متلازمة غيلان-باريه: المرض الشللي النادر في غزة في ظل الحصار الإسرائيلي

أمراضٌ شلليّة تنتشر في غزة مع استمرار الحصار الإسرائيلي الذي يعيق وصول الأدوية والغذاء، ما أدى إلى تدهورٍ صحي حادّ في القطاع.

منذ حزيران/يونيو، سجّلت منظمة الصحة العالمية حوالي 85 حالة مشتبه بها لمتلازمة غيّلان–باريه، وسُجّلت ثمان وفيّات مرتبطة بهذه المتلازمة.

ما هي متلازمة غيّلان–باريه؟
متلازمة غيّلان–باريه (GBS) مرض مناعيّ ذاتيّ يهاجم فيه جهاز المناعة الغمد العازل (المَيْلِين) للأعصاب المحيطية، فينكشف الليف العصبي ويتعرّض للتلف. تنتشر الأعصاب المحيطية من الدماغ والنخاع الشوكي إلى الجلد والعضلات والأعضاء الأخرى. المرض نادر نسبياً — نحو 100,000 حالة سنوياً على مستوى العالم — لكنه قد يكون خطيراً.

ما أسبابها؟
السبب الدقيق غير واضح، لكن غالباً ما تسبقها إصابات فيروسية أو بكتيرية مثل الإنفلونزا أو فيروس إبشتاين–بار أو زيكا. وتعتبر عدوى الجهاز الهضمي الناجمة عن بكتيريا Campylobacter jejuni من أكثر عوامل الخطر ارتباطاً بـ GBS؛ هذه البكتيريا موجودة عادة في فضلات الحيوانات. في غزة، كانت أغلب العينات المخبرية إيجابية لـ Campylobacter jejuni، كما أظهرت بعض العينات وجود فيروسات معوية (Enterovirus) تنتقل عبر مياه ملوّثة وتسبّب حمى وآلاماً وطفحاً.

سبب انتشار هذه العدوى مرتبط بتدمير شبكات الصرف الصحي؛ فقد دمّرت الضربات الإسرائيلية نسبة كبيرة من مضخّات الصرف ومحطات المعالجة، ما أجبر السكان على شرب مياه ملوّثة بمياه الصرف. في يوليو/تموز 2024 أشارت منظمة أوكسفام إلى أن 70% من مضخّات الصرف ومحطات المعالجة تضرّرت، وأن دخول معدات فحص المياه تقيّد. أحياناً قد تُثار GBS بعد عمليات جراحية أيضاً.

أعراض المتلازمة
تختلف الأعراض باختلاف شدّة الحالة، لكن البداية النموذجية تكون بوخز أو خدر أو ضعف عضلي في القدمين والساقين ثم تصاعد إلى باقي الجسم. قد يرافق ذلك أوجاع عضلية في الظهر أو الساقين، ضعف عضلات الصدر مع مضاعفات تنفّسية، صعوبة في تحريك العينين، أو في الكلام والبلع. في الحالات القصوى قد يحدث شلل للأطراف أو للجسم كله، كما قد يشعر المريض بتنميل، وخزن، أو حرقان في الجلد. تدوم الأعراض أسابيع، ومعظم المصابين يتعافون دون آثار عصبية دائمة، لكن بعضهم يستمرّ في معاناة الضعف. نسبة ضئيلة قد تُفقد حياتها بسبب مضاعفات مثل فشل عضلات التنفّس، عدوى دموية، الانصمام الرئوي، أو توقف قلب.

يقرأ  ناشط في الحفاظ على الحياة البرية بجنوب إفريقيا ينفي تورّطه في تهريب قرون وحيد القرن بقيمة 14 مليون دولار

كيف يُشخّص؟
التشخيص يبدأ بمطابقة الأعراض مع نمط GBS، لكن لوجود تداخل مع أمراض أخرى تُجرى فحوصات داعمة: بزل قطني لأخذ عيّنة من السائل الدماغي الشوكي للتحقق من تغيّرات متوافقة مع GBS، وفحص تخطيط كهربية العضلات (EMG) بوضع إبر رفيعة في العضلات لمراقبة نشاط الأعصاب.

العلاج والرعاية
لا يوجد شفاء جذري مُؤكّد، لكن تُستخدم علاجات للتخفيف من الأعراض وإدارة المضاعفات. قد تُوضع حالات الفشل التنفّسي على أجهزة تنفّس اصطناعي، وتساعد برامج التأهيل على استعادة القوة الحركية. ونظراً لطابعها المناعي يُستعمل تدخّل مناعي مبكّر مثل تبادل البلازما أو الغلوبولينات الوريدية؛ هذه الإجراءات تكون أكثر فاعلية إذا أُجريت خلال أسابيع من ظهور الأعراض. المرض يقتضي إدخال المصابين إلى المستشفى ومراقبتهم لتعقب المضاعفات.

أمراض أخرى تؤدي إلى الشلل في غزة
إلى جانب GBS، شهدت غزة ارتفاعاً في حالات الشلل الوظيفي الحاد (AFP) الذي يسبّب ضعفاً أو شللاً عضلياً. وزارة الصحة في غزة حذّرت من زيادة خطيرة في حالات AFP وGBS بين الأطفال نتيجة إصابات غير نمطية وتفاقم سوء التغذية الحاد، مشيرةً إلى وجود فيروسات معوية أخرى غير شلل الأطفال، ما يشكّل بيئة مناسبة لانتشار العدوى. شلل الأطفال، الذي كان مُقضى عليه في غزة لأكثر من 25 عاماً، عاد للظهور منذ بدء الحرب؛ الفيروس هو نوع من الفيروسات المعوية ويصيب خصوصاً الأطفال تحت خمس سنوات.

نقص الأدوية والجوع في ظل الحصار
تُعاني غزة من مجاعة من صنع الإنسان وندرة حادّة في الأدوية بسبب الحصار الإسرائيلي الذي يقيد دخول الإمدادات الأساسية. صنّفت منظومة تصنيف الأمن الغذائي المتكامل (IPC) غزة كمستوى كارثة 5، حيث تسود المجاعة والوفاة وسوء تغذية حادّ للغاية. منتصف مارس فرضت إسرائيل حصاراً شبه كامل على المواد الأساسية من طعام وماء ودواء ووقود؛ ورغمَ إعلان رفع الحصار بشكل جزئي، يبقى ادخال الإمدادات محدوداً ومشوّها. المستشفيات مكتظّة بشكلٍ كبير؛ وفق تقارير الأمم المتحدة يقلّ عمل أقل من نصف مستشفيات غزة و38% من مراكز الرعاية الأولية تعمل جزئياً أو في مستويات دنيا. نسبة إشغال الأسرة في مستشفيات رئيسية تفوق الطاقة الاستيعابية: مستشفى الشفاء في مدينة غزة يعمل بنسبة 250%، مجمّع ناصر في خان يونس بنحو 180%، مستشفى الرنتيسي للأطفال في غزة بنسبة 210%، والمستشفى الأهلي العربي في جنوب غزة بأكثر من 300%.

يقرأ  عشرات الآلاف يتظاهرون حول العالم تضامناً مع الفلسطينيين في غزة

الوضع الصحي في غزة يزداد خطورة مع استمرار انقطاع الخدمات والمياه الصالحة، مما يهيئ أرضية مواتية لانتشار أمراضٍ قابلة للتفشّي والتسبّب في حالات شلل ووفيات إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لفتح الممرات الإنسانية وتأمين الإمدادات الطبية والغذائية.

أضف تعليق