هل ستدفع منطقة اقتصادية مدعومة من الولايات المتحدة لبنان إلى نزع سلاح حزب الله؟ — في ظل هجمات إسرائيل على لبنان

مقترح بِإطلاقه دبلوماسي أميركي: «منطقة اقتصاديه» في جنوب لبنان

طرحت الولايات المتحدة مقترحاً لإنشاء منطقة اقتصادية في جنوب لبنان، عرضه مبعوثها إلى الشرق الأوسط توماس باراك خلال زيارة إلى بيروت، مع إيراد تلميحات عن تمويل محتمل لكنه لم يزود بتفاصيل جوهرية. محللون وصفوا الفكرة بأنها بعيدة المنال وضعيفة الإعداد، وتهدف، بحسبهم، لتحفيز الحكومة اللبنانية على المضي في نزع سلاح حزب الله.

خلال لقائه الصحفيين قال باراك: «نحن – الخليج والولايات المتحدة ولبنان – سنعمل معاً لتأسيس منتدى اقتصادي يؤمن سُبل العيش». وقد فسّر بعض الخبراء إمكانية استلهام الفكرة من مناطق صناعية مؤهلة شبيهة بتلك الموجودة في الأردن ومصر، لكنهما مرتبطتان باتفاقيات سلام مع إسرائيل، وهو أمر يصعب على لبنان تقليده بعد الحرب الأخيرة.

الضغط على حزب الله لنزع السلاح

تفاقم الزخم الإقليمي والمحلي لدعوات نزع سلاح حزب الله بعد الحرب التي اندلعت في 8 أكتوبر 2023 وتكثفت في سبتمبر ثم توقفت رسمياً بوقف لإطلاق النار في 27 نوفمبر، رغم أن اسرائيل اعتُبرت من قبل مراقبين أنها انتهكت الاتفاق مرات عدة دون تبعات ملموسة. تكبدت قدرات الحزب العسكرية خسائر خلال القتال، واغتيل عدد من قياداته، كما تضعف دعم المحور المناوئ لإسرائيل، الذي تقوده إيران، إثر تطورات إقليمية كبيرة ذُكرت بينها سقوط رئيس سوري في ديسمبر وهجمات مدعومة أميركياً من إسرائيل على إيران في يونيو، ما أثر في قدرة حزب الله على الاعتماد على الغطاء الإقليمي نفسه.

محلياً فقد الحزب شعبيته خارج قواعده التقليدية على مدى عقدين؛ إذ كان يُنظر إليه ذات مرة كقوة قادرة على صد إسرائيل، لكن تدخله في أحداث عدة—من سيطرته على غرب بيروت عام 2008 وتدخله في سوريا إلى دعمه قوى مضادة خلال انتفاضة 2019—أضعفت صورته لدى قطاعات واسعة من اللبنانيين. تحوّل موقف عدد من حلفائه السياسيين، بينهم التيار الوطني الحر ومرشح رئاسي سابق مثل سليمان فرنجية، نحو تأييد فكرة نزع السلاح، في حين ترى قوى المعارضة أن تحييد السلاح يتركز السلطة في يد الدولة اللبنانية.

يقرأ  هل سيؤثر زواج تايلور سويفت من ترافيس كيلسي على مسيرتها الموسيقية؟

حتى الآن يرفض حزب الله أي مطلب بنزع سلاحه ويهاجم الحكومة الجديدة التي تشكلت في يناير، والواقعة تحت ضغوط أميركية وإسرائيلية، لنيتها المعلنة بالمضي قدماً في هذا المسار. ووسط احتجاجات شهدت رفع أعلام الحزب ورسومات جدارية تندد بباراك خلال زيارته لجنوب لبنان، قال نائم قاسم، نائب الأمين العام، في خطاب في 25 أغسطس: «لن نتخلى عن السلاح الذي يكرمنا ويحمينا من عدوّنا»، وأضاف أنه لا يثق في قدرة الحكومة الحالية على حماية سيادة لبنان إن واصلت سياستها.

الآثار النفسية والإنسانية للحرب

العدوان الإسرائيلي أودى بحياة أكثر من أربعة آلاف لبناني وأجبر أكثر من مليون شخص على النزوح خلال حرب اشتُبه أنها شهدت هجمات إسرائيلية تفوق عدد الهجمات التي شَنّها حزب الله أو حلفاؤه بنحو خمس مرات في بعض الفترات. على الرغم من نصوص وقف إطلاق النار التي تقضي بانسحاب القوة الإسرائيلية من جنوب لبنان، استمرت اسرائيل في احتلال نقاط متعددة هناك وتدمير قرى، كما شنّت عمليات برية أجبرت أهل الجنوب على الفرار وتحويل أجزاء من المنطقة إلى ما وصفته تقارير بأنه «منطقة عازلة غير صالحة للسكن» جراء القصف المكثف واستعمال الفسفور الأبيض.

المحلل السياسي كريم إميل بيطار لفت إلى أن الناس في جنوب لبنان ما زالوا يعانون من صدمات نفسية جراء الحرب، وأن ذلك سيجعل أي مبادرة اقتصادية أميركية صعبة القبول، لا سيما في ظل عدم ثقة واسعة بالولايات المتحدة كوسيط نزيه لدى فئات من العرب والمسلمين والدول في الجنوب العالمي.

دوافع واشتباهات حول الهدف من المقترح

يرى محللون أن هدف باراك ربما كان تحفيز أهالي المناطق المؤيدة لحزب الله أو المنتسبين إليه للضغط على الحكومة اللبنانية من أجل استمرار عملية نزع السلاح. استشهد باراك في حديثه بتقدير أنّ «لدينا 40 ألف شخص يتقاضون رواتب من إيران للقتال»، وتساءل: «ماذا ستفعلون معهم؟ تأخذون أسلحتهم وتقولون: بالتوفيق في زراعة الزيتون؟»

يقرأ  حظر إطعام الحمام يشعل جدلاً واسعاً في الهند

تفيد تقارير إعلامية بأن فكرة منطقة صناعية أو اقتصادية في «شريطٍ» جنوبي على الحدود قد نوقشت بين باراك ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في باريس، على أن تُقام مصانع مملوكة للدولة اللبنانية قرب الخط الحدودي. لكن تفاصيل المشروع ضئيلة، وجميع المحللين الذين تحدثت إليهم الجزيرة قالوا إن غياب التفاصيل يجعل تصور ما ستشمله هذه المنطقة أمراً صعباً.

الاستعانة بمقاييس المناطق الصناعية المؤهلة

يشير الباحث جوزيف ظاهر في كتابه عن حزب الله إلى تجربة المناطق الصناعية المؤهلة (QIZs) في الأردن ومصر، حيث تتضمن شروط التأهيل وجود مدخل إسرائيلي في منتجاتها. لكن الأردن ومصر طبّعا علاقاتهما مع إسرائيل، وهو أمر يرفضه كثير من اللبنانيين بشدة، ما يجعل تكرار النموذج أمراً محقّقاً بصعوبة كبيرة في لبنان.

انتقادات فنية واجتماعية للمناطق الاقتصادية المعزولة

ينتقد خبراء كذلك منطق هذه المناطق بكونها غالباً ما تعمل كمعازل معزولة عن المجتمعات المحلية، وتؤدي أحياناً إلى تهجير السكان وإلى تأثيرات بيئية خطيرة نظراً لحاجتها لمساحات واسعة من الأرض. كما أنّها قد تسهم في انتهاكات لحقوق العمال لأن تشكّل النقابات غالباً ما يكون مقيداً داخلها، كما قال ياسر الششتاوي، أستاذ مساعد في العمارة بكلية كولومبيا ومؤلف كتاب عن المدن المؤقتة، للجزيرة.

غياب ثقة السكان ورفض المشاركة

حتى لو تحقّق تمويل المشروع وبدء تنفيذه، يظلّ احتمال قبول السكان المحليين أو العمال فيه أمراً ضئيلاً. كما أشار المحلل والكاتب اللبناني مايكل يونغ للجزيرة: «لا أرى أي رغبة أو تَجاوُب». لا يرى سكان جنوب لبنان الولايات المتحدة فاعلاً نزيهاً أو حكومة تعمل لصالح مصلحة لبنان، كما يذكُر محلّلون.

«الفكرة مرفوضة لأن لا ثقة في الولاات المتحدة»، قال قاسم قصير، وهو محلّل سياسي لبناني يُنسب إليه تقارب مع حزب الله.

يقرأ  قد تصل سفن حربية أميركية إلى سواحل فنزويلا بحلول نهاية الأسبوعفي إطار عملية ضد كارتلات المخدرات

بعد حرب عنيفة مع إسرائيل — الحليف الوثيق للولايات المتحدة وأكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأميركية — يصعب على كثير من اللبنانيين تصديق أن واشنطن تعمل لصالحهم.

«منطقة اقتصادية ممكن أن تمنح الاقتصاد بعض الأوكسيجين وتخفف من معاناة السوق»، قال بيطار. «ومع ذلك، يتعين عليها تجاوز سلسلة عقبات، وأهمها اليوم عقبة نفسية: انعدام الثقة.»

على مدى الأشهر الثلاثة والعشرين الماضية، اتّسمت سياسة الولايات المتحدة بالتساهل إلى حدّ كبير حيال هجمات إسرائيل على جيرانها في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا، مما عزّز انطباعاً عاماً بعدم حياد أميركي حقيقي.

«لم تضغط الولايات المتحدة — لا خلال العام والنصف الماضيين خصوصاً — على إسرائيل لوقف انتهاكات حقوق الإنسان، سواء في مسألة القتل الجماعي في فلسطين أو الاحتلال في لبنان أو الضربات في سوريا»، يقول ظاهر. «بل على العكس، لقد دعمتهم.»

أنصار حزب الله اللبنانيون، الذين يعيش كثير منهم في المناطق المقترح فيها إنشاء المنطقة الاقتصادية، عبّروا عن ردة فعل شديدة من انعدام الثقة تجاه النوايا الأميركية على منصات التواصل الاجتماعي وفي الخارج.

العديد في لبنان لا ينظرون إلى الرئيس دونالد ترامب أو إلى بلده كطرف يتصرف بحسن نية أو يمثل مصالحهم الوطنية. البعض وجّه انتقادات لاذعة للحكومه واصفاً إيّاها بأنها تعمل لخدمة مصالح أميركية وإسرائيلية.

مع ذلك، يرى المحلّلون أنه بغضّ النظر عن غياب الثقة بخطط الولايات المتحدة للمنطقة، فإن البدائل السياسية محدودة للغاية أمام ما تقترحه واشنطن وتل أبيب.

«نتيجة لتداعيات 7 أكتوبر والآثار المدمرة الإقليمية لتلك الأحداث، تُفرض على قطاعات واسعة من السكان هيمنة أميركية-إسرائيلية كاملة»، يختتم ظاهر. «عملية التطبيع ستستغرق وقتاً لتُفرض، لكنها تتقدّم واقعياً — لذا فالمسألة تتعلّق بالتمكّن من التعامل مع الواقع القائم والفراغ السياسي الذي لا يوفر بدائل حقيقية.»

أضف تعليق