هل ياسين مالك — أشهر الانفصاليين في كشمير — عميل للمخابرات الهندية؟ — أخبار التوتر بين الهند وباكستان

على مدار أكثر من ثلاثة عقود، ارتبط اسم ياسين مالك بريادة صفوف ناشطين مناصرِين للحرية في كشمير الخاضعة لادارة الهند. القائد الذي صار مرادفاً للكفاح المسلح الذي اندلع في أواخر الثمانينيات سعياً لاستقلال كشمير عن الهند، ثم تحوّل إلى الدعوة للمقاومة السلمية وغير العنيفة، يقضي اليوم حكماً بالسجن المؤبد في سجن بنيو دلهي. عند أجهزة الأمن الهندية والمؤسسة الاستراتيجية في نيودلهي يُصوَّر على أنه خصم خطير، وفي الوقت نفسه ظل موضع شك لدى باكستان التي تزعم الهند طويلاً أنها تدعم العنف المسلح في المنطقة.

لكن إفادة مثيرة من 84 صفحة قدّمها مالك إلى محكمة دلهي العليا أواخر أغسطس اجتذبت اهتمام الرأي العام الهندي خلال الأسابيع الماضية، بسبب سلسلة ادعاءات استفزازية وردت فيها — وهي ادعاءات يرى بعض المسؤولين والمحلّلين الهنود السابقين أنها قد تحتوي على عناصر من الحقيقة.

تطعن عريضته في السردية السائدة ليس فقط بشأن مسيرته الانفصالية الممتدة عقوداً، وإنما أيضاً بشأن تعامل الدولة الهندية مع حركة التمرّد في الإقليم المتنازع عليه وتطالب به باكستان أيضاً. والسؤال المركزي والمدهش في ادعاءاته: هل كان فعلاً على امتداد سنوات مجرد عميل للاستخبارات الهندية؟

ما جوهر ادعاءات ياسين مالك؟
يفيد مالك في إفادته بأنّه منذ التسعينيات — وهي الفترة التي بلغ فيها التمرّد المسلح ذروته بين شباب كشمير الرافضين لسلطة نيودلهي — كان يدخل في اتصالات مع أعلى مستويات السلطة في الحكومة الهندية سعياً لحل النزاع. يقول إنه التق مت عدة مرات برؤساء وزراء ووزراء فيدراليين ورؤساء الأجهزة الاستخبارية، وأعضاء من منظمة الراشتريا سوامي سيفاك سانغ (RSS)، وحتى اثنين من كبار الزعماء الدينيين الهندوس الذين زاروا منزله في سريناغار “مراراً وتكراراً” في إطار دبلوماسية خلف الكواليس الممنوحة لها ولاية من قبل الحكومة الهندية في مسعى لدفع جهود السلام. وتجدر الإشارة إلى أن الـ RSS تشكل المرجع الأيديولوجي لحزب بهاراتيا جاناتا (BJP) ذي التوجهات الهندوسية الأغلبية.

ويذكر أيضاً أن لقاءً جرى عام 2006 مع حافظ سعيد، مؤسس مجموعة جيش اللهب (لشكر طيبة) المقيم في باكستان والمطلوب لدى الهند على خلفية هجمات مومباي 2008، لم يكن مبادرة شخصية منه بل نظّمتْه مكتب الاستخبارات الداخلية (IB) كجزء من جهود لإقناعه بالتخلي عن السلاح.

من هو ياسين مالك؟
ولد في حي ميسوما المطّل على النهر في مدينة سريناغار، وكان عمره 21 سنة حين قيل إن الانتخابات المحلية في كشمير الخاضعة لإدارة الهند تم التلاعب بنتائجها عام 1987 لمنع فوز مرشحين موالين للانفصال. بوصفه مُندوب اقتراع شاباً في إحدى مراكز الاقتراع، شهد مالك بنفسه المخالفات والتلاعبات التي اعترف بها كثيرون لاحقاً — ممهّدًا لحركة التمرّد العنيفة التي اندلعت عام 1989.

غاضباً من ما وصفه بسرقة الأصوات، جمع مجموعة من المتطوعين المستائين وانتقل إلى باكستان حيث تُتهم المؤسسة الأمنية الباكستانية بمنحه تدريباً عسكرياً. عاد ليتولى قيادة جيش تحرير جامو وكشمير (JKLF)، الحركة المتمرّدة التي تأسست عام 1977 وكانت وراء سلسلة هجمات دامية على قوات الأمن الهندية.

لكن سرعان ما تباعدت مواقفه عن اسلام اباد بسبب دعمه لاستقلال كشمير عوض اندماجها مع باكستان ذات الغالبية المسلمة. ومع اختياراته طريقاً مختلفاً للمواجهة، اكتسبت حركة حزب المجاهدين (حزب المجاهدين) تأييداً باكستانياً متزايداً.

يقرأ  جامعة كاليفورنيا في إيرفين تتولى إدارة متحف فنون مقاطعة أورانج

تم اعتقال مالك واحتجازه من قِبَل السلطات الهندية عام 1990. ويفيد بأنه بعد توقيفه نُقل إلى سجن تيهار الشاسع في نيودلهي ثم أُبقي في بيت ضيافة في مهراولي على مشارف العاصمة حيث التقاها كبار مسؤولي الأجهزة الأمنية “تقريباً يومياً”، وكانوا يصرّون على أن يتناول العشاء مع رئيس الوزراء آنذاك تشاندرا شيخار، واضطرّوه إلى التخلي عن السلاح.

ويؤكد أنه ظل على اتصال مع أربعة رؤساء وزراء هنود آخرين عبر طيف سياسي واسع، بينهم بي. ف. ناراسيما راو من حزب المؤتمر، إندر كومار جوجرال الذي ترأس حكومة ائتلافية مؤقتة في التسعينيات، أتَل بهاري فاجبايي من حزب الـ BJP، ومانموهان سينغ من حزب المؤتمر، وكان فاجبايي وسينغ مشاركين بنشاط في محادثات سلام مع باكستان. تولى ناريندرا مودي رئاسة الحكومة عام 2014 خلفاً لمانموهان سينغ.

أُفرج عن مالك عام 1994 — ويقول إن ذلك كان جزءاً من تفاهم ضمني مع نيودلهي، دفعه إلى التخلي العلني عن الكفاح المسلح وإعلان وقف لإطلاق النار والعزم على نضال سلمي من أجل استقلال كشمير مستلهماً مبادئ المقاومة اللاعنفية التي روّج لها مهاتما غاندي.

ثم قاد مالك سلسلة احتجاجات سلمية في شوارع كشمير ضد ما وصفه بالاعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل الذي تمارسه القوات الهندية ضد المدنيين، وضد حرمان السكان من الحقوق السياسية والإنسانية، ومطالبة بإنهاء الحكم الهندي. واعتقل مراراً خلال تلك السنوات المتوترة، ما عزز من صورته كقائد نزيه وراسخ في قضية كشمير.

لكن مساره العام شهد منعطفاً حاداً في 2019 بعد أن أسفرت هجمة انتحارية يشتبه بأنها نفذتها جماعات متمردة في منطقة بولواما عن مقتل أربعين جندياً هندياً. اعتقل مالك وحُظر نشاط JKLF. وأُعيد فتح قضايا عالقة ضده منذ عقود — قضايا كان يزعم أنه نال عنها عفواً من قبل الحكومة الهندية — من بينها تهم جسيمة مرتبطة بخطف ربيعيا ساييد ابنة وزير الداخلية السابق موفتي محمد ساييد عام 1989، وقتل أربعة من أفراد سلاح الجو الهندي عام 1990، وتلقي أموال من باكستان لزعزعة الأمن في الهند.

في مايو 2022 قضت محكمة خاصة بحبسه مؤبداً مرتين، إضافةً إلى خمسة أحكام بالسجن الصارم مدة عشر سنوات لكل منها وغرامة قدرها 100,000 روبية (نحو 1,127 دولاراً). ومنذ ذلك الحين وهو محتجز في سجن تيهار.

لماذا قدّم مالك الإفاده الخطية؟
مالك قدّم إفادته الخطية أمام محكمة دلهي العليا في 25 أغسطس ردًّا على طلب الوكالة الوطنية للتحقيق (NIA) بترقية حكم السجن المؤبد إلى عقوبة الإعدام. في إفادته يوضّح أنه، رغم الصورة العامة التي حافظ عليها كرجل صلب لا يلين ومحط إعجاب ملايين الكشميريين لتحديه سلطة الهند، كان في الواقع يدخل في شراكات تعاونية مع حكومات هندية متعاقبة، والتي —بحسب قوله— أكدت له أن التهم الجسيمة الموجهة إليه أو إلى الجبهة الشعبية لكشمير لن تُتابَع ما دام سار على نهج اللاعنف. ويضيف أن الحكومة الهندية أحترمت هذا التفاهم لما يقرب من خمسة وعشرين عامًا، وأن الوكالة الوطنية للتحقيق تحرف الآن الوقائع لتصويره كـ«إرهابي».

يقرأ  حركة اجتماعية فريدة ومبهجة تتبلور في فيديو سينوبي الموسيقي «سترايدز» — كولوسال

يقول مالك إن هدف إفادته إبراز وجهة نظره، وبيان الظروف المخففة التي تصرف في ظلّها، وكشف ما يعتبره خيانات من قبل السلطات الهندية بعد سنوات من المحادثات السياسية والاجتماعات السرّية. ويزعم أن زيارته لباكستان عام 2006 للقاء سعيد كانت بتأييد مسؤول كبير في المخابرات الهندية، وأنه عند عودته أطلَع كبار المستشارين الأمنيين في الهند على حيثيات اللقاء.

صحفي مقيم في المملكة المتحدة ومتخصص في شؤون كشمير قال لـ«الجزيرة» إن إفادة مالك «تكشف واقع الدخان والمرايا» في صراعات مثل ذلك القائم على جبال الهيمالايا. وصف قضيّة مالك بأنها اختبار حاسم —من وقف مع من، وكيف كانت دوافعه— وطلب هذا الصحفي عدم الكشف عن هويته خوفًا من أن تمنعه الحكومة الهندية من زيارة البلاد. من جهته، رأى إيه إس دولات، الذي شغل مناصب عليا في جهاز الاستخبارات الداخلية ورأس جهاز البحوث والتحليل، أن قرار نيودلهي بالانفتاح على مالك في تسعينيات القرن الماضي يجب تفسيره في سياق عمليات السلم التي سعت حكومات متعاقبة لمتابعتها. «كل من يمكن أن يساعد في مسار السلام تم التواصل معه، والفكرة كانت محاولة إحلال السلام. كان هناك توافق، وتباين من حكومة لأخرى ومن درجة لأخرى»، كما قال. وأضاف أن الزمن والناس يتغيرون، وأن الحالة الحالية لا تشبه ما كانت عليه الأمس. إلا أن دولات لم يدلِ برأي محدد حول صدقية مزاعم مالك.

ما الذي كشفه مالك أيضًا؟
يزعم مالك في إفادته أنه لعب دورًا في إحباط انتفاضة شعبية في القسم الخاضع للإدارة الهندية من كشمير عام 2016 بعد مقتل القائد الشابburhan واني. ويذكر أنه التقى بالزعيم الكشميري المؤيد للحرية سيد علي شاه غيلاني أثناء تلك الاحتجاجات، وأن الحكومة الهندية وافقت ورفعت الأمر إلى الجهات المعنية، وفق ما ورد في الإفادة. في اللقاء طلب مالك من غيلاني تعليق الإضراب «منحًا مهلة يومين أو ثلاثة»، كما يشرح، ضمن «روزنامة احتجاجات» كانت متّبعة من قبل المحتجين. ويقول إن اقتراحه نفِذ رغم معارضة تحالف الجماعات الانفصالية الذي كان يقوده غيلاني، ما أدى إلى احتواء الاحتجاجات وتلاشي الحركة خلال أسابيع، وأن مقترحه حظي أيضًا بدعم مجتمع الأعمال والتجارة في كشمير الذي كان يتكبد خسائر جراء الإضراب.

تفاصيل أخرى في الإفادة تشير إلى مشاركته في محادثات خلفية سرّية عام 2000 مع الملياردير الهندي ديروبهاي أمباني، والد موكيش أمباني رئيس مجلس إدارة شركة ريلاينس. آنذاك كان أمباني الكبير يستثمر في مصفاة نفط بولاية غوجارات الغربية وكان يقلق من أنها تقع «في مرمى نيران باكستان»، فخشى أن التوترات العسكرية المتواصلة بين الهند وباكستان تهدّد مشروع المصفاة، فباشر محادثات مع مالك عبر أحد معاونيه المقربين. لا يكشف مالك كثيرًا عن تفاصيل ذلك اللقاء، سوى تبادل المجاملات والتقارب على خلفية قواسم مشتركة من بدايات متواضعة، ولا يذكر إذا ما نجح في تهدئة مخاوف الصناعي بشأن المشروع الذي أصبح اليوم من أكبر مصافي النفط في العالم.

يفتخر كذلك بحصوله على جواز سفر هندي في عهد رئيس الوزراء أتال بيهاري واجبايي عام 2001، حين كان لال كريشنا أدفاني وزيرًا للداخلية، ويقول إنه سافر إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية ودول أخرى، وأبلغ السلطات الهندية بأسماء من يلتقيهم هناك.

يقرأ  المسعفون: أربعة قتلى في هجوم إطلاق نار بالقدس

ما مدى مصداقية ادعاءات مالك؟
في 19 سبتمبر نشرت مهبوغة مفتي، رئيسة وزراء كشمير السابقة، على منصّة X أنها خاطبت وزير الداخلية الاتحادي أميت شاه طالبة أن «يتعامل برحمة» مع قضية مالك في ضوء ما ظهر من مستجدات، بينما تسعى NIA للحكم عليه بالإعدام. مفتي هي أخت روبيا سعيد، ابنة وزير الداخلية الأسبق التي يتّهم مالك بالمساعدة في اختطافها عام 1989. وبعد أسبوع، كتبت مفتي في عمود لـ«ذا واير» أن الدولة الهندية «استخدمت أفرادًا لتحقيق أهداف قصيرة الأمد ثم تخلت عنهم أو عقّبتهم عندما انتهت فائدتهم»، وقارنت حالة مالك بالإعدام السري لأفزل غورو داخل سجن تيهار عام 2013؛ غورو، وهو كشميري، أدين في هجوم على مبنى البرلمان الهندي عام 2001.

في رسالة من السجن عام 2004 إلى محاميه، ذكر غورو اسم ضابط شرطة هندي يُدعى دافندر سينغ، الذي طلب منه بحسب الرسالة أن يساعد المتهمين في هجوم البرلمان. تلك الاتهامات لم تُحقّق قط. في عام 2020، اعتُقل سينغ في كشمير أثناء تنقّله في سيارة مع رجلين يُشتبه بأنهما عضوان في جماعة “حزب المجاهدين” المسلحة التي تتخذ من باكستان مقرًّا لها، ما أثار تساؤلات جدّية حول كيفية أداء الشرطة والأجهزة الاستخباراتية الهندية في الجزء الذي تديره الهند من كشمير.

«إذا أُعدم المبلّغون، وإذا سُجن بناة السلام، وإذا خُيّبت الثقة مرّاتٍ ومرّات، فما الذي يبقى من مستقبلٍ للتصالح في كشمير؟» كتبت مفتي في عمودها.

ياسين مالك، رئيس جبهة تحرير جامو وكشمير (JKLF)، وسط الصورة، يخرج من منزله بعد أن احتجزته الشرطة الهندية في سريناغار، الجزء الذي تديره الهند من كشمير، في 10 نوفمبر 2016 [مختار خان/أسوشيتد برس]

مع ذلك، يرى خبير الأمن أجاي ساهني أن إفصاحات مالك قد تُسفر عن أثر معاكس لما يهدُف إليه؛ إذ بدت وكأنها تكشف عنه كشخص «مشكوك الأصيل» لعب على طرفي الساحة.

«هناك قضايا قتل وإرهاب ملاحقة ضده. لا بدّ أنه كان علي علاقة بمن لديه نفوذ داخل الحكومة. ولهذا سمِح له بالبقاء طليقًا؛ وإلا لكانت اتُّخذت إجراءات ضده طوال تلك السنوات»، قال ساهني، المدير التنفيذي لمعهد إدارة النزاع في نيودلهي.

«فقط لأن الدولة وظّفتك لا يعني أنك إنسان ذو نزاهة»، أضاف ساهني، مشيرًا إلى وصف مالك لمحاكمته الجارية بأنها «خيانة للثقة» على خلفية زعمه بأنه وُعِد بالعفو من قبل الحكومة الهندية. «بل بالعكس: لو كنت ذا نزاهة فعلًا لما سمحت لك الدولة بأن تُستغل.»

لكن الصحفي والمؤلف فيكرام جِت سينغ، الذي غطّى كشمير في ذروة التمرّد خلال التسعينيات، يرى أن القيادة السياسية والهياكل الأمنية في الهند «كانت على اطلاع كامل بما كان يجري» وأن مزاعم مالك تبدو «معقولة».

«من المعروف أن الحكومات استثمرت هذه العناصر لبناء جسور»، قال لـــ”الجزيرة”. «تُبيّن هذه الحكايات كيف تعمل الدول عندما تُلزمها إرادة سياسية تسعى إلى التصالح مع خصم؛ والنموذج هنا مزيج من الدولة-الأمة والفاعلين غير الدوليين.»

أضف تعليق