طموح عاصمة كرواتيا — أن تصبح الأفضل بين أسواق عيد الميلاد

غاي ديلوني، مراسل منطقة البلقان
أ ف ب عبر غيتي إيماجز

سوق عيد الميلاد في زغرب انتُخب الأفضل في أوروبا ثلاث سنوات على التوالي

أسواق عيد الميلاد ليست مجرد تقليد شتوي في أنحاء أوروبا، بل هي صناعة ضخمة تمنح المدن دفعة اقتصادية هائلة كل ديسمبر. بالنسبة لزغرب، عاصمة كرواتيا، تمثّل هذه الأسواق وسيلة فعّالة لجذب السياح خارج موسم الصيف الرئيسي في البلاد.

عند سماع كلمتي «سياحة» و«كرواتيا» يتبادر إلى الذهن عادة مناظر البحر الأدرياتيكي المتلألئة خلال أحرّ أشهر السنة. غير أن السياحة تمثّل أكثر من خُمس اقتصاد هذا البلد البلقاني، والحكومة حريصة على تشجيع قدوم زوار في غير ذروة الصيف. وتنطوي احتفالات موسم الميلاد كجزء أساسي من هذه الاستراتيجية.

«نحن بصدد إجراء تحول»، يقول وزير السياحة الكرواتي تونسي غلافينا. «نحن نتطوّر كوجهة سياحية على مدار السنة — لم نعد مقصداً صيفياً فحسب. لقد حقّقت كرواتيا تقدماً ملحوظاً؛ في وقت ما كان الأمر يقتصر على الشمس والبحر، أما اليوم فهناك عروض سياحية متنوعة في جميع أنحاء البلاد».

يُعدّ «أدفنت زغرب» — التسمية الجماعية لأسواق وفعاليات عيد الميلاد في العاصمة — النموذج الأبرز لهذا النهج، مع لوحات إعلانية في البلدان المجاورة تدعو الناس للحضور. وفي الواقع، امتدّت الحملة هذا العام لتشمل محطات مترو لندن وحافلات ميلانو.

تُسيّر حتى قطارات خاصة لنقل زوّار من سلوفينيا والمجر؛ كل ذلك جزء من دفعة زغرب، في ساحة تنافُس مكتظّة، لتصبح واحدة من أكثر أسواق عيد الميلاد شعبية في أوروبا.

بينما قد تقتصر بعض المدن على موقع واحد فقط، فإن «أدفنت زغرب» عرض متعدّد المواقع يحتل مساحات واسعة من مركز المدينة. «المدينة بأسرها تحوّلت إلى ساحة احتفالية للاحتفال بعيد الميلاد طوال شهر ديسمبر»، تقول سلافيكا أولوجيتش كلابتشيتش، التي تدير أحد أحياء السوق.

يقرأ  بي بي سي تكشف أن رحلات إبستين إلى بريطانيا كانت تقل ضحايا بريطانيين يُزعم أنهم تعرّضوا للاعتداء

«ما يميّز هنا حقاً أن لكل موقع موضوعه الخاص — الاختلاف يظهر في الزينة وفي مضمون الفعاليات. لذلك بالنسبة للزائر، أعتقد أنها صفقة رابحة؛ فبمجرد التجوّل في زغرب يمكنك مشاهدة بقع مختلفة ومتنوّعة».

مثل أسواق عيد الميلاد الأخرى في أوروبا، لا ينقص السوق هنا ما اعتاد عليه المتردّدون من مأكولات موسمية كالسجق والنبيذ الساخن، لكنّه يحتوي أيضاً على مسارح موسيقية متعددة، وأكشاك حرفية، وبائعين يقدّمون أطعمة كرواتية تقليدية، وتركيبات فنية، وحلبة تزلج ضخمة.

«إنه يحيي زغرب»، تقول زرينكا فارينا، المشاركة في تنظيم فعاليات السوق أمام فندق إسْپلَاناد التاريخي، بالإضافة إلى سوق للطعام والموسيقى في ساحة سترُوسماير تُدعى «فوليرانيِه» — وهو تعبير يمكن ترجمته تقريباً إلى «الفرفشة».

وتضيف فارينا أن الكرواتيين جادّون جداً في محاولتهم تقديم أفضل سوق لعيد الميلاد في أوروبا: «نحن أمّة رياضية بطبعها، نحب المنافسة — وعندما نفعل شيئاً نطمح لأن نكون الأفضل في العالم فيه».

جهود المدينة نحو «أدفنت زغرب» منذ انطلاقه الأول في 2014 كانت مكثّفة إلى حد أن السوق انتُخب أفضل سوق لعيد الميلاد في أوروبا ثلاث سنوات متعاقبة، من 2015 إلى 2017. المسابقة تنظمها منصة السفر European Best Destinations، ونجاح زغرب ساهم في زيادة أعداد الزوار إلى المدينة كل ديسمبر.

في 2014، أقام 100,198 شخصاً على الأقل ليلة واحدة في آخر شهر من السنة داخل المدينة. وبحلول 2024 تضاعفت هذه الأرقام لتصل إلى 245,352، ما قدّم، بحسب مجلس السياحة، دفعة اقتصادية تقارب 100 مليون يورو.

مع ذلك، أمام زغرب طريق طويل لتقطف ثمار المنافسة مع عمالقة أسواق عيد الميلاد الأوروبية. سوق مدينة كولونيا الألمانية يعتبر على نطاق واسع الأكثر جذباً، ومن المتوقع أن يستقبل حوالي أربعة ملايين زائر هذا العام، مع أثر اقتصادي يقدّر بنحو 229 مليون يورو. أما فيينا فتستقطب نحو 2.8 مليون زائر إلى سوقها، وستراسبورغ في فرنسا تجذب نحو مليوني شخص.

يقرأ  بورشه الألمانية الفاخرة تسجل هبوطاً حاداً في مبيعاتها بالصين بنسبة 26٪

تاريخياً، لدى زغرب سيرة قصيرة نسبياً — ما يزال أدفنت في عامه الحادي عشر فقط — بينما يعود سوق درسدن، الذي يُعتبر أقدم سوق لعيد الميلاد في العالم، إلى عام 1434؛ وسجّلت ستراسبورغ سوقها في 1570، وفيينا في 1764، وكولونيا في 1820.

رغم حداثته، يُقال إن أدفنت زغرب يجذب زوّاراً من مختلف أنحاء القارة. «يأتون من إيطاليا وإسبانيا والبوسنة وسلوفينيا وحتى المملكة المتحدة»، تقول لوتسيا فركلجان، التي تعمل منسقة في حلبة التزلج.

«مكان رائع للوجود»، يقول داريو كوزول، مؤسس مطعم بيومانيا، الذي يملك كشكاً يقدّم طعاماً نباتياً وخالٍ من الغلوتين في سوق فندق إسْپلَاناد. «لدينا دائماً حالة تسويق متبادل»، يضيف. «الناس يزورون الحدث ويجربون طعامنا — يبدون ممتنّين للغاية — ثم نتحدّث عن المطعم، وخلال أيّام قليلة نراهم يأتون لتناول الطعام هناك».

ماركو بيريك، عميد كلية السياحة بجامعة ريجكا الكرواتية، يتفق على أن أدفنت زغرب يجلب أرقاماً «عالية بشكل غير اعتيادي» من حيث الوصولات والإقامات الليلية في ديسمبر. لكنّه يحذّر من أن اعتماد كرواتيا الكبير على موسم الصيف لا يزال نقطة ضعف تحتاج معالجة: «علينا العمل على تطوير عروضنا السياحية في أجزاء أخرى من السنة، بما في ذلك الشتاء».

ويقول بيريك: «ليس لدينا ثلوج دائماً، لكننا نملك الكثير لنقدّمه. يجب أن نعوّل على مطبخنا الذي يشتهر كثيراً ويأتي السياح أحياناً فقط من أجله. ويمكننا أيضاً استغلال أنواع أخرى من الفعاليات مثل الكرنفال في فبراير أو الأحداث الرياضية».

المسؤولون يؤكدون أن كرواتيا تسير في الاتجاه الصحيح. ويشير وزير السياحة إلى أن أعداد الزوار خلال شهري يوليو وأغسطس كانت في الواقع أقل قليلاً عن نفس الفترة في 2024، لكنه يذكر أن البلاد ما تزال في طريقها لتحقيق سنة قياسية بفضل نمو ملحوظ قبل وبعد ذروة الصيف، مع زيادة تقارب 5% في الوافدين خلال يونيو وسبتمبر. ويصف الوزير ذلك بأنه «مثالي»، إلى جانب سجلّ ارتفاع نسبته 10% على أساس سنوي خلال الأسبوع الأول من ديسمبر.

يقرأ  عائلة كولومبي مفقود تطالب بإجابات بعد غارة أمريكية على قارب يُشتبه في تهريب مخدرات

«نحن نحوّل كرواتيا لتكون وجهة سياحية مستدامة، بمعنى الحفاظ على أعداد متقاربة من الضيوف في موسم الذروة، وتطوير مواسم الكتف، وبالطبع تطوير أجزاء أخرى من البلاد لتصبح وجهات سياحية رئيسية».

لقد أظهر أدفنت زغرب بالفعل فوائد هذا التوجّه، رغم أن هذه الفائدة ربما لا تكون أول ما يخطر ببال الزائر وسط كل المأكولات الكرواتية التقليدية المعروضة. فماذا يمكن أن يكون أجمل بعد التزلج من دون قطعة فريتولِة دافئة؟ وربما لا شيء، إلا فريتولِة مغموسة في صلصة الشوكولاتة. ادناه.

أضف تعليق