هل بإمكان كندا أن تصمد حتى انتهاء حرب التجارة مع الولايات المتحدة؟

نظرة عامة
رئيس وزراء كندا، مارك كارني، لا يبدو في عجلة من أمره لإعادة إطلاق محادثات تجارية مع الولايات المتحده. تجاهل سؤالاً خلال عطلة نهاية الأسبوع عن آخر مرة تحدث فيها مع الرئيس دونالد ترامب، مكتفياً بالرد: «مَنْ يهتم؟ إنها تفاصيل. سأتحدث إليه مجدداً عندما يكون لذلك أهمية». وأضاف أن لا «قضية ملحة» يراها تستدعي إثارتها مع نظيره الأمريكي.

نبرة التراخِي والانتقادات
واجه كارني انتقادات بسبب ما بدا عليه من عدم استعجال، ما أثار تساؤلات عمّا إذا كانت كندا تغير نهجها في مفاوضات التجارة مع الجارة الكبرى. ومع ذلك، يفكر كارني في السفر إلى واشنطن الأسبوع المقبل لحضور سحب قرعة كأس العالم الذي تستضيفه كندا إلى جانب المكسيك والولايات المتحده. أفادت مصادر لوسائل الإعلام الكندية بأن اللقاء بين كارني وترامب قد يستغل هذه الفرصة، على الرغم من عدم إعلان أي شيء رسمي حتى الآن.

«الكثير من المظاهر»
قال كريس ساندز، مدير مركز الدراسات الكندية في جامعة جونز هوبكينز: «هذه واحدة من تلك المفاوضات التي يتبارى فيها الطرفان في إظهار المواقف أكثر من التفاوض الحقيقي». وأضاف أن ترامب لا يريد أن يبدو في حاجة ماسة للاتفاق، وكارني لا يريد أن يظهر يائساً أيضاً، فيلعبان لعبة المظهر البارد بينما المال كثير على الطاولة والكثير ليُتفاوض عليه.

إعلان «ريغان» وأثره
تعثرت المحادثات الشهر الماضي بعدما استاء ترامب من إعلان مناهض للرسوم أُذيع في الولايات المتحدة وأُنتج بواسطة مقاطعة أوتاريو، يظهر فيه الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان يقول إن الرسوم «تؤذي كل أمريكي». قبل ذلك كان كارني قد ذكر أنه يبادل ترامب رسائل نصية بانتظام، واصفاً لصحيفة «تورونتو لايف» أسلوب رسائل ترامب بأنها مليئة بالأحرف الكبيرة وعلامات التعجب وبدون حدود زمنية—«عنصر العمل على مدار الساعة».

يقرأ  «كفى قمعًا» — آلافُ التونسيين يتظاهرونَ ضدّ قيسِ سعيِّد

العمل الضاغط من كندا على المشرعين الأمريكيين
على رغم التجميد المؤقت للمحادثات، لا تزال الوفود الكندية تسعى لدى مشرعين في الكونغرس للدفاع عن مصالح البلاد، حسبما قال ريتشارد مادن، مندوب تجارة مقاطعة مانيتوبا، للبي بي سي. لكن مادن أوضح أن المفاوضات لم تتقدم رسمياً إلى ما بعد هذا الإطار.

بُعد سياسي داخلي أمريكي
قال ساندز إن إعلان أونتاريو لامس أوتاراً حساسة لدى كثير من الأميركيين الذين يشعرون بضغوط مالية، وهو وقت حرج سياسياً لترامب قبل انتخابات التجديد النصفي. وذكر مادن أن عدداً كبيراً من أعضاء الكونغرس في وضع حملة انتخابية، وأن الضغوط السياسية بشأن القدرة على تحمل تكاليف المعيشة تجعل الرسوم الجمركية عبئاً إضافياً.

ردود فعل انتخابية واستطلاعات
أشارت استطلاعات للرأي إلى ازدياد القلق من الوضع الاقتصادي بين الناخبين الأميركيين، ما دفع البيت الأبيض إلى التراجع عن رسوم على عشرات المواد الغذائية في وقت سابق من الشهر، وإلى الإعراب عن إمكانية خفض رسوم واردات المعادن من كندا والمكسيك بشرط نقل بعض خطوط الإنتاج إلى داخل الولايات المتحده.

مصالح المعادن والطاقة
قبل توقف المفاوضات، كان الطرفان يناقشان اتفاقاً محتملاً على المعادن والطاقة يأمل الكنديون أن يخفف أثر الرسوم على صناعات الصلب والألمنيوم. فرضت الولايات المتحدة رسوماً بنسبة 35% على جميع السلع الكندية—مع استثناءات كثيرة بموجب اتفاقية التجارة الحرة القائمة—كما فرضت رسوماً محددة على قطاعات مثل المعادن (50%) والسيارات (25%).

هشاشة الاقتصاد الكندي واعتماد التصدير
يُباع نحو ثلاثة أرباع صادرات كندا في السوق الأميركية، مما يجعل اقتصادها عرضة لتقلبات العلاقة التجارية مع الولايات المتحده. ومع ذلك يشير كارني إلى أن إعفاءات الرسوم بموجب الاتفاقية الحالية تخفف من وطأة الرسوم على كندا مقارنة بدول أخرى. تركّز الحكومة حالياً على وعد مضاعفة صادرات كندا إلى دول غير الولايات المتحده خلال العقد المقبل، وقد قام كارني بجولة عالمية للترويج للاستثمار الكندي شملت الإمارات العربية المتحدة وحضور فعاليات على هامش قمة العشرين في جنوب أفريقيا.

يقرأ  العلم الفلسطيني يرفرف أمام مبنى السفارة في لندن بعد اعتراف المملكة المتحدة — أخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

تدابير تخفيفية وقطاع الألمنيوم
في الأثناء، أعلمت حكومة كارني بأنها ستقدم مساعدات مالية للقطاعات المتأثرة بالرسوم بينما تتعامل مع تداعيات العاصفة التجارية. سيكون ذلك مرحباً لدى منتجي الألمنيوم الكنديين الذين اضطروا لامتصاص تكاليف أولية نتيجة الرسوم للوفاء بالتزاماتهم التعاقدية مع زبائن أمريكيين. قال جان سيمارد، رئيس جمعية الألمنيوم في كندا، للبي بي سي إن الأميركيين بدأوا يشعرون بالضغط مع تراجع مخزوناتهم من المعدن، مشيراً إلى أن استهلاك الولايات المتحده للألمنيوم يفوق إنتاجها المحلي، ما يجعلها معتمدة على الواردات. وختم: «الوقت في صالحنا والألم في جانبهم. بإمكاننا المضي قدماً ونحن نعتقد أن مصلحة كندا أن لا تندفع نحو اتفاق مبكّر».

ضغوط داخلية وانتقادات المعارضة
لكن كارني يواجه ضغوطاً داخلية أيضاً للمضي سريعاً نحو حل. لفت مادن إلى أن رسوم الولايات المتحده على الماكينات الثقيلة أثّرت بشدة في مانيتوبا، وأن العاملين في هذا القطاع «قلقون للغاية». انتقدت المعارضة المحافظة تصريحات كارني واعتبرتها تبرُّخاً بخسائر آلاف الوظائف، واتهمته بالفشل في التفاوض وتحقيق «نجاح» كان قد وعد به خلال الحملة الانتخابية. اعتذر كارني الثلاثاء عن «اختيار سيئ للكلمات» في تعليقاته خلال عطلة نهاية الأسبوع.

آفاق مستقبلية
مع قرب انتخابات التجديد النصفي الأمريكية ومراجعة اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية (USMCA أو CUSMA في كندا) المقررة عام 2026، ثمة من يأمل بأن يلوح حل في الأفق. ذكر ساندز أن مكتب ممثل التجارة الأمريكي سيعقد جلسات استماع عامة أوائل ديسمبر حول الاتفاقية، وأنهما—كندا والولايات المتحده—من المرجح أن تستمعا إلى منظمات الأعمال التي تطالب باستمرار التجارة الحرة. قد يمهّد ذلك الطريق أمام كارني للقول: «القطاع الخاص يؤكد رغبته في اتفاق؛ فماذا يمكننا أن نفعل؟»

أضف تعليق