التعرّف على «الحصان الميّت» داخل منظمتك
مقدمة
هناك تجربة متكررة يشاركها موظفون في مؤسسات وقطاعات مختلفة: وجود برنامج تدريبي أو نظام تعلم معروف لدى الجميع بأنه قديم ولا يقدم قيمة حقيقية، ومع ذلك لا يتخذ أحد خطوة جادة لإلغائه أو إعادة تصميمه. قد يكون هذا كورس امتثال تم تسجيله منذ سنوات، يفتقد عناصر أساسية، أو موجودًا على منصة نادرًا ما يزورها العاملون. هذه الأمثلة وغيرها هي ما نشير إليه بـ «الحصان الميّت» في مجال التعلّم. ومع أن هذه البرامج تبدو بوضوح غير فعّالة، فإن المنظمات غالبًا ما ترفض النزول عنها، فتستمر في إهدار المال والوقت وتفقد تفاعل موظفيها تدريجيًا. في هذا النص سنفصّل معنى نظرية الحصان الميّت وكيف تكتشف إشارات الفشل في استراتيجيات التدريب.
ما هي نظرية «الحصان الميّت»؟
القول المأثور الذي يوضح الفكرة هو: «عندما تكتشف أنك على حصان ميت، أفضل خطة أن تنزل». وتعكس هذه العبارات عبثية الاستمرار في إنفاق الجهد والموارد على ما لم يعد يحقق فائدة. داخل المؤسسة، يُقصد بالحِصانِ الميّت أي استراتيجية أو نظام أو برنامج فقد غرضه ويستمر فقط من عادة أو روتين. في سياق التعلم، يمكن أن يكون ذلك برنامجا تدريبيا تقليديا عفى عليه الزمن أو ناقصًا أو لا يجذب المتعلّمين.
كيف يتحوّل برنامج تدريبي إلى «حصان ميّت»؟
غالبًا ما تبدأ البرامج ناجحة ثم تتدهور بسبب تغيّرات لم تُؤخذ بعين الاعتبار. تطور المنظمة—زيادة في الحجم، دخول أسواق جديدة، أو تغيّر في عمليات العمل—قد يجعل الاستراتيجيات القديمة غير ملائمة. كذلك، الإهمال في تحديث المحتوى ليس فقط من ناحية المعلومات الجديدة بل أيضًا من ناحية الحفاظ على جذب المتعلّمين، يؤدّي إلى فقدان القيمة. أخيراً، افتقار مقاييس التعلّم إلى الدقّة أو العمق يمنع المنظمة من رؤية فشل المبادرات مبكرًا، ما يؤدي إلى تواصل تكرار نفس الحلول غير المجدية.
خمسة مؤشرات على أن التدريب غير فعّال
فيما يلي علامات واضحة تدل على أن لديك «حصانًا ميّتًا» في منظومتك التعليمية:
1) تراجع مستوى التفاعل
أول وأوضح مؤشر هو انخفاض مشاركة المتعلّمين. قد تلاحظ تسريعهم للمرّات، تخطي وحدات، تعدّد المهام أثناء الدورات، أو رفضهم إكمالها. يتجلّى ذلك في معدلات إتمام منخفضة، نسب انسحاب مرتفعة، قلة التفاعل في المنتديات، أو تقييمات سلبية أو فاترة. التفاعل عنصر أساسي لنجاح التعلّم لأنه يرتبط بفهم أعمق وقدرة على التطبيق، وأي هبوط يتطلب تدخلاً فوريًا.
2) عدم تحسّن الأداء
المعيار العملي لنجاح التدريب هو التغيير الملموس في الأداء اليومي. إذا لم تتحسّن فعالية الموظفين أو كفاءتهم بعد التدريب، فالمحتوى لا يتحول إلى معارف قابلة للتطبيق. يجب رصد تأثير التدريب على مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) وإجراء تقييمات ما بعد التدريب لقياس الاحتفاظ بالمعلومات وتغيّر السلوك كما يلاحظه المديرون.
3) التدريب ردّ فعل بدلًا من كونه استباقيًا
إشارة أخرى لتطبيق نظرية الحصان الميّت هي أن البرامج التدريبية تركز على علاج المشكلات بعد وقوعها بدلًا من توقعها والوقاية منها. المؤسسة الناجحة في التعلم تبني مسارات تدريبية استباقيى تهيئ الفريق لمواجهة التحديات المستقبلية، لا أن تجهد الجهود في معالجة أزمة تلو الأخرى. عندما تُنتج دورات بسرعة كرد فعل لمشكلة محددة فهذا دليل على اختلال في توافق أهداف المنظمة مع أهداف التعلّم.
4) محتوى قديم وغير ملائم
المتعلمون المعاصرون يتوقعون تجارب تعليمية جذابة تواكب التطور التقني وتراعي ضيق أوقاتهم. المحتوى الذي يعتمد على صور ومراجع قديمة، أمثلة غير ذات صلة، أو شرائح مزدحمة بالمعلومات سيفشل في شدّ اهتمامهم. كذلك، طول الوحدات التدريبية عامل حاسم: جلسات تفوق 20 دقيقة غالبًا ما تتسبب في ارتفاع معدلات الانسحاب وتقلّ الفائدة.
5) أصبح التعلّم واجبًا روتينيًا لا فرصة نمو
أكثر المؤشرات خطورة هو أن التعلّم يتحوّل إلى التزام شكلي لا ذو معنى؛ يشارك الموظفون بحكم الاضطرار وليس الحماس. يظهر ذلك في تسارع إتمام الدورات فقط لإنهاء المتطلبات، وانعدام المشاركة في أنشطة غير إلزامية. هذا السلوك يكشف أن الموظفين لا يرون قيمة في التعلم ويصبحون أقل انفتاحًا على الابتكار والتطوير.
خاتمة
تصف نظرية «الحصان الميّت» البرامج أو الاستراتيجيات غير الفعّالة التي ترفض المؤسسات التخلي عنها رغم استنزافها للموارد. وجود مثل هذه البرامج لا يعني فشلًا مطلقًا للمؤسسة بقدر ما يشير إلى أنها في مرحلة تطور؛ إذ إن تمييز العناصر غير المفيدة أو المتقادمة يعدّ دليلاً على وعي تنظيمي يتيح اتخاذ إجراءات تصحيحية. راقب مؤشراتنا الخمس لتتعرف على ما لم يعد يخدم هدفك، ثم قرّر ما إذا كان يتم تحديثه أو استبداله لضمان أن يبقى التعلم محركًا حقيقيًا للتقدم. النهاية.