مبادئ باندورا الأربعة في نظرية التعلم الاجتماعي

«الثقة بالذات لا تضمن بالضرورة النجاح، لكن فقدان الثقة بالذات يولد الفشل بلا شك.» — ألبرت باندورا

مقدمة
في إطار نظريات التعلم الاجتماعي، تُعد الثقة بالقدرة الذاتية (الفعالية الذاتية) ركيزة أساسية، وإن لم تبدو للوهلة الأولى مرتبطة مباشرةً بمعتقدات الفرد حول قدراته. سنغوص هنا في سيرة عالم النفس ألبرت باندورا، إسهاماته في نظرية التعلم الاجتماعي، تطور أفكاره عبر الزمن، وطرق تمكين المعلمين من توظيف هذه النظرية لرفع مستويات التحصيل والنتائج الإيجابية في الصف.

رجل «دمية بوبو»
ولد باندورا في كندا عام 1925 لأبوين مهاجرين من أصل بولندي وأوكراني. نال درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في علم النفس، ثم عُيّن أستاذًا في جامعة ستانفورد حيث وجه أبحاثه إلى ثغرات نظريات التعلم السلوكية القائمة، مثل نظريات ب. ف. سكينر، التي أغفلت الدور المحتمل للمتغيرات الاجتماعية في اكتساب الاستجابات والسلوكيات.

أشهر تجارب باندورا كانت تجربة «دمية بوبو»، حيث شاهد أطفال ما قبل المدرسة باحثين يسيئون معاملة دمية—جسديًا ولفظيًا—فأظهر الأطفال لاحقًا سلوكيات مماثلة. هذه الدراسة اثبتت قدرة الأطفال على التعلم من سلوك الكبار، ومهّدت لبروز ما عُرف في ستينيات القرن العشرين بـ«نظرية التعلم الاجتماعي».

ما هي نظرية التعلم الاجتماعي؟
عند ظهورها عام 1963، اقترنت النظرية إلى حد كبير بالمقاربات السلوكية لكن أضافت عنصرًا جديدًا: محورية التقليد أو المحاكاة في التعلم. ويمكن تلخيص جوهرها بالمقولات التالية:
– عندما يشاهد شخص نموذجًا يؤدي سلوكًا معينًا ويرى عواقب ذلك السلوك، يمكنه تخزين تسلسل الأفعال واسترجاعه لقيادة سلوكاته المستقبلية.
– لا يكتسب الناس سلوكيات جديدة بمجرد محاولتها شخصيًا ثم الفشل أو النجاح، بل يعتمدون بدرجة كبيرة على تقليد تسلسلات أفعال الآخرين.
– يقرر الناس تقليد سلوك أو رفضه بناءً على ما يلاحظونه من مكافآت أو عقوبات يتلقاها الآخرون نتيجة لذلك السلوك.

يقرأ  ضغوط استثنائية في تطوير Battlefield 6 وسط طموحات ضخمة ومخاوف من الفشل

مع مرور الزمن تحوّلت نظرية باندورا من إطار سلوكي محض إلى إطار أقرب إلى البعد الإدراكي. ففي مراجعة كبيرة عام 1977 أدخل باندورا مفهوم الفعالية الذاتية في صلب النظرية، ليؤكد أن اختيارات الفرد، جهده، ومشاعره تجاه تلك الاختيارات تتأثر بمعتقداته بشأن قدرته على أداء سلوك معين لتحقيق نتيجة مرجوة. وبذلك صيغت المبادئ الجديدة للنظرية على النحو الآتي:
– التعلم سلوكٌي وإدراكي معًا، ويحدث ضمن سياق اجتماعي.
– يحدث التعلم عبر التعزيز النائب—ملاحظة السلوك وعواقبه ذات الأبعاد الاجتماعية.
– يتضمن التعلم الملاحظة، استنتاج دلالات من هذه الملاحظات، واتخاذ قرارات قد لا تُفضي فورًا إلى تغيير ظاهري في السلوك.
– على الرغم من أهمية التعزيز، إلا أنه ليس السبب الوحيد للتعلم.
– عبر مفهوم الحتمية المتبادلة، تؤثر المعارف والبيئة والسلوك بعضها ببعض وفي المتعلّم.

بعد مزيد من البحث، عدّل باندورا نظريته مرة أخرى عام 1986 فأصبحت تُعرف باسم «النظرية الاجتماعية-المعرفية»، حيث أضاف أن تجارب الفرد السابقة—بما فيها التوقّعات والتعزيزات السابقة—تؤثر أيضًا في سلوكه. في هذا الإطار أعطى باندورا وزنًا متساويًا للبيئة والسلوك والمعرفة في تفسير عملية التعلم.

أربعة مبادئ أساسية
حتى بعد رحيله عام 2021، يظل إرث باندورا محركًا للأبحاث حول التعلم في سياقات اجتماعية. ويمكن تبسيط النسخة المطورة من نظريته إلى أربعة مبادئ مركزية:

1. الانتباه: يولي المراقب اهتمامًا لأنماط سلوكية اجتماعية معينة. قدرة المرء على الانتباه تتوقّف على سهولة الوصول إلى ما يُلاحظ، ملاءمة السلوكيات لأهدافه، درجة تعقيدها، القيمة المتصوّرة لها، وقدراته الإدراكية ومسبقاته.

2. الاحتفاظ: يحتفظ المراقب بتسلسل السلوكيات وعواقبها في ذاكرته ليستدعيها لاحقًا عند محاولة محاكاتها.

3. الإنتاج: يعيد المراقب إنتاج السلوك في سياقات اجتماعية مختلفة ويتلقّى ملاحظات من الآخرين يستخدمها لتعديل أدائه مستقبلاً.

يقرأ  عملات فضية أثرية تعيد كتابة تاريخ التجارة في جنوب شرق آسيا

4. الدافعية: يتحفّز المراقب لتكرار السلوك استنادًا إلى الاستجابات الاجتماعية والعواقب التي يلقاها عند محاولة المحاكاة.

تطبيقات عملية في الصف
إذا سألنا أين لا ينطبق التعلم الاجتماعي في المدرسة، فلعل الإجابة أقصر من السؤال نفسه—فأثره ظاهر في جميع جوانب الخبرة المدرسية، من إدارة الصف إلى التعلم التعاوني والتغذية الراجعة:

– إدارة الصف: يستخدم المعلمون التعزيز الإيجابي والسلبي لتحفيز سلوكيات مرغوبة (مدح لفظي للالتحاق بالمهام، أو الثناء على الحضور المستمر والتحضير).

– تيسير الانتقالات والتوضيح: إشارات لفظية أو جسدية تستدعي انتباه الطلاب (نموذج سؤال-جواب، إيماءة يد، أو الإشارة إلى عنصر تعليمي).

– تخطيط التدريس: إدراج أنماط تعلم متعددة الحواس يساعد على الاحتفاظ بالمعلومة—عرض بصري مع دعم سمعي وحركي يعزّز التذكر.

– دعم الحافز الداخلي: يمكن للمكافآت والتعزيزات أن تطوّر ثقة الطالب بنفسه (الفعالية الذاتية) وحبّ التعلم عبر مدح بنّاء وتتبع التقدم وتحديد أهداف.

– التعلم التعاوني: تخصيص وقت في كل درس لممارسة التعلم مع نماذج بشرية متنوعة (زملاء)، حيث يوجه الطلاب انتباهًا أكبر لأقرانهم من البالغين في كثير من الأحيان.

– نموذج الفليبد كلاسروم (الفصل المقلوب): مشاهدة درس في البيت ثم مراقبة تطبيقات سلوكية أثناء النشاط الصفّي تسمح للطلاب بتطبيق ما لاحظوه مع فرص للتعزيز والتصحيح.

– توظيف مبادئ اللعبنة (التمكين عبر الألعاب): الشبكات التحفيزية والأهداف داخل الألعاب تخلق مكافآت وتعزيزات تسهم في رفع الدافعية والسلوكيات الإيجابية.

ملاحظة: مواد تدريبية لاختبار Microsoft AZ-500
(عنوان إرشادي—يشير إلى وجود موارد تدريبية متاحة لاختبار مايكروسوفت AZ-500.)

قيود وانتقادات واردة
من أهم الانتقادات الموجهة للنظرية أنها قد تغفل بعض الاعتبارات البيئية الجوهرية المؤثرة على التعلم: مستوى الضجيج، درجة الحرارة، حجم المكان، أو ما إذا كانت حاجات المتعلم الأساسية مُلبّاة (نوم كافٍ، تغذية، صحة)، بالإضافة إلى تأثير الفقر والضغط الاقتصادي على قدرة الطالب على التعلم. عند تصميم بيئات صفية تدعم التعلم الاجتماعي، ينبغي للمعلمين أن يأخذوا هذه العوامل بعين الاعتبار.

يقرأ  قمة ألاسكا: ما الذي يُراهن عليه وما الذي يُخاطره كل طرف في حرب روسيا وأوكرانيا؟

خاتمة
تُبرز إرث باندورا أن التعلم مرتبط بشدة بالنماذج الاجتماعية—سواء الحقيقية منها أو المُمثلة عبر وسائط الإعلام—وأن الاستفادة العملية من نظرية التعلم الاجتماعي تتطلّب دمج مبادئ الانتباه والاحتفاظ والإنتاج والدافعية في كل مداخل التدريس. إن فهم هذه الديناميكيات يمكّن المعلمين من صياغة تجارب تعليمية أكثر فعالية واعتمادًا على علاقات اجتماعية بنّاءة داخل الصف وخارجه.

أضف تعليق