لاوشي الأمريكي: دروس في الصبر والسلطة وقصة الفتى جيري

نظرة عامة:
مدرس أمريكي يتأمل صيفه الصعب في بكين، حيث علّمه تلميذ يدعى جيري معنى أن تكون لاوشي حقيقيًا.

الوصول إلى بكين: التدريس بلا خريطة
كان اليوم الأول في الصين أصعب مما توقعت. كُلِّفت بتدريس صف من تلاميذ الصف الأول في بكين فوضعت خططًا مأخوذة من سنوات خبرتي في أمريكا. صممت دروسًا بدت «مثالية» لتعليم الأطفال الصينيين الإنجليزية رغم أنني لا أتكلم لغتهم. كانوا ينادوننا «لاوشي» — الكلمة الوحيدة التي لم أنساهم لاحقًا. لكن المعلمون الحقيقيون في الواقع كانوا مساعدين التدريس.
كانت مساعِدتي ليلى تتقن الماندرين والإنجليزية بطلاقة، وكانت تدرك أن مسؤوليتها تتجاوز ستة أطفال إلى رجل أمريكي أحمق بذراعيه الطويلتين. كانت ثنائية اللغة، ذكية، وتحلم بأن تصبح طبيبة. طوال مدة وجودي صارت دليلي ومترجمتي، وربما كثيرًا ما أحسّت بالإحراج بسبب غبائي المتكرر.

عَوَّضت عن نقص الخبرة بحمل شخصية المهرج في الصف: زينت الصف، أديت، جعلت الأطفال يضحكون ويشخرون لتمثيلاتي. بعد يوم طويل شعرت أني نجحت إلى حد ما؛ كثير من الأطفال تحدثوا إنجليزية بشكلٍ جيد وابتسموا لسلوكياتي الغبية. ربما كنت موضع سخرية، لكنهم كانوا سعداء — سواءً معي أم عليّ.

التعرّف إلى جيري: فوضى في هيئة طفل
كان جيري طفلًا بدا أكبر من أقرانه بوجناته الممتلئتين وصوتٍ يخترق المكان. عند ابتسامته تظهر فجوة حيث ينبغي أن تكون الأسنان الأمامية، وغالبًا ما كان يتصبب عرقًا كأنه أنهى سباقًا قبل الدخول إلى الصف بدقائق. رغم صغر سنه، كان يعرف الإنجليزية أكثر من كثيرين من زملائه. كان يناديني عشرات المرات يوميًا «Teacher, Teacher» بلا سبب واضح، وكان صوته متشنجًا كما لو أنه يدخن علبة سجائر في اليوم — دائماً بدا أنه يفقد صوته.

يقرأ  أوكرانيا: هجمات الطائرات المسيرة الروسية تتسبب بانقطاعات واسعة للكهرباء

سرعان ما صنفته مشاغبًا عندما رمى حقيبته على المكتب ومزّق لعبة البطريق التي كانت بمثابة تميمة الصف عن الحائط ليلعب بها. حين حاول طفل آخر أخذ اللعبة منه، ضربه بها في وجهه. انفضّ الشجار، وتدخّلت ليلى بصرامة وأخرجت الطفل الباكي لتهدئته. كان جيري يقف كأنه فوق قواعد صفية لا تنطبق عليه، وكنت أدرك أن عبء تربيته سيكون على عاتق مساعدة التدريس أكثر مني.

ضائعون في الترجمة: الانضباط والحرّ والزلات
في اليوم الثاني هرب جيري. كان الجو خانقًا — رطوبة وحرارة تشبه تلك التي عشتها في تكساس، لكن مع طبقات ضباب رمادية تخنق الشمس. أثناء حصص الكرة على أرضية اصطناعية في منتصف النهار، انهارت耐耐 صلابتي أمام لزوجة الهواء. مدرّب الفريق طلب الانضباط، لكن الأطفال أرادوا اللعب. كان جيري الأكثر عصيانًا؛ شرب من زجاجته مرارًا واستخدم نافورة الماء كحوض استحمام، عائدًا إلى صفّه مبتلًا كأنه قد اغتسل. وجدته على النافورة، مبتسمًا بفخر، متمسّكًا بعصيان طفولي ذكي.

جيري كان يتظاهَر أحيانًا بعدم فهمي ليرفض اتباع قواعد «الرجل الأبيض الغريب»، رغم أنني كنت أعلم أنه يفهم كل كلمة — كان ذكيًا بما يكفي للتمثيل. سحبته، سار معي على مضض، وقد أصبح التعامل معه اختبارًا للصبر ينهكني.

الصراع على التواصل: التدريس أم الوصول
في الأسبوع الثاني تشاجر جيري مع زميلٍ اسمه دانيل. في لعبة مطاردة عمد جيري إلى دس دانيل وسُبَّ وجهه، ثم استفزه حتى دفعه دانيل إلى محاولة الضرب. تداخلت لأفصل بينهما فانتهى بي الأمر أتحمل صفعة من صدر صغير بدلًا من وجه جيري. ثم اقتيد جيري إلى مكتب الناظرة وهو يبتسم مبتسمًا كما لو أنه نال نصيبه من الانتباه، وعاد مع قالب شوكولاتة كهدية من «المعاقبة».

يقرأ  الحوثيون يعلنون مقتل رئيس وزرائهم في غاراتٍ إسرائيلية

علاقتي بجيري تحولت مع الزمن إلى علاقة متقلبة مبنية على مزاجه نحوي: ساعات من الحنان، وساعات من العداء. علّمته كلمة «حب» عندما تحدَّثنا عن العائلة، فقال لي فجأة «Teacher, I love you» بصوت مدخن مفاجئ — كلمات أشعرتني أن صبري يؤتي ثماره أو أنه يعرف متى يقول ما يخدمه. بعدها بعشر دقائق غضب لأنه أخذت نزع قشر برتقالة استُخدمت كأداة للصفع، فقام بتجاهلي طوال ذلك اليوم.

جربنا كل العقوبات: إرساله للركن، منعه من الوجبة، إرساله إلى الردهة، لكن عادةً ما كانت العقوبة تعكس نفسها: إذا وضعناه في الركن يخرب مكتبَه، وإذا حُرم من الوجبة يتقاسم معه الآخرون فتات طعامهم. حتى اللجوء للناظرة لم ينجح — عدَّ مع برافات وقطعة شوكولاتة. رغم كل ذلك، لم أخف الإعجاب بروحه الحرة، حتى وإن كانت متعبة.

نقطة تحوّل: الندم تحت الأضواء
في اليوم الأخير وصلت الأسر لمشاهدة عرض نهاية المعسكر. قبل العرض انفجرتُ غضبًا على جيري بعدما اكتشف أنه لم يتبقَ حلوى حمراء من نوع جولي رانشير؛ ركل كرسيه وقلب مكتبه وسكَب زجاجته على الأرض. فقدتُ صبري وصرخت فيه: «اخرج من صفي». خرج يبكي وبدلاً من اللحاق به شعرت برضاٍ غبي. لكن الندم جاء سريعًا: أدركتُ بعد قليل أن والديه لم يكونا في الجمهور — قالته لي ليلى ببساطة: «والداه ليسا هنا، لن يأخذاه إلا بالليل». انقلب شعوري إلى ألم؛ ربما غيابه عن العرض كان نتيجة لظروف أكبر من عناد طفل. شعرت أني أخطأت، وأن ما يحتاجه هذا الصغير هو لُطفٌ وصبر، لا مزيد من الصراخ.

وداع صامت: المغفرة بصفعة اليد
بعد انتهاء العروض وعدت إلى الصف لأقفل الأبواب وعثرت على جيري جالسًا على مكتبي، يلوّن في كتاب تلوين، وقد لطّخ الرسم بقلم برتقالي. تقدمت ببطء وقلت له «آسف» قبل أن يتمالكني الصمت. رفع يده طالبًا «هاي-فايف؟» فصافحته، ثم ضربني بيد صغيرة بقوة حتى آلمتني لفترة قصيرة. ابتسم وواصل التلوين. كانت تلك السلامة الصغيرة — صفعة مقابل صفعة، اعتذار ضمني — كافية؛ تصالُحنا لم يكن مثاليًا لكنه كان صادقًا. عندما رحل أخيرًا، قال لي «Bye, teacher» ومشى بعيدًا إلى خارج حياتي.

يقرأ  مقتل خمسة صحفيين محليين في غزة بغارة إسرائيلية وسائل الإعلام تعتمد على تغطيتهم الميدانية

خلاصة وتجوال الذاكرة
خلال أسابيعي في بكين تعلمت أن التدريس ليس مجرد إيصال مفردات وقواعد بل هو فهم للأطفال، ظروفهم، ومواقفهم. فشلت مرات ونجحت أخرى؛ لكن جيري علمني أكثر مما صنعته أنا له. أدركت أن القسوة لحظية واللطف طويل الأمد، وأن أحيانًا يكون من المستحيل فصل سلوك الطفل عن ظروف أسرته.

نبذة عن المؤلف
جاك لوف يعمل مساعد باحث في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة تكساس إيه آند إم، يدرّس الأدب والكتابة. سبق له العمل كمدرس ابتدائي، ومستشار كتابة في الكليَّة، ومعلّم خصوصي، ونشر مقالات أدبية ونقدية في مواضيع متعددة.

أضف تعليق