فرنسا تعيد خدمة عسكرية محدودة بمشاركة ٣٠٠٠ متطوّع في العام المقبل

إعلان ورؤية عامة

أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عن إعادة تأسيس شكل محدود من الخدمة الوطنية العسكرية الطوعية باعتبارها «عمل ثقة في شبابنا»، في استجابة متعاظمة لمخاوف من احتمال مواجهة مع روسيا. الخطة تقضي باستقبال متطوعين من الشباب لخوض دورة تدريبية عسكرية مدفوعة لمدة عشرة أشهر، بعد أكثر من خمسة وعشرين عاماً على إلغاء التجنيد الإجباري.

مضمون الخطة وتدرّجها

سيُدشّن «الخدمة الوطنية» تدريجياً اعتباراً من صيف العام المقبل، وتركّز أساساً على الفئة العمرية 18–19 عاماً، مع أجر شهري لا يقل عن 800 يورو. السنة الأولى ستشهد حدوداً ضيقة العدد تصل إلى 3,000 متطوّع، على أن يبلغ العدد المستهدف 50,000 بحلول عام 2035. الهيكل التنظيمي المقترح يتألف من ثلاث طبقات: مهنيون، احتياطون، ومتطوعون.

مبررات السلطات وردود الفعل

قال ماكرون: «الطريقة الوحيدة لتجنّب الخطر هي الاستعداد له»، موضحاً أن تعبئة الأمة والدفاع عن نفسها هما غاية الخطة للحفاظ على الجاهزية والمكانة. قادة الجيش الفرنسي رحّبوا عمومًا بالمبادرة باعتبارها وسيلة لتشكيل مخزون من العناصر المدربة القادرة على دعم الجنود المحترفين وأداء المهام غير القتالية، مع أمل أن يختار كثيرون الاستمرار لمسارات مهنية عسكرية كاملة.

على مستوى الرأي العام تظهر استطلاعات تؤييداً واسعاً للمبادرة؛ إذ أظهر مسح حديث نسبة موافقة تبلغ نحو 73%، وكانت الفئة العمرية 25–34 الأقل قبولاً لكنها ما زالت تمثل أغلبية بنحو 60%.

سياق أوروبي ومقارنات

تتماشى خطوة فرنسا مع تحرّكات أوروبية أخرى أعادت أو طرحت نماذج للخدمة العسكرية أو المدنية بسبب مخاوف من عدوانية روسية متصورة. بلجيكا وهولندا قدما برامج طوعية، وألمانيا تعمل على مبادرات مماثلة. دول في شرق أوروبا مثل ليتوانيا ولاتفيا تحافظ على تجنيد إجباري مع اختيار عبر القرعة، بينما اتخذت السويد مسار اختيار مبني على الكفاءة لفترات تتراوح بين 9 و15 شهراً بعد انضمامها الأخير إلى حلف شمال الأطلسي. دول مثل فنلندا واليونان لم تنهَ الخدمة أصلاً، وسويسرا بصدد استفتاء حول استبدال الخدمة الإلزامية للرجال بواجب مدني شامل.

يقرأ  ماريا كورينا ماتشادو: من هي الحائزة على جائزة نوبل للسلام ٢٠٢٥؟أخبار السياسة

تصريحات ومخاطر سياسية

أثار قائد أركان الجيش الجديد الجنرال فابيان ماندون جدلاً عندما قال إن التخطيط العسكري الفرنسي يفترض احتمال مواجهة مع روسيا خلال السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة، ولاحقاً استشهد بتعبير دعا خلاله إلى «تهيئة الرأي العام لاحتمال فقدان أطفالنا» في حال نشوب حرب، وهو تعبير قوبل بإدانات من أطراف يسارية متطرفة وجزء من اليمين المتشدد، واعتُبر مزعجاً سياسياً إلى حدّ ما. ردّ ماكرون طمأن الرأي العام بأنه لا توجد نية لإرسال مجندين فرنسيين للقتال في أوكرانيا.

أبعاد تاريخية واجتماعية

تعود جذور الخدمة العسكرية الإلزامية في فرنسا إلى الثورة الفرنسية ومفهوم «المواطن – الجندي». نصّ قانون عام 1798 على أن كل فرنسي هو جندي وملزم بالدفاع عن الوطن، وتعكس كلمات زعماء الجمهورية لاحقاً هذا الخطاب. أُلغيت الخدمة الإلزامية تدريجياً في أواخر التسعينيات (اتخذ جاك شيراك القرار في 1996) وكان آخر فوج مجنّد قد أنهى التدريب عام 2001. الحرب الجزائرية كانت آخر الصراعات التي خاضها المجندون، بخسائر فادحة تزيد عن 12,000 قتيل.

مظاهر الحياة المدنية والبرامج السابقة

حاولت الحكومات المتعاقبة الحفاظ على بعض من روح الخدمة من خلال برامج مدنية أو نشاطات مثل «يوم الدفاع والمواطنة» لطلاب الثانويات، ومبادرات ماكرون في ولايته الأولى لإنشاء خدمة وطنية جامعية قصيرة مدتها أربعة أسابيع كانت تهدف لتعزيز التضامن، لكنها تعرضت لانتقاد بوصفها مكلفة وأقل حضورا، وأُوقفت مؤخراً.

مآلات التمويل والشكوك

رغم القبول العام النسبي، لا تزال هناك تساؤلات جوهرية حول تمويل الخطة في ظل أزمة ديون متصاعدة وصعوبات برلمانية في إقرار موازنة 2026. غموض التمويل يظل العقبة الكبرى أمام تعميم المشروع وتوسيع رقعته كما هو مخطط له.

في الختام، تبدو فرنسا عائدة إلى نموذج هجيني للقوة المسلحة، يجمع بين المهنية والاحتياطيات والمتطوعين، كسعي لتقوية الجبهة الداخلية والاستعداد لمخاطر جيوسياسية متزايدة، لكن نجاح المشروع سيعتمد على قدرة الدولة على تأمين الموارد السياسية والمالية والقبول الاجتماعي اللازمين لتطبيقه بفعالية.

يقرأ  احتجاجات الحريديم ضد التجنيد قد تتسبب في شلل واسع بوسائل النقل العامة

أضف تعليق