مربّو الماشية الأمريكيون يتعرّضون لهزّات قوية بسبب سياسات ترامب في قطاع اللحوم — أخبار الأعمال والاقتصاد

شهرٌ متقلّب أصاب مربي الماشية الأميركيين، إحدى الكتل الناخبة الأكثر وفاءً لدونالد ترامب.

بدأت الأزمة بملاحظة مقتضبة لترامب في 19 أكتوبر عن نيته زيادة واردات اللحوم من الأرجنتيـن، ثم تلتها ردود فعل غاضبة من المزارعين بعد إعلان تحقيق في صناعة تعبئة اللحوم المهيمنة في الولايات المتحدة وإلغاء الرسوم الجمركية على لحوم البقر البرازيلية. وجد المزارعون أنفسهم محاصَرين بين رغبة الرئيس في إرضائهم وبين سعيه لتهدئة المستهلكين أمام ارتفاع أسعار اللحم.

ارتفاع أسعار الماشية لصالح المزارعين جاء في سياق انخفاض أعداد القطعان إلى أدنى مستوياتها منذ خمسينيات القرن الماضي. عوامل أخرى ضيّقت العرض أيضاً، مثل إغلاق الحدود المكسيكية أمام المواشي الحية بسبب مخاوف من دودة اللولبي (screwworm) ورفع الرسوم الجمركية على اللحوم الأجنبية.

أسعار الماشية التي يتلقاها المزارعون تختلف عن أسعار اللحم للمستهلكين؛ ففي سبتمبر وصل سعر رطل واحد (453 غراماً) من اللحم المفروم إلى $6.32، بزيادة نحو 11% عن سبتمبر 2024 حين كان $5.67 للرطل. ولاحظ الخبراء أن مكتب إحصاءات العمل لم يصدر بيانات اقتصادية الشهر الماضي، بما في ذلك مؤشر أسعار المستهلك، بسبب إيقاف الحكومة الجزئي.

لم يتحلّ بقليل من الصبر تجاه المزارعين الذين عادة ما يوالونه والذين اعترضوا على خطته لزيادة واردات الأرجنتين، واعتبروها تهديداً لمكاسبهم الاقتصادية الأخيرة. في منشور على منصة تراثه الإعلامية كتب ترامب: “لو لم أكن موجوداً لكانوا يفعلون كما فعلوا خلال العشرين سنة الماضية — كارثة! كان من الجميل لو فهموا ذلك.”

كوربيت وول، مدير تجاري للماشية ومحلل سوق، أكد دعمه المطلق لترامب لكنه رأى أيضاً تهوراً وسوء فَهْم لصناعة الماشية من جانب الرئيس. قال لوول لـ”الجزيرة”: «لم يكن هناك شخص في قطاع الماشية على أي مستوى لم يشعر بالإهانة من ذلك المنشور». وول يتابع أسعار السلسلة من المزرعة إلى المسلخ عن كثب، ورأى أن سوق العقود الآجلة للماشية تراجع بأكثر من 15% منذ إعلان ترامب في 21 أكتوبر. تحدد أسعار العقود الآجلة ما يمكن أن يتوقّع المزارعون بيعه لاحقاً، وتؤثر كذلك في الأسعار الحالية، ولذلك يأمل وول أن يترك ترامب سوق الماشية وشأنه. وأضاف: «هو لا يعيش في هذا العالم، في عالم الماشية، ولا يدرك أثر التصريح الواحد على تجارتنا».

يقرأ  حول العالم في ٨٠ درسًا — تحذير أرمينيا للولايات المتحدة من مخاطر الإبادة الجماعية

سنوات من المواسم القاسية

قال مربي من أوريغون، ديفيد باكهام، إنه رغم صعود أسعار الماشية لصالح المزارعين، فإن كثيرين ما زالوا يعانون إثر سنوات متعاقبة من المواسم القاسية. جفّت المراعي خلال سنوات من الجفاف، ما زاد تكاليف الأعلاف ودفع بعض المزارعين إلى بيع قطاعات من القطيع. كما تضخمت الأسعار الظاهرية للمعدات الزراعية من الجرارات إلى الشاحنات الصغيرة نتيجة تحديات سلاسل التوريد أثناء جائحة كوفيد، ومن المتوقع أن ترتفع أكثر بفعل إجراءات ترامب الجمركية.

أشار باكهام إلى أنه غالباً ما يبيع ماشية بخسارة ولا يريد أن يصور المستهلكون أن المزارعين يعيشون برفاهية مبالغة. قال: «أنظر إلى جرار عمري 40 سنة أستخدمه يومياً؛ أؤجّل استبداله وأقوم بالإصلاحات قدر الإمكان رغم صعوبة إيجاد قطع غيار، لأنني لا أستطيع دفع 100,000 دولار لجرار جديد. عندما أقول إننا لا نكسب كثيراً فذلك لأن لدينا خسائر متراكمة».

تُعرض المواشي للبيع في سوق نيفادا لبيع المواشي في فالون، نيفادا [إهداء كوربيت وول].

كان باكهام مسجلاً ضمن صفوف الجمهوريين حتى عهد ترامب الأول. تعليقات الرئيس عن الأرجنتين وما أعقبها من فوضى في قطاع الماشية فتحت باباً للمزارعين الناقدين لترامب، لكنهم ما زالوا أقلية داخل المجتمع الزراعي، بحسب قوله. وأضاف: «أرى عدداً متزايداً منهم الذين كانوا حياديين بحذر، والآن مثلّي يقولون: اعرف ماذا؟ لا. هذا هراء. إنه كارثة».

قضية متكررة

هناك موقف واحد قد يؤيده المزارعون وهو إعلان ترامب في 7 نوفمبر عن فتح وزارة العدل تحقيقاً في أربعة عمالقة لتعبئة اللحوم في الولايات المتحدة — تايسون، JBS، كارغيل وناشيونال بيف — للتحقق من احتمال التواطؤ، وتثبيت الأسعار، والتلاعب بها.

تقليدياً، كان للمزارعين نفوذ تفاوضي محدود عند بيعهم الماشية لأن هذه الأربع شركات تسيطر على أكثر من 80% من السوق. سبق أن بدأ تحقيق مماثل لوزارة العدل في 2020 أثناء إدارة ترامب الأولى بسبب الفجوة بين تراجع أسعار الماشية وارتفاع أسعار لحوم المستهلكين؛ واستمر التحقيق في عهد بايدن لكنه لم يُختتم علناً. ونقلت بلومبرغ أن التحقيق أُغلِق بهدوء بلا نتائج قبل أسابيع فقط من إعلان ترامب عن تحقيق مكافحة الاحتكار الجديد.

يقرأ  ترامب يؤكد:لا توجد خطط لشن ضربات أمريكية على فنزويلا

يرى جيمس ماكدونالد، أستاذ أبحاث في اقتصاديات الزراعة والموارد بجامعة ميريلاند، أن إعلان الإدارة للتحقيق «مباشر لأغراض استهلاك سياسي». وأضاف أن هذه «قضية متكررة تثير استياء المزارعين، ويمكن كسب بعض الأرض السياسية بمهاجمة المعالِجين».

يفضل باكهام لو جاء التحقيق في وقت آخر، مشيراً إلى أن ضيق سوق الماشية حالياً يجعل هامش أرباح المعالِجين أرق ولا يمنحهم وضع القوة المطلقة. في تطور منفصل، أعلنت تايسون إغلاق مصنع للمعالجة في نبراسكا كان يوظف أكثر من 3,000 شخص. ووصف ماكدونالد القرار بأنه «صدمة» تدل على عمق نقص لحوم البقر في الولايات المتحدة. جاء الانخفاض الحالي في مخزون الماشية نتيجة سنوات الجفاف التي قضت على المراعي وأبطأت إعادة بناء القطعان؛ وإعادة إمداد سلسلة توريد الماشية عملية تستغرق سنوات.

«هذا أمر واقعي وأساس طبيعي، ولن يتغير لفترة»، قال ماكدونالد. كما لا يتوقع أن تهدئ الزيادة المتوقعة في واردات الأرجنتين النقص أو تخفّض الأسعار، لأن البلد عادة ما يصدّر إلى الولايات المتحدة لحوماً أقل جودة وأكثر نحافة، وتمثل نحو 2% فقط من مجمل الواردات. توقع أن إعادة إدخال لحم البقر البرازيلي، الذي يغلب عليه القوام الخالي من الدهون، قد تؤثر بشكل محسوس على سوق الواردات، إلا أن أثرها على إجمالي المعروض من اللحوم يبقى محدوداً.

استشهد ماكدوونالد أيضاً بأرقام احتفاظ العجول الإناث؛ وهي أرقام توضح عدد الإناث التي يحتفظ بها المرّبون لبناء قطعان مستقبلية على مدى سنوات مقبلة، وهذه المؤشرات ما تزال منخفضة.

ومن المرجح أن شركة تايسون أخذت هذه البيانات في الحسبان عندما قررت إغلاق مصنعها في نبراسكا، ولا يبدو أن القطاع يتوقع انتعاشاً في أعداد القطعان في الأجل القريب، بحسب ما قال ماكدونالد للجزيرة.

يقرأ  نقضي ساعاتٍ في الطوابور من أجل رغيف خبزٍ واحدٍ

«هذا ما تقوله تايسون: لا نعتقد أن إمدادات الماشية ستتعافى في أي وقت قريب»، قال ماكدونالد.

في الوقت الذي قد لا تُغيّر فيه الآليات الفعلية لسياسات ترامب الأخيرة من ميزانيات المستهلكين أو سوق الماشية فوراً، عبّر وول عن قلقه إزاء التداعيات المتسلسلة لتغطية الأخبار، مشدداً على أن المربّين «يعيشون ويموتون» بحسب تقلبات أسواق الماشية. ومع تزعزع بعض ثقته، إلا أنّ وول يظل يعتقد أن المربّين، المحافِظين بطبيعتهم، سيؤيدون ترامب عندما يحين وقت الانتخبات.

أضف تعليق