بالنسبة لياسر شاهين، من غزة، كانت الليالي أصعب ما مرّ به خلال الحرب الإسرائيلية المدمّرة التي امتدت عامين على القطاع.
«في ليالٍ كثيرة كنا نبقى مستيقظين، شفاهنا يابسة وقلوبنا تخفق خفقان الخوف، نشعر وكأن السماء نفسها تنهار فوق رؤوسنا»، قال ذلك لقناة الجزيرة.
قصص موصى بها
القطاع محطم — اقتصاده منهار، بنيته التحتية في أنقاضها، وسكانه مشردون، فيما هدنة هشة بوساطة أميركية بالكاد تصمد. تم تأكيد مقتل أكثر من 68,000 فلسطيني، ويُقدّر أن نحو 10,000 ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض، بحسب وزارة الصحة في غزة.
في الدوحة هذا الأسبوع، وتعهد زعماء العالم في القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية للأمم المتحدة بعدم «ترك أحد خلفهم»، لكن هذه الالتزامات بدت بعيدة كل البعد عن واقع غزة، حيث بات الحصول على الاحتياجات الأساسية من رفاهيات نادرة.
«حتى الخبز قد يبدو بعيد المنال»، كشف شاهين، قائد فريق مؤسسة هيومانيتي فيرست بالمملكة المتحدة في غزة.
توزيع الغذاء من قبل هيومانيتي فيرست في غزة (صورة مقدمة من هيومانيتي فيرست)
رغم أن الأسعار تراجعت مقارنة بأسوأ فترات الحرب، فهي لا تزال أعلى بست إلى عشر مرات، قال شاهين.
قال مكتب الإعلام الحكومي بغزة يوم الخميس إن إسرائيل سمحت بدخول 4,453 شاحنة فقط، وهو ما لا يَمثّل إلا نحو ربع ما كان من المقرر إدخاله يومياً وفق اتفاقية وقف إطلاق النار التي دخلت حيز التنفيذ في 10 أكتوبر.
وأشار شاهين إلى أن البُنى التحتية في القطاع باتت شبه مدمرة تماماً، ولم يبقَ سوى الركام «حيث كانت الشوارع والمباني قائمة».
وتُظهِر تقديرات الأمم المتحدة أن 92 بالمئة من المباني السكنية في غزة تضررت أو دُمرت منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023، ما نتج عنه ما بين 55 إلى 60 مليون طن من الأنقاض.
«المدارس والعيادات والمتاجر والمنازل… كلّ ما كان يجعل الحياة ممكنة تحوّل إلى غبار»، قال.
التنمية «مستحيلة» في ظل غياب الحقوق
في القمة التي اختتمت أعمالها الخميس، جددت الدول الأعضاء الالتزامات التي أُقِرّت في قمة كوبنهاغن 1995، بما في ذلك القضاء على الفقر وتوفير «عمل كريم» والاندماج الاجتماعي والتعليم والرعاية الصحية للفئات الأكثر عرضة في العالم.
ووصفت الوثيقة السياسية الدوحة، التي اعتمدت في ختام القمة، بأنها «جرعة تعزيز للتنمية»، وفقاً للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
غير أن تصريحات عالمية من هذا النوع لا تفعل الكثير أمام المأساة في غزة، بحسب روهان تالبوت، مدير الدفاع في منظمة المعونة الطبية للفلسطينيين بالمملكة المتحدة.
«على الرغم من وقف إطلاق النار، لا يزال الوضع في القطاع الصحي كارثياً، مع نقص حاد في المعدات والأدوية، ومئات العاملين في قطاع الصحة قتلوا أو ما زالوا محتجزين»، قال لتلفزيون الجزيرة.
«التنمية مستحيلة بينما يُحرم الفلسطينيون من أبسط الحقوق في الأمان والحركة والكرامة.»
متفقاً مع تالبوت، قال عزيز حفيظ، رئيس هيومانيتي فيرست بالمملكة المتحدة: «لا يمكن لأي بيان مهما بلغ بليغه أن يحلّ محل الحق الأساسي في الحرية والأمن».
وأضاف: «لا يمكن أن تزدهر التنمية بمعزل عن العدالة والسلام»، لكنه أشار إلى أن ذلك لا يعني «أن ننتظر السلام لنعمل».
«كل برنامج مهني، أو إعادة تأهيل مدرسة، أو مبادرة نفسية-اجتماعية يصبح عملاً من أعمال المقاومة ضد اليأس»، قال. «بينما يظل السلام الدائم الممكّن النهائي للازدهار، فإن الحفاظ على كرامة الإنسان في الحاضر لا يقل أهمية.»
أكد تالبوت أن المجتمع الدولي يجب أن يضمن احترام القانون الإنساني لكي يكون هناك «تنمية ذات مغزى».
«يجب أن يكون هناك ضغط حقيقي على الحكومة الإسرائيلية، بصفتها القوة المحتلة، لفرض وقف دائم لإطلاق النار، وفتح المعابر، والسماح بدخول المساعدات والإمدادات الطبية دون قيود لآلاف الجرحى الفلسطينيين»، قال.
إعادة البناء تبدو كحلم
بعد عامين من الهجمات والدمار المستمرين، قال شاهين إن أكثر ما يريده الفلسطينيون في غزة هو «إعادة بيوتهم بيديهم، واستعادة جزء من الحياة الطبيعية مرة أخرى».
«العيش في مخيمات النزوح من أصعب ما يمر به الناس الآن»، أشار.
«معظم الناس بلا مأوى حقيقي، فقط خيام رقيقة لا تقف في وجه الريح. لا مساحة ولا خصوصية ولا راحة. عندما تمطر أو يحرقنا شمس الصيف، لا يوجد مفر.»
ولكن، بحسب شاهين، حجم الدمار يطرح أسئلة مؤلمة حول شكل الاعمار — وكم سيستغرق مجرد إزالة الأنقاض؟ نسمع أنه قد يستغرق سنوات. وإذا استغرق تنظيف الحطام كل هذا الوقت، فكم سيطول انتظار بداية اعادة البناء؟»
لكن الأهم لشاهين أن إعادة البناء ليست مجرد «خرسانة وجدران».
«إنها إعادة بناء حياة الناس وإحساسهم بالأمان وكرامتهم. هم لا يريدون فقط أن تعود المباني، بل أن تعود الحياة.»
قال مكتب الإعلام الحكومي إن إسرائيل انتهكت وقف إطلاق النار ما لا يقل عن 80 مرة. وقُتل أكثر من 240 فلسطينياً، بينهم عشرات الاطفال، منذ بدء الهدنة.
وقال تالبوت إن المسار الوحيد للسلام والتنمية المستدامين في القطاع لا يتحقق إلا عبر «العدالة والمساءلة» عن الفظائع المرتكبة.
«ستظل البيانات والقِمم تمارين جوفاء ما لم تترافق مع إرادة سياسية لإنهاء الأسباب الجذرية لمعاناة غزة، بما في ذلك الاحتلال العسكري والحصار الجاريان»، قال.
«يجب أن يتمتع الفلسطينيون بحق تقرير المصير لقيادة تعافيهم وتحديد شكل مستقبلهم.»