضف تعليق